الفصل 70 والتفويض للفخفاخ – السياسة لا تهدأ حتى زمن الكورونا

لم يكن جدل الفصل 70 من الدستور مُتعلقا بجدية الحرب على كورونا والتأهب لكل السيناريوهات الممكنة وادارة الأزمة، بقدر ما كان ساحة لتسجيل الأهداف السياسية على حساب وقت التونسيين القليل.

تجاوزت تونس سقف الـ300 حالة اصابة وأعلنت وزارة الصحة في بلاغها المتأخر مساء أمس عن عاشر وفاة بكوفيد-19، ومع ذلك لا تتردد الكتل الحزبية تحت قبة باردو في الاستثمار في هذه الأزمة سياسيا. ما نعرفه لحدّ الان أن الحزب الاسلامي وقلب تونس وائتلاف الكرامة يشكلون قوة ضغط ضد المرور الى الحلّ الدستوري الذي وضعه المشرع، أو على الأقل بصيغته الحالية. الأطراف المشاركة في الحكومة من جهة أخرى، كتحيا تونس، التيار، الشعب لا تمانع في المرور الى التفويض الوقتي، بل وتتهم مُعارضي مشروع القانون بمحاولة الاستحواذ على السلطة.

سامية عبّو، النائبة عن الكتلة الديمقراطية  أكدت أن حركة النهضة تريد التغول على السلطة والسيطرة على مكتب مجلس النواب، مُسجلة خروقات عديدة علقت عبو أنها "تخجل لأنها كانت جزءا منها وحضرت في جلسة عامة لم يُحترم فيها القانون."

عبو أكدت أن مكتب المجلس خرق القانون الداخلي واستحوذ على مبادرة رئيس الحكومة ليعدلها على مزاجه ووفق مصالحه، مؤكدة أن الحبيب خذر، رئيس ديوان راشد الغنوشي هو من يقف وراء خرق القانون والالتفاف على مقترح رئاسة الحكومة عبر سن تنقيحات للنظام الداخلي للمجلس. عبو أكدت أن راشد الغنوشي وحركة النهضة قاموا بتهديد بقية النواب أنهم لن يصوتوا لصالح الفصل 70 الا اذا تم التصويت على مبادرة حركة النهضة وفق تصريح لاذاعة اي اف ام صبيحة اليوم واصفة مقاربة النهضة بالقذارة، وخدمة المصالح الشخصية.

نبيل حجي، النائب عن الكتلة الديمقراطية، القوة الثانية عدديا في المجلس، اتهم حركة النهضة والائتلاف الهجين الذي تقوده، والذي يتضمن الكرامة وقلب تونس، بأنهم يفضلون أن يمسك الغنوشي بزمام الأمور على مصلحة التونسيين التي تقتضي أن يقود هذه الحرب راس السلطة التنفيذية وفريقه الحكومي.

يقول الحجي في تدوينة له، أن هذا الائتلاف الذي دعاه بائتلاف الكرورنا، لا تعنيه مصلحة تونس وهو مستعد الى أن "تذهب تونس للحجيم" مادامت النهضة مُستحوذة على السلطة. وصف النائب الوضعية بأنها حرب صلاحيات وأن ما يحدث في مجلس النواب بعيد عن كل  البعد عن محاولات ادارة الأزمة في انسجام بين السلطة، بل اضافة أزمة جديدة الى يوميّ التونسيين الذين يعيشون الأمرّين.

لجنة النظام الداخلي من جهتها، عقدت اجتماعا عبر آليات التواصل عن بعد للتصويت على فصول مشروع القانون المتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور والذي أفضى الى دمج مقترحي تعديل عنوان مشروع القانون والتصويت عليه بأغلبية الأعضاء الحاضرين ليصبح تحت عنوان''مشروع قانون يتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19 )''.

اللجنة قلصت مدة التفويض من شهريْن إلى شهر واحد على أن يتم النقاش في مجالات التفويض كذلك. تفسير هذا، أن النهضة  والأحزاب التي تدعمها خلال هذا الصراع التشريعي-التنفيذي، قبلوا مبدئيا بالتفويض الى الياس الفخفاخ. لكن التفويض لن يكون دون ضمانات، وسيكون معدلا ومحدودا وبسقف زمني أقصر.

ما كشفته اللعبة السياسية الجديدة، بين الفخفاخ الذي وجد نفسهُ محاصرا بالاجراءات الاقتصادية التي اتخذها في حين أنه لا يمتلك الاليات التشريعية لتنفيذها وبين مجلس النواب الذي يخشى أن يتحول الى الطابور الرابع بينما السلط الأخرى تدير الأزمة عوضا عنه، وبين بعض الأحزاب التي لن تردد في استغلال الوضع لترتفع درجة في سلم موازين القوى أو لتربح صديقا جديدا للغد السياسي مابعد الكورونا،  أن هذا النظام السياسي ليسا صلبا بما فيه الكفاية لمواجهة الأزمات لأنه أممّ السلطة في 2011 ثم أعاد توزيعها مُقسمة بطريقة عبيثة على باردو وقرطاج والقصبة فخلق أزمات ستظهر مع كل مشكلة تواجهها الدولة.

عبير قاسمي