حكم الإعدام في تونس : الحاضر الغائب
لا يزال الجدل حول تطبيق عقوبة الإعدام من عدمها قائما في تونس ففي الوقت الذي تطالب فيه الجمعيات الحقوقية بإلغاء العقوبة يتمسك بعض التونسيون بضرورة تطبيقها. و رغم مرور 29 سنة على تنفيذ اخر حكم بالإعدام عادت الأصوات المنادية بتطبيق الإعدام على خلفية القضية التي هزت الراي العام في تونس يوم 27 سبتمبر 2020 وهي جريمة قتل "رحمة " بجهة عين زغوان. و رحب عدد من التونسيون بالحكم القضائي الذي صدر عن الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس يوم 9 أكتوبر 2020 و القاضي بالإعدام شنقا في حق الشاب الذي قام باغتيال والدته و شقيقاته الثلاث في ديسمبر 2018. و امام هذه الاحكام اختار المشرع التونسي الصمت و ظل تنفيذ حكم الإعدام معلقا منذ سنة 1991.
رئاسة الجمهورية وعقوبة الإعدام
رغم ايمانه بالحقوق و الحريات لم يعارض الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تنفيذ حكم الإعدام و تم خلال فترة حكمه تنفيذ 129 حكم بالإعدام على غرار اعدام لزهر الشرايطي و اتباعه يوم 24 جانفي 1963 بتهمة التآمر ضد أمن الدولة وقلب نظام الحكم. في المقابل قام بورقيبة بإصدار عفو في بعض القضايا كقضية راعي الأغنام الذي تسبب في حادث قطار حين قام بوضع عمود حديدي في السكة الحديدية عن غير قصد. الرئيس التونسي زين العابدين بن علي كان معارضا لتنفيذ حكم الإعدام و رغم صدور عدة احكام بالإعدام خلال فترة حكمه الا انه لم ينفذ الا مرة واحدة سنة 1991 وتعلقت القضية حينها بسفاح نابل الذي قام بقتل و اغتصاب 14 طفل و طفلة، و تم منذ ذلك الحين تعليق حكم الإعدام في تونس. بعد الثورة صدر أكثر من 95 حكما بالإعدام في تونس و لم ينفذ أي حكم الا انه و منذ سنة 2011 تم السماح لعائلة و المقربين للمحكوم بالإعدام بالزيارات.
من جهته عبر رئيس الجمهورية قيس سعيد عن تأييده لحكم الإعدام و صرح اثر جريمة اغتيال الاشابة رحمة :" "مرتكبي مثل هذه الجرائم الشنيعة لن يتمتعوا مستقبلا بالسراح الشرطي ولا بالتقليص من العقوبة المحكوم بها عليه ويجب أن يكون العفو لمن يستحقه" و أشار خلال اجتماع مجلس الامن يوم 28 سبتمبر 2020 ان :" النص القانوني واضح بهذا الخصوص فمن قتل نفسا بغير حق جزاؤه الإعدام، خاصة بالنسبة إلى من يكررون ارتكابهم لمثل هذه الجرائم".
و ردا على تصريحات قيس سعيد ادانت اكثر من 28 جمعية و منظمة حقوقية ما جاء على لسان الجمهورية قيس سعيد وطالبت هذه الجمعيات في بيان نشرته يوم الجمعة 2 أكتوبر 2020 بضرورة :" احترام مواثيق حقوق الإنسان وتوصيات الآليات والقرارات الأممية المُتّصلة بالخصوص بتعليق تنفيذ عقوبة الإعدام وصولا إلى إلغائها تماما من المنظومة الجزائية التونسية". وادانت الجمعيات في بيانها :"حمالات التهجّم على الحقوقيين و ما تم تداوله في وسائل الاعلام و في وسائل التواصل الاجتماعي من دعوات لإعادة تفعيل عقوبة الإعدام وانتهاك الحقّ في الحياة في تونس " و عبرت الجمعيات الحقوقية على غرار المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة مركز تونس لحرية الصحافة عن استغرابها من تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد في اجتماع مجلس الأمن.
و اعتبرت الجمعيات و المنظمات الحكومية ان تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد :" فيها خطورة بالغة باعتبارها منافية لالتزامات الدولة التونسية بتعليق تنفيذ عقوبة الإعدام ، وباعتبارها منافية لمبادئ مدنية الدولة التي تستندُ في قوانينها وتشريعاتها إلى دستور وضعي وليس إلى قواعد دينية، إضافة لعدم احترامها لمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء".
حكم الإعدام في القانون التونسي
اصدار حكم الإعدام يكون عن طريق الدائرة الجنائية و بموافقة 4 قضاة على الأقل على هذه العقوبة خلافا لبقية القضايا التي تستوجب الحكم بالأغلبية و نصت كل من المجلة الجزائية و مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية على عقوبة الإعدام.
اشترطت المجلة الجزائية تنفيذ عقوبة الإعدام على بعض الجرائم : بعض الجرائم المتعلقة بالاعتداء على أمن الدولة الخارجي ، بعض جرائم المتعلقة بالاعتداء على أمن الدولة الداخلي منها الاعتداء على حياة رئيس الدولة أو الاعتداء لتبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض الاعتداء بالعنف باستعمال السلاح أو التهديد به ضد قاض بالجلسة ، القتل مع سابقية القصد ، قتل الأصول (الأباء/الأجداد) ، القتل العمد إن كان القتل يرتبط بجريمة أخرى عقوبتها السجن أو الهدف من القتل هو الاستعداد لارتكاب تلك الجريمة أو تسهيل ارتكابها أو مساعدة فاعليها أو مشاركيهم على الفرار أو ضمان عدم عقابهم، الموت المُصاحب لاختطاف شخص أو تحويل وجهته باستعمال الحيلة أو العنف أو التهديد ، الحريق المتعمّد المتسبّب في الموت.
من جانبها نصّت مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية بدورها على عدة جرائم عقوبتها الإعدام من بينها: جريمة الفرار الى العدو ( الفصل 69) ، من ثبت ارتكابه لجريمة الفرار زمن الحرب بمؤامرة أمام العدو ورئيس المؤامرة على الفرار إلى الخارج (الفصل 70) ، الامتناع عن الأوامر زمن مجابهة العدو أو المتمرّدين إذ سبب التمنّع ضررًا جسيمًا (الفصل 71) ، عدم إطاعة الأمر بالهجوم على العدو أو المتمرّدين (الفصل 71) ، كل عسكري تونسي أو في خدمة الجيش التونسي يحمل السلاح ضد تونس (الفصل 117) الجوسسة (الفصل 121) ، كل تونسي يجند نفسه أو غيره لصالح دولة هي في حالة حرب مع البلاد التونسية أو ينضم إلى المتمردين (الفصل 123)
و يتم تنفيذ حكم الإعدام حسب القانون التونسي بالشنق حتى الموت بالنسبة للجرائم غير العسكرية اما بالنسبة للجرائم العسكرية فتتم عن طريق الرميً بالرصاص و للإشارة يمكن لرئيس الجمهورية حسب الفصول 371 إلى 375 من مجلة الإجراءات الجزائية منح العفو الخاص لفائدة المحكوم بالإعدام و يمكن ان ينص هذا العفو الخاص بإطلاق سراح المعني المحكوم ، أو التخفيف من العقوبة.
لا يزال المشرع التونسي صامتا في خصوص الغاء عقوبة الإعدام من عدمه و رغم امضاء تونس على عدة معاهدات دولية تتنافى مع تطبيق عقوبة الإعدام الا انه لم يتم الفصل في المسالة الى اليوم و لا تزال أصوات بعض التونسيين تنادي بتطبيق العقوبة في الوقت الذي تطالب الجمعيات بإلغائها و تجدر الإشارة الى ان تطبيق عقوبة الإعدام في بعض البلدان على غرار السعودية او ولاية تكساس بالولايات المتحدة الامريكية لم تخفف من تفشي الجرائم.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires