alexametrics
الأولى

المعالجة الصحفيّة لأحداث الانتحار- وفاة المواطنة شريفة الغربي مثالا

مدّة القراءة : 5 دقيقة
المعالجة الصحفيّة لأحداث الانتحار- وفاة المواطنة شريفة الغربي مثالا

دراسة حالة المعالجة الصحفية "لأحداث الانتحار".

اختار مجلس الصحافة، نشر هذه الورقة العلمية على موقع بيزنس نيوز، حصريا.



ينطلق مجلس الصحافة في إصدار ورقات تحليلية وتفسيرية لمسائل وقضايا ذات بعد تحريري وأخلاقي تهتم بمجال الممارسة الصحفية في تونس. وتسعى هذه الورقات، التي لن تكون بمثابة ردود فعل انطباعية وآنية، إلى المساهمة في فتح نقاش مهني حول تطوير المعايير المهنية والأخلاقية ومساعدة الصحافيين/ات على تفكر ممارستهم المهنية. ويهمّ المجلس أن يذكر أن هذه الورقات التحليلية والتفسيرية عندما تعالج قضية ما، ذات بعد تحريري أو أخلاقي، فإنما سعيا منها لتطوير المرجعيات المعيارية المهنية الضامنة للارتقاء بالمهنة...


ويهم المجلس أن يشير كذلك إلى أن عملية تطوير المرجعيات المعيارية المهنية والأخلاقية لا يجب أن تكون عملية فوقية. فالمجلس لا يريد أن يكون هيئة تشهّر بالمهنة تشرع للصحافة أو أنها تنزل أحكامها عليها. ويتجسد هذا التوجه في فتح المجلس كل لجانه إلى مشاركة الصحفيين، وفي المشاورات التي عقدها وسيعقدها حول مدونة أخلاقيات المهنة. وفي هذا الإطار، تتمثل غاية هذه الورقات التحليلية في طرح المشكلات وليس تقديم الحلول الجاهزة، ذلك أن ابتكار المعايير المهنية والأخلاقية هو عمل جماعي وتشاركي بالضرورة.


دراسة حالة :المعالجة الصحفية للانتحار


تطرح هذه الورقة التفسيرية الأولى بعض المشكلات التي اتسمت بها تغطية وفاة المواطنة الدكتورة شريفة الغربي (قدمتها الصحافة باعتبارها زوجة النائب مهدي بن غربية وكأن لا مكانة لها خارج وظيفتها كزوجة النائب، فأشرت إليها جل وسائل الإعلام التي تناولت القضية بصفتها تلك. وتم الاختيار عليها لسببين، الأول باعتبار تقديمها قضية انتحار دون التأكد والثانية باعتبار المتوفاة زوجة شخص ناشط في الشأن العام.


توصيف المشكل

نشر إذاعات وبعض المواقع الإخبارية خبرا نسب إلى مصادر مجهولة يفيد بـ"انتحار" زوجة النائب مهدي بن غربية" تحت عنوان: انتحار زوجة النائب مهدي بن غربية بسبب "أزمة نفسية حادة". ونشرت مواقع إخبارية أخرى الخبر واصفة الوفاة بالمسترابة. وقامت مواقع أخرى بنشر الخبر، ثم حذفه، فيما قامت مواقع أخرى بنشره لكنها أرجعت السبب إلى أزمة قلبية.

تطرح هذه التغطية الإشكاليات التالية : (مع العلم أن وسائل إعلامية دولية تعرضت تقريبا لنفس الاشكاليات وعالجتها بطرق مختلفة).


🖜احترام الخصوصية والطابع الحساس لقضايا الانتحار
أن المتوفاة (زوجة النائب مهدي بن غربية) مواطنة لا علاقة لها بالشأن العام ولها الحق وعائلتها في احترام خصوصيتها. فلا يبدو من الأخبار التي تتحدث عن الانتحار أن لهذا الانتحار علاقة ما بالحياة السياسية للنائب. ولئن تقدم المواقع التي قدمت رواية الانتحار بسبب حملات تتعرض لها المتوفاة، فإنها لم تنشر أي تقرير إضافي أو أي أخبار إضافية يبين نتائج هذه الحملات على الوفاة و كيف دفعتها إلى الانتحار.
وقد أكدت العديد من المواثيق الصادرة عن مجالس الصحافة على الطابع الحساس لقضايا الانتحار والتعامل معها بحذر شديد وعدم استخدام العناوين والصور الصريحة. كما يسعى الصحفي إلى عدم الإضرار بالأشخاص وبعائلاتهم أو كل الأشخاص الذي تأثروا بعملية الانتحار. وفي كل الأحوال يلتزم الصحفي بالتعامل مع هذه الأحداث بإنسانية.


🖜الطابع الاستعجالي للخبر
قدم الخبر في هذه المواقع رغم طابعه الشخصي للمتوفاة ومحدودية المعطيات عن الوفاة على أنه خبر عاجل، لا يمكن الانتظار للتحري فيه وكأن الأمر يتعلق بحدث له أهمية كبرى بالنسبة إلى الحياة العامة. ورغم هذه الأهمية التي أعطتها المواقع التي نشرت الخبر في صيغة الخبر العاجل breaking news، فإنها إما لم تتابع الحدث أو إنها قدمت رواية مناقضة لرواية الانتحار. ولسائل أن يسأل ما الذي يجعل من وفاة زوجة نائب خبرا عاجلا يقدم للجمهور؟


🖜حذف الخبر دون أية توضيحات
قامت بعض المواقع بحذف الخبر دون تقديم أي إيضاحات للجمهور عن عملية الحذف وأسبابها ودون الاعتذار للجمهور.


🖜نشر رواية ثانية مخالفة للرواية الأولى
قامت مواقع أخرى رواية مغايرة للأحداث لا تبين أن المتوفاة قد انتحرت بل إن المقالات الموالية التي نشرتها لم تتضمن أصلا كلمة انتحرت. وكأن الرواية الثانية تتنكر بشكل صريح للرواية الأولى، وفي ذلك محاولة "للتحايل" على الجمهور أو الاستخفاف به.


🖜التخلي عن مسؤولية إدارة التعليقات في صفحات مواقع الشبكات الاجتماعية
أتاحت بعض الواقع الإخبارية إمكانية العليق على خبر الانتحار. فوردت عشرات المئات من التعليقات بعضها فيه ثلب وشتم النائب وتحويله إلى سبب "انتحار" زوجته.

 

🖜اعتماد المصادر المجهولة
اعتمدت جل المواقع التي نشرت الخبر على صيغة المصادر المطلعة والحال أن الأمر لا يتعلق بموضوع خطير يمكن أن يبرر حجب هوية المصدر بما أن عملية الحجب تخضع إلى معايير مضبوطة.

 

ملاحظات على ضوء معايير مدونة أخلاقيات المهنة :
أولا : بخصوص التخلي عن رواية الانتحار لصالح رواية الوفاة مجهولة الأسباب وبخصوص حذف المقال من الموقع، فقد جاء في مشروع مدونة المجلس لأخلاقيات المهنة بخصوص "التصحيح الذاتي والاعتذار" أن "الصحفي يقوم بتصحيح الأخبار التي تتضمن أخطاء ارتكبها في مستوى الوقائع بشكل سريع التزاما بواجب النزاهة. كما أنه يقوم بتقديم كل المعلومات الإضافية على كل ما من شأنه أن يساعد الجمهور على فهم الأحداث. ويعتذر الصحفي على الأخبار التي تمثل إساءة لسمعة الأفراد".


ثانيا : بخصوص استخدام المصادر المجهولة
يمثل استخدام المصادر المجهولة أو المطلعة في هذه الحالة مشكلا مهنيا وأخلاقيا. فقد توافقت المواثيق الأخلاقية والمهنية على تخصيص عملية إخفاء المصادر على من يمكن أن يتعرض إلى مخاطر أو عندما يتعلق الأمر بمعلومات ذات علاقة بالصالح العام


وقد جاء في مشروع كمدونة أخلاقيات المهنة أن :
في عدم ذكر هوية المصادر
توافقت المهنة كونيا على شروط مخصوصة عند عدم ذكر المصادر حتى لا تصبح عملية إخفاء المصدر وسيلة من وسائل التلاعب بالجمهور بنشر معلومات غير متأكدة ولم تخضع إلى التحري بحجة أن المصدر غير موافق على ذكر هويته. ومن الشروط التي يجب أن تتوفر لإخفاء هوية المصدر:
أن يكون مصدر الخبر معرضا إلى الأخطار أو إلى أي نوع آخر من الأضرار الحقيقية
أن تكون المعلومات التي يعطيها المصدر الذي يريد إخفاء هويته ذات قيمة إخبارية تخدم الصالح العام

غياب طرق أخرى للحصول على المعلومات
على الصحفي إعلام رئيس التحرير المباشر بالأسباب التي جعلته يخفي المصدر
في كل الأحوال يفسر الصحفي الأسباب والحيثيات التي جعلته يخفي المصدر
لا يجب استعمال إخفاء المصدر كمطية لترويج إشاعات أو خطابات ثلب
إن عدم ذكر المصدر يعني هنا أن المصدر قد بتعرض إلى أخطار تهدد سلامته. وفي هذه الحالة كان على الموقع الإشارة إلى أنه أخفى المصدر، بسبب هذا الأمر أو أن الصحفي لم يتأكد بنفسه من المعلومات التي تحصل عليها، فنسب المعلومات إلى المصدر تنصلا من المسؤولية
أما إذا كان الموقع قد تأكد بنفسه من أصالة المعلومات ودقتها، يصبح لا معنى هنا إلى الاتكاء على مصدر مجهول لأن الصحفي في هذه الحالة على الصحفي أن لا يختفي وراء المصدر المطلع وأن يتحمل مسؤوليته في تبني الخبر بما أنه تأكد من أصالته، إذ لا معنى أن ينشر الصحفي خبرا ليس لم يتأكد بنفسه من أصالته ومن نزاهة المصدر الذي يتعامل معه . فقد ورد في الميثاق الأخلاقي للاتحاد الدولي للصحفيين أن الصحفي "لا ينشر الصحفي/ة خبرا يجهل مصدره"
وورد في ميثاق ميونيخ أن الصحفي "ينشر فقط الأخبار معلومة المصدر أو أنه بإمكانه إضافة، إذا ما اقتضى الأمر ذلك، تحفظات يفرضها الخبر".


🖜 المعالجة الصحفية المتسرعة محفز على الانتحار
من النتائج الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن معالجة صحفية متسرعة وغير خاضعة لمعايير تحريرية وأخلاقية مهنية صارمة توافقت عليها المهنة بعد النقاش والمداولة الحث على الانتحار. فقد بين البحوث أن دور وسائل الإعلام يمكن أن يكون سلبيا بالتحفيز على الانتحار بتحويله الانتحار إلى فعل مشروع يمكنه أن يتفهمه الناس وتتحول العملية الانتحارية إلى فعل بطولي. وهذا التأثير المخصوص يعبر عنه ب effet Werther (انظر/ي هذه الدراسة الأكاديمية عن هذا الموضوع ومراجع أخرى تكميلية)

خلاصات  :
خلقت هذه المقالات المتناقضة والروايات المتباينة الشعور بأن هناك تلاعب بالخبر وبأن بعض المواقع الإخبارية تفضل صحافة الإثارة والخبر الحصري والعاجل على الصحافة الدقيقة والتي تحترم واجباتها الأخلاقية. 
تبين تجارب مجالس الصحافة ضرورة التعاون بين الأوساط الصحفية وجمعيات الطب النفسي. 
تنظيم ورشات عمل بحضور ممثلين عن هذه الجمعيات، إضافة إلى حضور أعضاء من عائلة المتوفاة للنقاش في معايير تغطية أحداث الانتحار. 
إصدار ميثاق خاص بتغطية الانتحار.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter