السجن المدني بمدنين- الكُتبُ أطلقت سراحهم !
"ما أضيقَ الرحلهْ، ما أكبرَ الفكرهْ"
هذا الاقتباسُ مقتطف من احدى قصائد محمود درويشُ، الشاعر الفلسطينيّ-الكونيّ الذي أنفق فترة أشهر في السجون الاسرائيلية كان خلالها يشد بالحرف عضدهُ ويؤنس وحدة "وراء الأسوار" بالحرف والقافية لتتحوّل الجدرانُ والاسفلتُ الى حدود رمزيّة هدّمتها رحابةُ الأفكار.
الأحرفُ أطلقت سراحهُ، وكانت خلاصه.
من عكّـــا-فلسطين في اواخر ستينيات القرن الماضي، نأخذكُم الى السجن المدني بحربوب حيثُ أصبحت المطالعة معيارا ذا أولوية لتمتيع المساجين بالسراح الشرطي. في سابقة ايجابية تكرّس لفظة "الاصلاح" في لفظة السجون والاصلاح، أعلن مكتب المصاحبة بمدنين أنه تم يوم 24 نوفمبر 2021 تمتيع سجينين اثنين بالسراح الشرطي وابدال العقوبة السجنية بالعمل لفائدة المصلحة العامة وقد تضمن ملف السراح الشخصي تلخيصا موجزا للكتب بمكتبة السجن التي طالعها كل مترشّح. المكتبة التي تضمّ مساهمة الراحلة لينا بن مهني بأكثر من الف كتاب، ومساهمة دار نشر بوب ليبريس، عبر الناشر والروائي سامي مقدّم الذي انخرط طوعا في هذه التجربة النموذجية لتعديل المنظومة العقابية وسلّم السجن هبة عينية متمثلة في مجموعة من المؤلفات أهمّها روايات الجيب التونسية، هذا المشروع التونسي الطموح المناسب للقراءة في أيّ زمان ومكان- حرفيّا.
قاضي العقوبات بمدنين، منصور الشلندي، هو صاحبُ المبادرة; "الاصلاحُ عبر القراءة"، بهذه الطريقة يغادر السجين زنزانتهُ الى كلّ مكان "عاليا إلى الفضاء الخارجي، إلى الوراء في التاريخ، وعميقا داخل نفسه" ويخرجُ من تجربة السجن وهو اكثر استنارة و– بلا شك - وهو انسان أفضل. زمنُ السجن الثقيل كالكابوس يُصبح أقل وحشة، ويستحيلُ الوقت المُهدر والمقيّد في ان، ذا قيمة. الشلندي هو أيضا روائي تونسي شاب، يجمعُ بين مهنته وبين شغفه بعوالم الحرف.
اليكم أسئلة وأجوبة حول منظومة العقوبات البديلة.
هل لجميع السجناء الحقّ في المطالعة؟
نعم، القانون التونسي المنظم للسجون ينّص على حقّ السجين في الحصول على أدوات الكتابة وكتب المطالعة والمجلات والصحف اليومية عن طريق إدارة السجن، وعلى إيجاد مكتبة بكل سجن تحتوي على الكتب والمجلات المعدة للمطالعة وذلك طبقا للتراتيب الجاري العمل بها.
ماهي العقوبة البديلة؟
هي فرض عقوبة غير سالبة للحرية ضد المحكوم عليهم عبر إبدال أو تذليل عقوبة السجن بخدمة يؤديها السجين لفئة من فئات المجتمع أو لموقع خيري، أو الالتحاق بمرفق تعليمي يستفيد منه السجين بهدف تقويم سلوكه وحمايته من الأذى وتقديم خدمة لمجتمعه.
هل لجميع السجناء الحقّ في العقوبات البديلة؟
لا. يستفيد من هذا الإجراء فقط من ليست لديه سوابق عدلية، من رجال ونساء على حدّ سواء، من أيّ فئة عمرية. ومن شروط هذه العقوبات خضوع المحكوم إلى فحص طبي يثبت تمتعه بصحة جيدة ليتمكّن من القيام بالأعمال الموكلة إليه في إطار جمعية أو مؤسسة عمومية.
وفق القانون رقم 89 لسنة 1999 الفصل 15 مكرر في المجلة الجزائية:
"للمحكمة إذا قضت بالسجن النافذ لمدة أقصاها عام واحد أن تستبدل بنفس الحكم تلك العقوبة بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وذلك من دون أجر ولمدة لا تتجاوز ستمائة ساعة بحساب ساعتَين عن كل يوم سجن.
ويحكم بهذه العقوبة في جميع المخالفات وفي الجنح التي يقضى فيها بعقوبة سجن لا تتجاوز المدة المذكورة أعلاه".
الجرائم التي تتنزّلُ في هذا السجل هي جرائم الاعتداء بالعنف الشديد الذي لا يترتّب عنه سقوط مستمر أو تشويه وغير المصحوب بظرف من ظروف التشديد، وإمّا القذف، وإمّا المشاركة في معركة. كذلك نذكرُ جرائم حوادث الطرقات التي تأتي على شكل مخالفة لقانون الطرقات باستثناء جريمة السياقة تحت تأثير الكحول. أو إذا نذكر أيضا جرائم مخالفة قانون الشغل ومخالفة قانون الضمان الاجتماعي وكذلك مخالفة قانون حوادث الشغل والأمراض المهنية، وكذلك جرائم إهمال عيل.
كيف يستفيدُ السجين من العقوبة البديلة؟
تُنفّذ العقوبات البديلة نزولاً عند رغبة المتهم المُدان، فالقاضي غير قادر على إصدار حكم بالعقوبة البديلة إلا في حال تلقّى طلب من المتهم المترشح الذي من حقّه قبول العقوبة البديلة أو رفضها. وفي حالة الرفض، يصدر القاضي الجزائي الحكم المستوجب بالسجن. أمّا في حالة القبول، فيتوجّب على المتهم التعهد الكامل بتطبيق العقوبة البديلة في الآجال التي تقرّرها المحكمة وإنجاز الأعمال المطلوبة. وعند الإخلال بالتعهد، يكون المدان عرضة لتطبيق الحكم القضائي الأصلي في حقه.
القاضي يتمتع بالسلطة التقديرية في تحديد العقوبة المناسبة في حق المتهم الذي ثبتت إدانته.
استبدال العقوبة السجنية بعمل لفائدة المصلحة العامة يتم تنفيذه عن طريق مكتب مصاحبة يكون تابعا لوزارة العدل ويشرف عليه قاضي تنفيذ عقوبات ويتكون من مرافقين عدليين تابعين للإدارة العامة للسجون والإصلاح.
ما هو دور مكتب المصاحبة ؟
مكتب المصاحبة هو مؤسسة تابعة لوزارة العدل، تتكون من رئيس المكتب وهو قاضي تنفيذ العقوبات، ومجموعة من المرافقين العدليين وهم ضباط من سلك السجون والإصلاح وكاتب محكمة يتولى العناية بالمسائل الادارية.
قاضي تنفيذ العقوبات هي خطة قضائية تسند لقضاة الرتبة الثانية الذين تتوفر فيهم الشروط وهي مساوية لخطة وكيل رئيس محكمة ابتدائية وقاضي الأسرة أو قاضي تحقيق، دوره هو مراقبة ظروف تنفيذ العقوبات السجنية في السجون وهو في نفس الوقت يترأس مكتب المصاحبة.
ما هو هدفُ العقوبات البديلة؟
المتهم الذي يتمتع بالعقوبة البديلة لفائدة المصلحة العامة لا يتمّ تضمين عقوبتهُ في البطاقة عدد 3، ولا يحرم من مالمناظرات والوظيفة العمومية.
تذليل العقوبات السجنية السالبة للحرية وتعويضها بعقوبات بديلة يقطعُ مع الاكتظاظ داخل السجون أو وتحمي السجين الذي يخلو سجلّه القانوني من سوابق عدلية. الانظمة العقابية تهدف الى معاقبة الجناة بينما العقوبات البديلة تهدف الى اصلاحهم وتأهيلهم واعادة ادماجهم ايجابيّا في المجتمع.
القراءةُ تهب السجين نوعا من الاتزان والتهذيب لسلوكه، وتمنحهُ مهارات الحجاج والجدل والاستدلال وتدريب العقل والذاكرة، ومهارات التعبير عن الأفكار لغويًا وفكريًا عبر تلخيص الكتب التي طالعها تلخيصا مُحكما واضحا.
قد لا تتحوّل السجون التونسية الى مكتبات، ولكن المبادرات الفردية القليلة هُنا وهناك- التي تحول السجناء لقُرّاء تهبنا الأمل. المطالعةُ تخففّ ما تراكم على أكتاف السجين من وصم اجتماعيّ وتسمحُ له بتوضيب أركانِ أفكاره، إنّ مكتبة السجن، مساحةِ يُطّل منها على الكونِ محاولًا فهمه وتفسيره. ولذلك، على اثراء مكتبات السجن أن يكون عبر مؤلفات تنويريّة وفلسفية ونقدية توقظ الذات من ذهولها، وروايات تخرجه من عتمة الزنزانة الى أكوان ملوّنة، فنزلاء السجن المدني بحربوب سيضربون موعدا مع كانط وهيغل وفرويد وابن خلدون ودرويش، سيلتقون الحشاشين وشجرة الدرّ، في سلسة العقد الأسود لسامي المقدم وسيسافرون عبر الزمن الى تونس سنة 2050 في سلسة قطب مكافحة الجريمة لمنصور الشلندي، سيلتهمون مؤلفات الروائي طارق اللموشي رائد روايات الرعب والاثارة في تونس وسيعيشون قصّة الأمير الصغير.. مرتيّن..
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires