الشاهد والفخفاخ – تقاطعات الجيل السياسي الجديد
أقل من 48 ساعة، هو معدل زمن الانتقال السلس للسلطة ولا يسعنا سوى أن نُفاخر بمنجزات الثورة على مستوى الوعي السياسيّ والمكتسبات الدستورية، التي جعلت مشهد تسليم وتسلم المهام عـرفا لا استثناء أو افتكاكا بالنار والحديد والانقلابات العسكرية.
سلم اليوم 28 جانفي 2020 يوسف الشاهد رئيس الحكومة المغادر (44 سنة) مهاهمه الى الوافد الجديد على القصبة الياس الفخفاخ (48 سنة)، بحضور رؤساء سابقين وحاليين، شهدوا على التغير الجذري في مشهدية الحكم منذ 2010 الى 2020. المشترك بين الرجلين -غير لون الأعين والجنسية المزدوجة- هو أنهما سليلا الجيل الجديد من السياسيين الذين استهلوا العمل الحزبي أيام قلائل بعد 14 جانفي ووصلوا الى الحكم بعد أقل من عقد من أول اجتماع سياسي يحضرونه.
رسائل يوسف الشاهد
الشاهد هو الخبير في هذه الصورة، بثلاث سنوات قضاها في القصبة غيرت حياته الى الأبد. الفخفاخ، هو الوافد الجديد الذي يملك خبرة وزارية لكنها لا تظاهي تسيير شؤون الدولة. كواليس المشهد أن الطموح كان محرك يوسف الشاهد خلال فترة جعلت منه زعيما سياسيا لحركة تحيا تونس، مقابل ركود لحزب التكتل طيلة هذه الفترة التي غاب فيها الفخفاخ عن الساحة ليعود مترشحا للرئاسة السابقة لاوانها بعد وفاة رئيس الجمهورية السابق الباجي قائد السبسي. كلاهما شارك في السباق الرئاسي وكلاهما لم ينتصر ولكن بصفة متفاوتة للغاية جعلت النتائج في حد ذاتها رسائل سياسية. حيث تحصل الشاهد على نسبة (العشر الاوائل) بينما تحصل الفخفاخ على نسبة (العشر الأواخر).
أصرّ الشاهد خلال خطابه اليوم أن يمرر رسائل سياسية بأنه الخبير، لكنه أصرّ كذلك على ذكر انجازات حكومته مقارنا الوضع في 2016 بالوضع الحالي ومحيلا الى أن الفخفاخ لن يجد "ثركة" سلبية.
أكد الشاهد أنه كان مستعدا لهذه اللحظة منذ فترة رغم التأخيرات المتواصلة معلقا "نسلم الأمانة اليوم، وأنا فخور انه طيلة 3 سنوات كان لي شرف خدمة تونس في ظروف صعبة حين جاءت حكومة الوحدة الوطنية بمبادرة من الباجي قائد السبسي 3 اشهر بعد امضاء اتفاقية مع صندوق النقد الولي. صارحنا الشعب التونسي منذ البداية بضرورة التضحيات واليوم تجاوزنا شبح الافلاس. البلاد كانت تعرضت الى عمليات ارهابية موجعة مست من الاقتصاد ومن أمل وثقة التونسيين. التحدي الاول للحكومة كانت كسب الحرب على الارهاب، ومع نهاية هذه العهدة نغادر تاركين البلاد منتصرة على الارهاب، تاركين شبح الافلاس ورائنا.."
وأطنب الشاهد في الحديث عن الانجازات الاقتصادية لحكومته، الى أن وصل الى الحديث عن الحرب ضد الفساد، ففاخر بأنه دفع ضريبة سياسية واعلامية بسبب فتحه ملفات الفساد في احالة الى أنه بدأ هذه الحرب قبل ان يعلن عنها الفخفاخ في بيانه ووثيقته التعاقدية. افتك الشاهد شرعية مكافحة الفساد من حكومة "الوضوح واعادة الثقة" متوجها للرجل أن" يواصل ما بدأته حكومته خاصة مع وجود رئيس يدعم الحرب على الفساد" أي أنه لن يبدأ من الصفر بل سيكون امتدادا لمجهودات حكومة 2016.
بدا الشاهد مرتاحا لمغادرته المسؤولية، لكنه لم يحاول أن يرهب الفخفاخ من هذا المنصب، بل أصر على التواصل والتكامل بين الحكومتين مصرا على أفضلية حكومته التي انطلقت سابقا في معالجة الملفات الحارقة وفق رأيه. اذن، لم يحاول يوسف الشاهد تقزيم مسؤوليات خلفه بل حاول تأطيره حتى لا يظن أنه "سيغير" بل سيواصل حتى انه سلمه "كتابا" يتضمن حوصلة لفترة حكومته ومقترحات للفترة القادمة.
رسائل الياس الفخفاخ
انطلق الفخفاخ في خطابه بعد تين المهام عائدا بالذاكرة الى ما قبل 2010 حتى يذكر الشاهد بأنهما التقيا سابقا في مقعى في باريس ولم يتحدثا في السياسة. شدد الفخفاخ على أن كلاهما لم يكن مناضلا قبل الثورة وأنهما انطلقا بعد 14 جانفي في العمل الحزبي. " يوم 15 جانفي 2011 قدمتُ لرئيس التكتل مصطفى بن جعفر لائحة بكل الشخصيات الوطنية التي علينا أن نظمها للتكتل.. وكان يوسف الشاهد ضمن هذه اللائحة." لم يغب عن ذهن الفخفاخ ان يوجه رسائل بدوره لمن يردد ان بعض الاحزاب ستسعى الى تنحيته من المنصب بعد فترة قصيرة معلقا "أنا قدمت لأبقى لا لأغادر" .
ورجوعا الى حديث الشاهد عن انجازاته، أكد الفخفاخ أنه لا يشكك في عمل الفريق الحكومي السابق، لكن الحكومة أخطأت كما أصابت. ومع رسالته هذه، شكر الوزراء المغادرين معلقا "أريد ان اشكر الوزراء المغادرين الذين خدموا تونس بكل تفاني وتعب وصمت، تونس لن تنسى مجهودهم التاريخ سيذكر لهم ما قدموا لتونس.. "
رسالة الفخفاخ الأساسية كانت لأنه سيكون حازما وأنه يعرف جيدا الرهانات القادمة وأنه ليس التلميذ امام معلم خبير، اذ أن الشاهد اصر في كلمته أن يتوجه له شخصيا محذرا ومُعرفا باكراهات المسؤولية وصعوبتها. الفخفاخ لم يقل ان عمل حكومته سيكون امتدادا لحكومة الشاهد بل قال أن حكومته ستكون "الانطلاقة" مثلما قال سابق في بيانه امام نواب الشعب حيث شدد على "التغيير" و"الاصلاح" و"القطع مع الماضي". وشدد الفخفاخ على ان تونس اليوم هي تونس الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، مبينا انه قادم لكي يكمل وليس كي يغادر وأنه يعرف كل الرهانات التي تنتظر حكومته.
"تحن فخورون بما حققناه في 9 سنوات بفضل تضحيات الشهداء والان حان الوقت للانطلاقة الحقيقية. لنا مشروع لتونس ورؤية وحلم ." وفي ختام كلمته، ذكر مجددا الخيط الرابط بينه وبين يوسف الشاهد معلقا انهما ابناء الجيل السياسي بعد الثورة الذي سيبني الدولة ويواصل نضالات الاجيال السياسية التي سبقته.
تعليقك
Commentaires