التصويت على قانون التفويض للفخفاخ في البرلمان رهين آليات التواصل عن بُعد
دخلت تونس في أواخر شهر مارس المنقضي في المرحلة الثالثة أفقية من تفشي فيروس كورونا المستجدّ الذي اجتاح العالم، وسجّلت إلى حدود اليوم على الرّغم من مختلف الإجراءات التي اتّخذتها الدّولة 495 حالة مؤكدة وقد حصد هذا الوباء أرواح 18 عشر شخصا.
للتحكّم في تداعيات هذه الأزمة، تقدّم رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بمقترح مشروع قانون يتعلق بالتفويض لرئيس الحكومة في إصدار مراسيم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور لغرض مجابهة انتشار فيروس كورونا ولتأمين السير العادي للمرافق الحيويّة. هذا المشروع تمّ اللّجوء نظر إلى تفشي جائحة فيروس كورونا في تونس وهو ما ساهم في جعل الدولة تفرض الحجر الصحي العام وحظر التجوّل وقد أدّت التدابير الوقائيّة للحدّ من انتشار هذا الفيروس إلى المسّ من المجالات الإقتصاديّة والإجتماعيّة في البلاد نظرا لتقلّص الحركيّة وركود الإقتصاد وتقلّص مسالك التوزيع في الموارد الأساسيّة خاصّة منها الغذائيّة والصحيّة. هذا القانون سيُتيح للسلطة التنفيذيّة أن تكون في أقصى درجة ممكنة من الفاعليّة والجاهزيّة لإتّخاذ الإجراءات الضروريّة لمجاراة الوضع ما دام الوضع الصحّي في تونس تحت السيطرة بفضل كافّة الجهود المبذولة من الطواقم الطبيّة والشبه طبيّة والأمنيّة والعسكريّة، كما أنّ المراسيم التي يتّخذها الفخفاخ تخوّل للدّولة الإيفاء بإلتزاماتها الدستوريّة المحمولة عليها والمتمثّلة خاصّة في الحرص على حسن التصرّف في المال العمومي واتّخاذ التدابير اللازمة لصرفه حسب أولويات الإقتصاد الوطني (الفصل 10 من الدستور)، أيضا ضمان استمرارية المرفق العام(الفصل 15 من الدستور)، بالإضافة إلى تهيئة أسباب العيش الكريم للمواطنين (الفصل 21 من الدستور) وحماية كرامة الذات البشريّة (الفصل 23 من الدستور).
الفخفاخ في كلمة له أمام نواب البرلمان، أكّد أنّ لا غاية له من هذا التفويض لإفتكاك السلطة التشريعيّة بل هو عبارة عن سلاح دستوري يمكّنه من تفعيل كل الإجراءات والقرارات الإستباقية اللازمة لمحاربة وباء كورونا، معتبرا انّ تونس اليوم في حالة حرب وأنّ لا أحد يمكنه التكهّن بما سيُحدثه الوباء في بلادنا خلال الأسابيع الأولى من شهر أفريل. نظرت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية على امتداد خمسة أيام في قانون التفويض وطالبت الكتل البرلمانيّة بتقديم مقترحاتها لتعديل مشروع ذلك القانون، كما أنّها استمعت إلى عدد من أعضاء الحكومة وإلى خبيرين لتعميق النظر في المشروع وأهدافه الاساسية الرامية الى مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا وتأمين السير العادي للمرافق الحيوية للدولة واتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير في هذا الظرف وشمل الحوار مختلف جوانب المشروع ولاسيما منها مجالات التفويض والإجراءات والمراحل القانونية المتبعة لتمكين رئيس الحكومة من إصدار المراسيم ومسار مشروع قانون التفويض. تقدّم إلى اللّجنة حوالي عشرين مقترح تعديل وتمحورت هذه المقترحات بالخصوص حول عنوان مشروع القانون ومدّة التفويض ومجالاته، وضمان رقابة مجلس نواب الشعب على المراسيم التي ستصدرها الحكومة، وتحديد الأجل الزمني لعرض المراسيم على مصادقة مجلس نواب الشعب بعد انتهاء مدة التفويض.
لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية قرّرت يوم 31 مارس بعد عقد اجتماع عبر آليات التواصل عن بعد مع رؤساء الكتل النيابية على تعديل إسم المشروع ليصبح تحت عنوان''مشروع قانون يتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19 )''، كما تمّ التصويت بأغلبية الأعضاء الحاضرين على مقترح تعديل يتعلّق بالتقليص في مدّة التفويض من شهريْن إلى شهر واحد. وبعد تعديله وتغيير عنوانه، صادقت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والانتخابية بمجلس نواب الشعب على الصيغة النهائية لقانون تفويض اصدار مراسيم لمكافحة فيروس كورونا إلى رئيس الحكومة الياس الفخفاخ وانعقدت يوم الخميس 2 أفريل جلسة توافقات بين رؤساء الكتل النيابيّة ووفد حكومي أكّد فيها رئيس البرلمان الغنوشي على ضرورة تقدير الظرف الذي تعيشه البلاد في مواجهة كورونا مشيرا إلى أنّ المرحلة تقتضي التقارب والانسجام التام بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة لتسريع الاستجابة لما تحتاجه البلاد من إجراءات، معتبرا أنّ مجلس النواب يتفاعل بإيجابيّة مع مقترحات وتصورّات الحكومة لتحقيق التشريعات الناجعة القادرة على تفادي ما أمكن من تداعيات سلبيّة جرّاء الأزمة الراهنة. خلال هذه الجلسة تمّ الإتّفاق بين كلّ الكتل على منح رئيس الحكومة التفويض بشهريْن بعد أن كانوا قد قرّروا سابقا منحه شهر واحد فقط، وفي تصريح إعلامي له وصف الغنوشي هذا التوافق باليوم التاريخي مشيرا أنّه سعيد للتونسيين وبيّن أنّ مجلس النواب يُعرف بآلية التوافق وهي ميزة من ميزات الديمقراطية التونسية التي لا تقوم على المغالبة والمرور بقوة بل على مبدأ التوافق والبحث عن أرضية مشتركة بين الآراء المختلفة في الاحزاب والكتل.
الصيغة التوافقية المُعدّلة لمشروع قانون التفويض لرئيس الحكومة بيّنت أنّ هذا التفويض إقتصر على أربعة ميادين، الميدان المالي والجبائي والإجتماعي، ميدان الحقوق والحرّيات وضبط الجنايات والجنح والعقوبات والإجراءات أمام المحاكم، الميدان الصحّي والبيئي والتعليمي والثقافي وميدان تسيير المرافق العموميّة والقطاع الخاصّ والضمانات الأساسيّة للأعوان العموميّين والشغالين. وعقد البرلمان اليوم الجمعة 3 أفريل جلسة عامّة للتصويت على قانون التفويض لرئيس الحكومة برمّته وذلك في ربط مباشر للجلسة وبإستعمال آليات التواصل الحديثة، واجه البرلمان صعوبات تقنية أثناء عمليّة التصويت على مشروع قانون يتعلق بالمصادقة على الإحالة لفائدة الدولة للقرض الرقاعي المصدر من قبل البنك المركزي التونسي بالسوق المالية العالمية، والتي تمّ تداركها في ما بعد وتمّ التصويت. وأعلن النائب الثاني لرئيس مجلس نواب الشعب طارق الفتيتي أنّه تمّ تأجيل التصويت على مشروع قانون التفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد- 19)، بطلب من رئيس الحكومة، مبيّنا أنّ الفخفاخ أبلغ رئيس المجلس راشد الغنوشي عن طريق الوزير الأوّل المكلّف بالعلاقة مع البرلمان أنّ له نشاط مبرمج وأنّه يريد تأجيل عمليّة نقاش التفويض إلى يوم الغدّ السبت.
هذا التأجيل رجّحه بعض النواب إلى التعطيل الذي واجهوه في استعمال آليات التواصل عن بعد على غرار النائب عن كتلة حركة النهضة الصحبي عتيق مشيرا إلى أنّ هناك إمكانيّة لتدارك ذلك الخلل واعتبر أنّ تجرب العمل عن بعد هامّة وعلى الرّغم من المشاكل التقنيّة التي اعترضتهم في المرّة الأولى، يمكن مواصلة العمل بها لأنّها تجربة ناجحة. كما دعا رئيس كتلة تحيا تونس مصطفى بن احمد إلى إيجاد حلّ جذري لتلافي العراقيل التي واجهها المجلس اليوم أثناء التصويت وليسهّل غدا عمليّة التصويت على التفويض لرئيس الحكومة، واعتبر بن أحمد أنّ ما حدث لا يليق بمؤسّسة بحجم البرلمان مؤكّدا على ضرورة أن يعلمهم المجلس بأيّ تطبيقة جديدة لكي يتمّ التنسيق مع النواب في الجهات وإعلامهم بها. وأشاد معظم النواب أنّ تجربة التصويت والتفاعل عن بعد هي تجربة مميّزة وناجحة في ظروف إستثنائيّة على الرّغم من وجود بعض الإخلالات التي أشاروا أنّها وليدة البنية الرقميّة لتونس خاصّة على مستوى الجهات. من جهة أخرى، اعتبرت النائبة بالبرلمان عن حزب التيار الديمقراطي سامية عبو، أنّ الجلسة العامّة اليوم هي جلسة ''فاشلة ومهزلة وهي جلسة تضيّيع وقت'' ووصفت زملاءها الذين أثنوا على هذه التجربة بالمنافقين. يسري الدالي رئيس لجنة الامن والقوات الحاملة للسلاح اعتبر أنّ ما حصل في الجلسة هو نوع من الفوضى وأشار سيف الدين مخلوف أنّ لا علاقة لتونس بالتكنولوجيا ''أحنا في قبيلة والتكنولوجيا في قبيلة أخرى''.
في نفس ظروف العمل التي مرّت بها الجلسة العامّة اليوم، سيتمّ مناقشة والتصويت على قانون التفويض لرئيس الحكومة لإصدار مراسيم لمجابهة فيروس كورونا، كلّ النواب دعوا إلى تدارك المشاكل التقنية في آليات التواصل عن بعد كيّ يتمّ التصويت على القانون غدا السبت. فيروس كورونا لا يعرف زمانا ولا مكان ولا يتفهّم أسبابا، فهو سريع الإنتشار وتقوية طرق إتخاذ تدابير وإجراءات لمواجهة إنتشاره والحدّ منه أمر ضروري ومسألة حياة أو موت.
تعليقك
Commentaires