الدستوري الحر و النهضة : من سيُقصي الاخر من اللعبة اولا ؟
عبير موسي: حركة النهضة حزب ينشط بصفة غير قانونية و سنقاضي الغنوشي و البحيري بتهمة التزوير
نور الدين البحيري: عبير موسي لا تعترف بالدستور وتحرض على الكراهية والتقاتل بين التونسيين
من مشهدية سياسية الى اخرى يبدو أنّنا عالقون في صراع الثنائيات الذي يتخذ في كلّ فترة وجوها جديدة، لا تعترفُ بأدوات الديمقراطيّة، لأنها تعتقد أن تصدر المشهد الانتخابي يمنح صاحبه شرعيّة اقصاء الكيانات المُختلفة- أو العدّوة سياسيا لأنها "تُعتبر خطرا على الديمقراطيّة".
من يُحدد من هو "الخطر" على الديمقراطية، ووفق أيّ مقاربة؟ الدستوري الحرّ والحزب الاسلامي النهضة لهما الاجابات الجاهزة لهذا السؤال، اذ تسعى عبير موسي رئيسة الدستوري الحرّ لتصنيف النهضة حركة ارهابية ويسعى الحزب الاسلامي لحلّ الدستوري الحر لأنه حزب "يمتهن ترذيل الثورة".
7 جويلية 2020، كان للحزبين موعد مع الانتقال من مُجرد التلاسن اليوميّ في جلسات البرلمان، الى ساحة المطالبة باقصاء الاخر من المشهد تماما وانهاء تجربته السياسيّة . "من سوء حظ عبير موسي أنها وفرت كل الشروط لحل حزبها من خلال رفضها الاعتراف بالدستور وعدم الخضوع إلى القانون والتحريض على الكراهية. " هكذا كان تصريح نور الدين البحيري القيادي في الحركة الاسلامية ساعات بعد الندوة الصحفية لعبير موسي رئيسة كتلة الدستوري الحر، أين تلت على مسامع الصحفيين بيانا مُطالبا بسحب التأشيرة من حركة النهضة من أجل انتماء مؤسسيسها و قياداتها لتنظيم الاخوان المسلمين العالميّ والذي تم تصننيفه في بعض الدول كمنظمة ارهابية.
منذ بدء الدورة النيابية وفي كلّ موعد تشريعي، يتم تصنيف الأصوات على أساس واه، اما أن تكون مع "عبير موسي" أو مع "الغنوشي"، وهو اسقاط للاستقطاب الثنائي المريض الذي نجت منه تونس 2014 عبر التوافق بشق الأنفس، هذه المرّة بين ممثلي المنظومة القديمة أو "الدساترة" وبين الاسلاميين. انسحبت هذه الصندقة الايديولويجة على بقية مكونات المشهد السياسي لـتـُذوب هوياتهم الحزبية في نظر الرأي العام. المُراد، هو تحويلهم من كيانات سياسية مختلفة ومستقلة الى مجرّد "أذرع"/ "باراشوك"/ "أذيال" اما لموسي أو للنهضة. هذا الاغتيال المفتعل للتعددية ولو رمزيا، أخطر على الديمقراطية من تواجد بعض الأطراف المتشددة فيها.
بينما التعامل مع المتطرفين قد يتم عبر أدوات القانون فانّ الاصطفاف والولاءات قد تذهب الى أبعد من ذلك. حصر الاختيارات السياسية بين النهضة أو عدو النهضة ( في هذه الحالة الدستوري الحرّ) هو اهانة لبقية مكونات المشهد التي تملك خطها السياسي ومشاريعها الخاصة واهانة للناخبين الذين وجدوا أنفسهم قد انتخبوا مُـداولين لأحزاب أخرى لم يصوتوا لها. صراع، يبدأ بمحو المناطق الرمادية الوسطية للأحزاب التي لا تريد الانخراط في صراعات وهمية. من جهة، يؤسس هذا الصراع لديكتاتورية يُقصى فيها المنافس – ومن وراءه ملايين التونسيين الذي انتخبوه لتمثيلهم ومن جهة أخرى يشرع للعنف السياسي الذي بدأ بالتهجم والاتهامات المتبادلة ولا نعرف كيف سينتهي.
العبث في هذا التصادم بين الطرفين، هو أنه لا حلّ في الأفق غير التعايش السلمي على قاعدة المواطنة والمصلحة الوطنية وهو خيار يرفضه بشراسة كلّ من النهضة والدستوري الحر، اللذان يُخوّنان من يتعامل مع "العدو" أو يمتنع عن المشاركة في هذه "المعركة".
انتقلت عبير موسي من تصنيف الصراع كصراع فكري مبدئيّ الى تحويله لمعركة قانونية. في نقطة صحفية بالمجلس، أكدت رئيسة الدستوري الحرأن ملف حركة النهضة غير قانوني وأن إجراءاته غير سليمة، مشددة على أنها ستلجأ إلى المحكمة الإدارية لإلغاء قرارترخيصها ومقاضاة وزير الداخلية آنذاك فرحات الراجحي.
"الغنوشي تم اختياره من طرف الداعية الإخواني يوسف القرضاوي لعضوية مجلس أمناء اتحاد علماء المسلمين التابع لحركة الإخوان المسلمين.. وهو عضو جماعة إرهابية. التصريح المتعلق بطلب تكوين حركة النهضة، الممضى والمقدم يوم 28 جانفي2011 مدلس. حركة النهضة غير قانونية وملف تأسيسه خال تماما من أي وثيقة تثبت استرداد الحقوق أو شهادة العفو العام التي يفرضها قانون 388 الذي ينص على أنه يمنع أن يكون من بين مؤسسي الأحزاب السياسية ومسيريها من صدر في شأنهم حكما باتا يتجاوز 3 أشهر نافذة أو 6 أشهر مع تأجيل التنفيذ، والحال أن القياديين علي العريض وحمادي الجبالي لم يدليا بشهادة في استرداد الحقوق، علما وأن مرسوم العفو التشريعي العام دخل حيز التنفيذ في 28 فيفري 2011 والترخيص لحركة النهضة تم تسليمه يوم 1 مارس 2011." هكذا صرّحت المحامية.
النهضة، صراعها مع الدستوري الحرّ ليس ايديولجيا كما تدعي، باعتبار أن الحركة الاسلامية في العشر سنوات الاخيرة لم يكن لها مانع في "المصالحة الوطنية" مع رموز النظام السابق وحتى التحالف معهم سياسيا ومشاركتهم الحكم (2014) والدعوة لضمهم للحزام السياسي (2020). ما تهابه النهضة فعليا هو تعاطف العائلة الديمقراطية الوسطية (من القاعدة الانتخابية للنداء) مع عبير موسي وامكانية استغلال ذلك في تكوين جبهة برلمانية ضدها في المجلس (جلسة الحبيب الجملي مثالا)، مما يدفع النهضة بشكل هيستيري الان الى محاولة زجّ قلب تونس في الحكومة لتضمنه كشريك.
في قراءة أولى، يُمكن تفسير هذا الاتجاه الاقصائي الخطير: حسابات سياسية لا غير لا علاقة لها بالمبدئية أو الخطّ الفكري. الغاء الوجود السياسي للمُختلف هو عادة فاشية خطيرة تعادي كلّ تعبيرات الديمقراطية، ومناداة كلا الطرفان بالغاء التواجد السياسي للاخر و"حلّ" الحزب يؤذن بانتقال الصراع من الأقاويل الى الأفعال ومن مجرد مواقف سياسية الى مبادرات استئصالية تشوّه الانتقال الديمقراطي.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires