التَعاطي " الدَّسم " للدولة مع أزمَة الحَليب
لعل مصطلح " الدَّسم " ليس حكرا على مادة الحليب بل يطلق أيضا كوصف، كأن نقول دَسَمَ الجَوُّ أي اِغْبَرَّ اغْبِرَاراً يَمِيلُ إلَى السَّوادِ ، و لعله الوصف الأمثل لتعامل الدولة مع الأزمات التي تضعها الدولة في رفوفها لتمتلئ غُبارًا، دون الالتجاء الى استراتيجية واضحة لتجاوزها .
أزمة الحليب من بين الأزمات التي تعيشها البلاد التونسية منذ النصف الثاني لسنة 2021، التي مثلت بداية فقدان الحليب من الأسواق و التي لم يتسنى للدولة التونسية تحديد أسبابها ووضع نهاية لهذه الأزمة .
رئيس الجمهورية لم يستثنى من الحديث عن الدّسامة و لكن ليس في علاقة بالوضع العام و انما في معناها الأصلي، في علاقة بمادة الحليب أين طرح جملة من التساؤلات من بينها " هل هنالك بقر صفر دسم و بقر كامل الدسم ؟ " و ذلك في علاقة بتوفر الحليب الدسم و نصف الدسم في الأسواق دون غيرها .
متابعا " مسالك التوزيع يجب أن تتحمل المسؤولية و هي التي تقوم بعمليات الإحتكار و مجابهة الظاهرة يجب أن يكون بالانتاج".
تصريح يعيد رئيس الجمهورية الى مربع الاحتكار و المحتكرين و محاربتهم ، الجملة الأساسية في بلاغات رئاسة الجمهورية في علاقة بكل الأزمات التونسية .
هذا و يتناسى رئيس الجمهورية تصريحات الفلاحين المنادية بأسباب الأزمة قبل بداية الأزمة منها قلة الإنتاج ، ارتفاع أسعار الأعلاف ، نقص قطيع الأبقار الحلوب بالإضافة الى التهريب و الذبح العشوائي للأبقار .
نائب رئيس الغرفة الوطنية لصناعة الحليب علي كلابي، كان قد شرح أن أزمة فقدان مادة الحليب أسباب فقدان مادة الحليب لا تزال قائمة و تتمثل أساسا في ارتفاع كلفة الانتاج في علاقة بالفلاح .
علاوة على تصريح عضو المكتب التنفيذي للإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري حمادي البوبكري يوم الجمعة 28 أكتوبر حيث كشف أن كمية الحليب المتوفرة في السوق يوميا تتمثل في مليون و 100 ألف لتر من الحليب و معدل الإستهلاك اليومي للحليب في تونس يتمثل في مليون و 600 ألف لتر من الحليب ، داعيا الدولة التونسية للتدخل ضرفيا من أجل مساعدة منتجي الحليب لمدة شهر قائلا " غلاء الأسعار و خاصة غلاء الأعلاف هو من بين أسباب نقص كمية إنتاج الحليب في تونس و عديد الفلاحين قاموا ببيع الأبقار بسبب غلاء الأسعار"
أمام تعالي الأصوات المنادية بالأسباب الحقيقة للأزمة التصريح الوحيد لوزير الفلاحة يوم 29 أكتوبر 2022 تمثل في أنه سيقع توفير مادة الحليب في الأسواق التونسية و أن عمل الوزارة على تجاوز مشكل نقص الحليب " قريبا " قائلا " في هذه الفترة يوجد دائما نقص في مادة الحليب و يضاف الى مشكل نقص الأعلاف أيضا " .
مشكل نقص الحليب سيتم تجاوزه " قريبا " ، مر شهران على تصريح وزير الفلاحة و الأزمة لا تزال قائمة ، ربما يختلف مفهوم " قريبا " بين استعماله من قبل المواطن التونسي و الحكومة الحالية .
لعل مع تواصل أزمة الحليب المزامنة مع فقدان بعض المواد الأساسية و ارتفاع الأسعار بالإضافة الى تسجيل ارقام قياسية في نسبة التضخم و ارتفاعها الشاهق التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء يوم أمس الاثنين 5 ديسمبر 2022 و التي وصلت الى مستوى 9,8 بالمائة بعد ان كانت 9,2 بالمائة خلال الشهر السابق.
أزمة الحليب التي ترافقها تصريحات رئيس الجمهورية بتأكيد وجود جميع المنتوجات و الأمر مردود الى الإحتكار علاوة على لقاءاته المتكررة مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن و الدعوة الى تخفيض الأسعار في حين أن الحكومة جملة اصلاحاتها تتمثل أساسا في الترفيع من الأسعار .
ارتفاع الأسعار ، أزمة الحليب و المواد الأساسية ، الترفيع في أسعار المحروقات ، امكانية رفع الدعم ، اصلاحات الحكومة المقدمة لصندوق النقد الدولي ، هذا يمثل واقع التونسي أمام ضبابية مصيره الذي يبقى رهن الحكومة و صمتها دون تقديم حلول عملية لتجاوز جملة هذه الأزمات .
نهى المانسي
تعليقك
Commentaires