بين عدم التحيّين والتحيُل .. ينتفع الموظّفون وغيرهم بمنح العائلات المعوزة
تعيش تونس في يومها 23 من الحجر الصحّي العام الذي فُرض على الشعب التونسي بعد أن لحق ببلادنا وباء كورونا المستجدّ كباقي الدّول الأجنبيّة التي زهقت فيها الآلاف من الأرواح البشريّة جرّاء هذه الجائحة التي لا تكترث بأحد تُصيب كلّ من استهزأ من مخاطرها فهي كالنار تأكل الأخضر واليابس.
تجنّدت بلادنا منذ بداية شهر مارس لهذه الجائحة التي دخلت أراضينا وتمّ تسخير كلّ أجهزة الدولة ومؤسّساتها للعمل على الحدّ من انتشارها واحتوائها وأصدرت رئاسة الحكومة العديد من الإجراءات التي جعلت من التونسيّين ملازمين منازلهم ويخرجون منها فقط للتزوّد بالحاجيات الأساسيّة على غرار المواد الغذائيّة التي أصبحت لمن استطاع لها سبيلا. وعلى الرّغم من كلّ ما تقرّر من إجراءات، تمكّن هذا العدو الغير مرئي من حصد أرواح 28 شخصا وإصابة 685 شخصا آخر.
الكثير من الفئات الهشّة في بلادنا التي ألقت عليها جائحة كورونا أثقالها، فكّرت بها الدّولة وأعطتها أهميّة وتقرّر صرف منحة 200 دينار على كلّ ضعاف الحال من العائلات المعوزة لإعالة عائلتهم ولو أنّ هذه المنحة لا يتمكن المواطن من خلالها توفير الكثير. قامت وزارة الشؤون الإجتماعيّة بعمليّة تحيّين لسجلّ المنتفعين وتركيز آلية فعّالة بفضل المجهودات المبذولة من قبل الأخصائيين الاجتماعيين ومختلف المصالح التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية وإطارات وأعوان البريد التونسي منذ إعلان رئيس الحكومة عن الإجراءات الاجتماعية بتـاريخ 22 مارس 2020، وقرّرت صرف المساعدات الاجتماعية الاستثنائية والظرفية المعلن عنها لفائدة مستحقيها من العائلات محدودة الدخل المنتفعة ببطاقة علاج بالتعريفة المنخفضة [بطاقة علاج صفراء] بواسطة حوالات بريديّة، بداية من يوم 02 أفريل 2020. كانت سياسة توزيع هذه المنحة في مراكز البريد غير محكمة وغير منظّمة، فقد تهافت المواطنون يوم 2 أفريل بأعداد كبيرة وغفيرة أمام مراكز البريد وسط تزاحم واكتظاظ دون احترام الحجر الصحّي ولم تتمّ احترام مسافة الأمان بينهم أثناء وقوفهم في الصفوف الغير منظّمة وندّد الرأي العام بهذه الفوضى التي لها دور كبير في نقل العدوى.
على الرّغم من أنّ وزارة الشؤون الإجتماعيّة قامت بمراجعة قاعدة بيانات الأشخاص الذين سينتفعون بمنحة 200 دينار إلاّ أنّ هذه المراجعة لم تكن كافية وناجعة ذلك أنّ الرّأي العام استشاط غضبا منذ أن تمّ الكشف عن استنفاع قرابة 600 موظّفا بتلك المنحة، ذهب هؤلاء الموظّفون بكلّ ثقة في النفس واقتناع منهم إلى مراكز البريد ووقفوا في صفوف العائلات المعوزة وتحصّلوا على المنحة. هذا التصرّف اللاّمسؤول ندّد به الكثيرون ودعوا وزارة الشؤون الإجتماعيّة إلى مراجعة بياناتها واتخاذ الأجراءات اللاّزمة في حقّ الموظّفين الذين سمحوا لأنفسهم بأخذ مساعدات ضعاف الحال. كما أشار البعض أيضا أنّهم تلقوا إرساليات تفيد بأنّهم معنيّين بالمنحة ولكن بمجرّد توجّههم لمراكز البريد تمّ إعلامهم أنّ المنحة مسجّلة بأسماء أشخاص آخرين مع إنّ رقم بطاقة التعريف الوطنية مطابقة لبطقاتهم، كما انّ هناك البعض الآخر الذي شملته المنحة ولكن أثناء قيامهم بعمليّة السحب لم يجدوا في رصيدهم أيّ مليم.
وزير الشؤون الاجتماعية الحبيب الكشو، صرّح في هذا الإطار أن العديد من المواطنين المعنيين بالحصول على المنحة تلقوا رسائل مزيّفة تطلب منهم التوجّه إلى مراكز البريد ليكتشفوا فيما بعد أنّه لم يتمّ صرف المنحة لحساباتهم مؤكّدا أنّ الأرقام التي أُرسلت منها تلك الرسائل المزيّفة لا تتبع البريد التونسي أو وزارة الشؤون الاجتماعية. كما اعتبر أنّ تلك الرسائل هي السبب في خلق التزاحم بين المواطنين أمام مراكز البريد، وأوضح أنّ وزارة الداخلية أشرفت على النظر ذلك الملف وفتحت تحقيقا في العديد من الأرقام من الخارج، التي تقوم ببعث إرساليات قصيرة مستعملة نفس طريقة البريد التونسي وبطاقات تعريف المواطنين. وأعلن أنّ الوزارة اتّفقت مع الولاّة والمعتمدين والمجتمع المدني بالولايات والجهات، ليتولّوا الإشراف على تنظيم صفوف المنتفعين بالمنحة وإلزامهم بمسافات الأمان وذلك بالتنسيق مع قوات الأمن الوطني، مشيرا أنّ قيادات الكشافة التونسية مستعدّة لتنظيم مكاتب البريد. فيما يخصّ انتفاع الموظّفين بمنحة العائلات المعوزة، بيّن الكشو أنه سيتمّ استرجاع المنح التي صرفت لغير مستحقيها، معتبرا أنّ السبب في هذا الخطأ هو وجود قائمات للعائلات المعوزة ومحدودة الدخل غير محيّنة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية. من جهة أخرى، أكّد المدير العام بوزارة الشؤون الإجتماعية سامي بلغيث أنّ الوزارة تلقّت ملاحظات بوجود غير المستحقيّن الحقيقيّين للمساعدات الإجتماعيّة ولا تنطبق عليهم تصنيف العائلات محدودة الدخل قد تحصّلوا على المساعدات، وأشار أنّ الوزارة تشتغل على تضيّيق هامش الخطأ والتثبت في قاعدة البيانات.
بعد التدقيق من قبل وزارة الشؤون الإجتماعيّة بالتنسيق مع بقيّة الوزارات والمؤسسات والهياكل الرسمية في بادرة هي الأولى من نوعها في التّقاطعات البيانية الضرورية للمنتفعين بمنحة 200 دينار من الموظفين، تبيّن أنّ عدد المنتفعين تجاوز بكثير 600 شخصا لتتفطّن الوزارة إلى وجود 4000 شخص من المنتمين إلى الوظيفة العمومية والقطاع العام ضمن القائمة التي تمّ إرسالها إلى مصالح البريد لتوزيع المساعدات الإجتماعية. بعد الكشف عن هذا الخطأ، قامت الوزارة بإيقاف صرف 3400 منحة وتأكّدت أنّ 600 شخصا فقط انتفعوا بالمساعدة الإجتماعية بدون وجه حق، وأعلنت الوزارة للرّأي العام أنّها شرعت بالتنسيق مع كافة الهياكل الرسمية المتدخلة في اتخاذ الإجراءات القانونية ضدّ كافة الأشخاص الذين تعمدوا الحصول على المساعدات الاجتماعية بدون وجه حق أو قاموا بتقديم معطيات ومعلومات خاطئة. مدير عام النهوض الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية محمد بن يوشع، أكّد يوم السبت 11 أفريل، أنّ الوزارة قررت معاقبة هؤلاء الموظّفين وذلك باقتطاع مباشر من أجورهم، كما أشار أنّ هامش الخطأ الذي وقع كان مردّه حصر قائمة المنتفعين بمنحة الـ200 دينار اعتمادا على سجّلات ورقية تضمّ المعطيات الخاصة بحاملي بطاقة العلاج بالتعريفة المنخفضة، والتي لم يتم تحيّينها منذ سنوات موضّحا أنّه تمّ إيقاف صرف المنحة لفائدة 3400 من الموظفين الواردة أسماؤهم ضمن القائمة باعتبار أنّ تكون أوضاعهم الاجتماعية قد تغيرت خلال السنوات الأخيرة.
محمد عبو وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد في تصريح لجريدة الشارع المغاربي نشر بتاريخ يوم السبت 11 أفريل، اعتبر أنّ الخطأ في صرف منحة 200 دينار يعود إلى عدم تحيّين قائمات المستفيدين بالمنحة منذ سنوات على الرّغم من التحاقهم بالوظيفة العموميّة. كما أكّد عبو أنّه ستتم مطالبة الأشخاص الذين تحصّلوا على الأموال على وجه الخطأ بإرجاعها واتخاذ إجراءات تأديبية ضدّهم مشيرا أنّ تسلّم أموال من دون وجه حقّ مخالف للقانون معلنا أنّ الإدارات المختلفة التي ينضوي تحتها الموظفون هي من ستتخذ الاجراءات المناسبة باعتبار أن الحصول على حوالة من طرف شخص يعرف أنه غير معني بها ويتسلمها يُشكّل جريمة في القانون التونسي. وتلافيا لتكرار هذا الخطأ، أكّد عبو أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية بالتنسيق مع المركز الوطني للإعلامية ومصالح وزارية أخرى يعمل من أجل تحيّين قائمات العائلات المعوزة وقاعدة البيانات المتوفرة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية.
البريد التونسيّ في بلاغ له مساء أمس السبت 11 أفريل 2020، أعلم كافّة حرفائه وجميع المواطنين أنّه يتعرّض إلى عديد محاولات الإختراق الإلكتروني تزامنا مع تأمين تحويل المساعدات الاجتماعيّة للعائلات المعوزة والفئات الهشّة التي تمرّ بأوضاع صعبة، إضافة إلى تأمينه لعمليّة جمع الهبات والمساعدات الماليّة التضامنيّة في إطار الحملة الوطنيّة لمكافحة انتشار فيروس الكورونا من خلال إشرافه على كلّ العمليّات الخاصّة بالحساب 1818. وأشار البريد التونسي أنّ مهندسو الدّيوان الوطنيّ للبريد وتقنيّوه تمكّنوا من صدّ معظم هذه الهجمات وعمليات التحيّل والقرصنة الإلكترونيّة المتواصلة إلى الآن، ولمزيد تأمين العمليات الماليّة البريديّة، أعلن البريد التونسي حرفائه وخصوصا أصحاب بطاقات الدفع الإلكتروني " e-dinar " و "travel e-dinar " أنّه لم يقم بمراسلتهم ، وأنّه لا يستعمل البريد الإلكتروني " Gmail " وإنّما بريده الإلكتروني المهنيّ الخاصّ بالمؤسسة " tnpost.tn@.......... "، أو "poste.tn@....." ولم يطلب منهم أيّة معطيات شخصيّة كبطاقة التعريف الوطنيّة أو رقم البطاقة الإلكترونية الخاصة بهم أو رقمها السرّي. وأكّد البريد التونسيّ أنّ هذه المعطيات محميّة ومؤمّنة في قواعد بياناته وتبقى شخصية وسريّة ويدعو حرفائه لعدم الإدلاء بها لأيّ كان وعبر أيّة وسيلة كانت كالبريد الإلكتروني أو الهاتف أو غيرهما وفي حالة التشكّك الاتصال بمصلحة الحرفاء الخاصّة بالدّيوان الوطني للبريد التونسيّ الرقم 1828 أو بالبريد الإلكتروني centre_appel@poste.tn .
بدورها، دعت الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية في بلاغ لها فجر اليوم الأحد 12 أفريل 2020، إلى الرفع من درجة اليقظة وإلى اتباع الحذر، وذلك على إثر رصد موجة تحيّل تستهدف بالأساس المؤسسات المالية. وأشارت الوكالة انّ القراصنة يستعملون رسائل إلكترونية زائفة وذات طابع تحيُل تهدف إلى استدراج الضحايا من خلال دعوتهم وحثهم على تقديم معطياتهم الخاصة وطرق الإتصال بهم. وشدّدت الوكالة على ضرورة التأكد في كل مرّة من مصداقية الرسالة الإلكترونية التي يتمّ تلقيها والتثبت من صحة باعثها وذلك بالإستناد والرجوع إلى عناوين البريد الإلكتروني الرسمية الصادرة عن الهياكل والمؤسسات موضّحة أنّه في حال وجود شك أو ريبة من الضروري عدم الإجابة عن الرسالة الإلكترونية وحذفها.
صحيح أنّ بلادنا تسعى بكلّ هياكلها إلى تدارك تداعيات أزمة فيروس كورونا على الشعب والمؤسّسات، ولكنّ كلّ الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة يجب أن تدعّم بمعايير محكمة لتطبيقها. كما أنّ هذا الوباء ساهم في كشف الحاجة إلى إعادة هيكلة العديد من الإدارات ورقمنتها ومراجعة بياناتها، وبيّن أهميّة إيلاء إصلاح ودعم قطاع الصحّة الأولويّة المطلقة. كما كشف فيروس كورونا أهميّة إعمال الوعيّ الجماعي للمحافظة على وحدة التونسيّين وسلامتهم واحترام الحجر الصحّي لتفادي انتشار هذا الوباء وضرورة إيلاء الأهميّة المطلقة لمساندة العائلات المعوزة وضعاف الحال أثناء هذه الأزمة.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires