إقالة المنكبي - النهضة تواصل الضغط على الفخفاخ
شُبهة تضارب المصالح التي تعلّقت برئيس الحكومة إلياس الفخفاخ زادت من تعكّر المناخ السياسي واختلفت موازين القوى ولم يعُد يتمتّع الفخفاخ بحزام سياسي قوي لتستمر حكومته. حركة النهضة المُتحكّم الرئيسي في الخارطة السياسية بعد أن كانت تسعى لتوسيع الحزام السياسي للحكومة، قرّرت إعادة النظر في تقدير موقفها من حكومة الفخفاخ مهدّدة بالإنسحاب منها وغايتها سحب البساط من الفخفاخ ورئيس الجمهورية قيس سعيد.
المناخ السياسي المُتعكّر
القاعدة الرئيسية والثابتة في عالم السياسة أنّه لا وجود لصديق دائم، إما أن تكون حليفي وتخضع لتعليماتي إما أنّك ستكون عدوّي الذي سأتجاوزه بشتى الطرق، وهذه استراتيجيّة النهضة التي لا تعترف بمفهوم التشاركية في الحكم منذ سنة 2011. بعد أن فشلت في الإنتخابات الرئاسية 2019 فشلا ذريعا، تمكّنت من الفوز بأكثر المقاعد في البرلمان في الإنتخابات التشريعية نظرا لتفكّك الأحزاب واندثار حزب الراحل الباجي قائد السبسي ''نداء تونس''، هذا الفوز جعل من رئيس الحركة راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان وتتمتّع كتلته بالأغلبيّة وهذا ما خوّل له القدرة على التحكّم كما يشاء ويريد في الإئتلاف الحكومي.
منذ حوالي أسبوعين، أيّ بعد كشف شبهة تضارب المتعلّقة بالفخفاخ، تعكّرت الأجواء بين القصبة والبرلمان خاصّة بعد أن تمسّك إلياس الفخفاخ بعدم الرضوخ لمطالب النهضة أي بتوسيع الحزام السياسي وإدخال حزب قلب تونس إلى الإئتلاف الحكومي. في ظلّ السكوت الذّي يُخيّم على رئيس الجمهوريّة قيس سعيد كالمعتاد في مثل هذه الأزمات وتعمّده عدم الإفصاح عن موقفه من قضية الفخفاخ، وتزامنا مع إعلان قلب تونس عدم مشاركته في حكومة تتعلّق برئيسها شُبهة فساد، بدأت حركة النهضة تُخطّط للنيْل من حكومة الفخفاخ والضغط عليها بشتى أنواع الطرق والهدف من ذلك أن يرضخ إلياس الفخفاخ لرغبتها بتشريك قلب تونس في الحكم بعد أن كان عدوّها اللّدود وغايتها تكوين تحالف ثلاثي قوي لتنفيذ استراتيجيتها وأهدافها في الحكم، يجمع ذلك التحالف بين النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، ويمكّنها هذا التحالف من الإستقواء على الحزب الذي يعمل ليلا نهارا على حلّ حركة النهضة وإبادتها من الساحة السياسية وهو الدستوري الحرّ.
صمت رئيس الحكومة على كلّ محاولات تشويهه والركوب على شبهة تضارب المصالح لإزاحته من الحكومة وعدم موافقته على تشريك قلب تونس في الحكم، دفع بحركة النهضة إلى تحريك بيادقها، وزير في الحكومة، واستخدامها كورقة ضدّ الفخفاخ وهذا ما أجّج الرّأي العام يوم أمس الإثنين. وزير النقل ''النهضاوي'' أنور معروف، بسند من حركته وفي تجاوز صارخ وخطير للقانون وللدستور التونسي قرّر إقالة الرئيس المدير العام للخطوط التونسية إلياس المنكبي، فوجئ المنكبي بمراسلة من معروف أعلمه فيها أنّه سيُجري تغيّيرا في خطّة الرئيس المدير العام للشركة ودعاه إلى دعوة مجلس إدارة الشركة للانعقاد لإبلاغ أعضائه بهذا الإجراء وانتخاب بلقاسم الطايع كمتصرف مفوض لتسيّير الشركة لمدة محددة طبقا لمقتضيات مجلة الشركات التجارية إلى حين تعيين رئيس مدير عام جديد.
موقف إلياس المنكبي من إقالته
''نحن نريد البناء لكنّ هناك تيار آخر لا يوافق على البناء خلال المرحلة الحالية'' بهذه العبارات عبّر المنكبي عن رفضه الإمتثال لقرار وزير النهضة أنور معروف مؤكّدا مواصلة مباشرة مهامه على رأس شركة الخطوط التونسيّة، وشدّد في تصريح لحقائق أون لاين أنّ رئيس الحكومة هو الطرف الوحيد المخوّل له إقالته من منصبه، مشيرا إلى أنّ القرار الذي وجهه له وزير النقل غير قانوني ولا يمكن الالتزام بمضمونه. إلياس المنكبي أكّد أنّ هناك حملة شيطنة وتشويه له سبقت تلك المراسلة بأشهر، وذلك تزامنا مع إصابته بوعكة صحيّة في شهر أفريل الفارط حين فوّض مهامه إلى الكاتب العام ومستشار المصالح العمومية جمال الشريقي وبيّن أنّ النائب السابق عماد الدايمي قد قاد هذه الحملة وهو الذّي اتّهم المنكبي بأنه زيّف مرضه ودلّس شهادة طبية وتحصّل على رخصة مرض دون موجب.
"أنا مستعد لمغادرة المنصب لكن أرفض الشيطنة وتشويهي وأنا ابن المؤسسة العسكرية وأحتكمُ إلى انضباط وعقيدة عسكرية تحترم القانون وإنّ الحملة التي وُجّهت ضدي وضد الناقلة الوطنية قد جاءت في فترة بدأت فيها المؤسسة تسترجع نشاطها التجاري"، أضاف المنكبي مؤكّدا أنّ هناك حملة ممنهجة تستهدف الناقلة الوطنيّة. وتزامنا مع تعيّين وزير النهضة أنور معروف على رأس وزارة النقل، تعمّق الخلاف بين المنكبي ومعروف الذي أراد أن يُسيّر الناقلة الوطنيّة ومديرها العام كما يشاء، إلياس المنكبي أوضح أنّه لم يتّفق مع وزير النقل في العديد من المسائل على غرار القرار الذي أصدره معروف وينصّ على سحب كل ممثلي الشركة من الخارج وإعادتهم إلى تونس، القرار الذي رفضه المنكبي، كما كشف أيضا أنّه اختلف مع وزير النقل بشأن بيع ممتلكات الخطوط التونسية مؤكّدا أنّه اعترض على هذه المسألة.
مصادر من الخطوط التونسيّة كشفت لبيزنس نيوز أنّ الرئيس المدير العام للشركة إلياس المنكبي نزيه من كلّ الإتّهامات التي وُجّهت له بالمحسوبية والفساد، كما أنّ قضية محرّكات الطائرات التونسيّة لا دخل له بها. وأوضحت مصادرنا أنّ علاقة المنكبي بكافّة إطارات وأعوان الخطوط التونسيّة جيّدة وأنّه يعمل في كنف التعاون والتنسيق بين كلّ المتدخلين لدعم الناقلة الوطنية وتحسين خدماتها، كما كشفت مصادرنا أنّ المتصرّف المفوّض من قبل وزير النقل لتسيّير الخطوط التونسيّة إلى حين انتخاب مدير عام جديد، بلقاسم الطايع، لا علاقة له بالناقلة الوطنية ولا حتى بإطاراتها. قمنا بالتثبّت في هويّة بلقاسم الطايع وتبيّن لنا أنّ هذا الأخير قد تمّ تكليفه في ماي الماضي مراقبا عاما للمصالح العمومية في خطة كاتب عام وزارة النقل واللوجيستيك، كما أنّه بقرار من وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي أنور معروف في 2018، تمّ إسناد تفويض إلى بلقاسم الطايع، مراقب عام للمصالح العمومية، مكلف بمهام مدير عام للمصالح المشتركة ليمضي بالنيابة عن وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي كلّ الوثائق التي في نطاق مشمولاته باستثناء النصوص ذات الصبغة الترتيبية، وفي أفريل 2019،كان الطايع برئاسة الحكومة في عهد الحبيب الصيد، حيث تمت تسميته عضوا باللجنة المستقلة بإسناد البطاقة الوطنية للصحفيين المحترفين.
إقالة المنكبي من الناحية القانونية
وفقا للمحلّلين في المشهد السياسي، فإنّ إقالة إلياس المنكبي الغير قانونية من قبل وزير النهضة أنور معروف وتعيّينه لمتصرّف مؤقّت في الناقلة الوطنية تحت تحكّمه هو فقط جزء من خطّة حركة النهضة للضغط على رئيس الحكومة للإمتثال لطلبات النهضة. البعض من وسائل الإعلام تداول اليوم الثلاثاء أنّ رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ على علم مسبق بقرار وزير الدولة المكلف بالنقل أنور معروف وقد أذن له باتّخاذ الإجراء المُعلن عنه يوم أمس الإثنين. لنفرض أنّ الفخفاخ على علم بهذا الإجراء، لكنّ المراسلة التي تمّ توجيهُها من قبل وزير النقل للمنكبي خاصة حول طريقة الإقالة والأسباب والتوقيت والخلفيات التي تكمن وراءها في ظلّ توتر العلاقات بين القصبة وحركة النهضة التي ينتمي إليها الوزير أنور معروف، تدلّ أنّ النهضة عبر وزيرها هي من أقالت المنكبي وليس الفخفاخ وذلك لعدم الإشارة إلى علمه بالإجراء في المراسلة. كما أنّ أمين عام الإتّحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي اعتبر أنّ اقالة المنكبي فضيحة، قائلا ''تعيّينه كان عبر القانون واختاره رئيس الحكومة وصدر القرار في الرائد الرسمي، كيف تتم إقالته عبر وزير النقل عبر مراسلة سرية تدعو للانتخاب لكن في نفس الوقت تحدد تعيين، كيف يكون التعيين بالانتخاب، هذا ترذيل للعمل السياسي''.
من الناحية القانونية ووفقا للفصل 92 من الدستور، في فقرته الثالثة والرابعة، فإنّ رئيس الحكومة يختصّ بإحداث أو تعديل أو حذف المؤسسات والمنشآت العمومية والمصالح الإدارية وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء، باستثناء الراجعة إلى رئاسة الجمهورية فيكون إحداثها أو تعديلها أو حذفها باقتراح من رئيس الجمهورية، كما يختصّ بإجراء التعيينات والإعفاءات في الوظائف المدنية العليا وتضبط الوظائف المدنية العليا بقانون، ويعلم رئيسُ الحكومة رئيسَ الجمهورية بالقرارات المتخذة في إطار اختصاصاته المذكورة. في وضعية مراسلة الإقالة المتعلّقة بالرئيس المدير العام للخطوط التونسيّة إلياس المنكبي، نجد أنّ القرار سرّي ومُتّخذ من قبل وزير النقل أنور معروف نظرا لأنّ مجلس الوزراء لم يجتمع للتداول في ذلك الأمر. وفي هذه الحالة وللحدّ من المناكفات والصراعات بين السلط في الدّولة يُمكن لرئيس الدولة وفقا للفصل 72 من الدستور التدخّل لضمان استقلالية الدولة واستمراريتها.
طريقة إقالة الرئيس المدير العام للخطوط التونسية إلياس المنكبي من منصبه تدلّ على أنّ النهضة تعمّدت الضغط على رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ عن طريق وزيرها أنور معروف الذي استبق بقراره اجتماع مجلس الوزراء وجعل من النهضة تحقّق مكسب سياسي وتضع الفخفاخ في موقع ضعف أمام سيطرتها وتحكّمها في المشهد السياسي وفي الإئتلاف الحكومي.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires