القضية الفلسطينية في فكر قيس سعيد
حظيت القضية الفلسطينية بمكانة خاصة في خطابات وحوارات رئيس الجمهورية قيس سعيد. أستاذ القانون الدستوري الذي أصبح رئيس جمهورية التونسيين لم يقم بمجهود كبير لتمويل حملته الانتخابية انما تركزت مجهوداته على خطاباته الملحمية المشحونة بعبارات العروبة. بلغة عربية فصيحة وبنفس ثوري استطاع قيس سعيد دخول قلوب مناصري القومية العربية حتى ان البعض شبهه بالرئيس المصري جمال عبد الناصر والذي عرف بدعمه للمقاومة الفلسطينية.
حملة انتخابية تونسية بنكهة فلسطينية
أكد قيس سعيد خلال المناظرة التلفزيونية التي جمعته بمنافسه رجل الاعمال نبيل القروي ليلة الجمعة 10 أكتوبر 2019 دعمه و مساندته المطلقة للقضية الفلسطينية، المناظرة التي تناولت خمسة محاور: "الأمن القومي، السياسة الخارجية، صلاحيات رئيس الجمهورية و علاقته بالسلطتين التشريعية والتنفيذية والشأن العام، ووعود الأيام المئة الأولى من الرئاسة" كانت النقطة الفاصلة و المحددة لنتائج الانتخابات الرئاسية ففي الوقت الذي ركزت فيه وسائل الاعلام التونسية على فحوى المناظرة التلفزية الأولى من نوعها ركزت وسائل الاعلام العربية و بصفة خاصة الفلسطينية على حيث أجاب فصيح اللغة على سؤال حول موقفه من مسالة التطبيع : "نحن نتعامل مع اليهود ولن نتعامل مع إسرائيليين وأرفض دخولهم إلى تونس".
وأفاد سعيّد أنّ "تونس في حالة حرب مع الكيان الغاصب الذي شرّد الشعب الفلسطيني ...القضية لشعب محتل ما زال مشرداً في المنافي وتحت الخيام ولا يمكن أن نتعامل مع العدو ومن يتعامل مع كيان شرّد شعباً كاملاً فهو خائن، ويجب أن يُحاكم بتهمة الخيانة العظمى".
هذا الموقف أشاد به الفلسطينيون حيث أثارت تصريحات قيس سعيد ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي في فلسطين حتى ان صحيفة العربي الجديد اللندنية عنونت مقالا بتاريخ 13 أكتوبر 2019: "هل بات قيس سعيد مرشح الفلسطينيين لرئاسة تونس؟" ونقلت الصحيفة في ذات السياق تدوينات لصحفيين ومدونين فلسطينيين عبروا عن اعجابهم بتصريحات قيس سعيد: "سعيد هو مرشح الفلسطينيين الذين تمنوا لو كانوا تونسيين ويحق لهم التصويت لاختياره رئيساً لتونس، لأنّه يعبر عن فهم حقيقي للقضية بل إنه يمثل صوت التحرر المفقود عربياً، بعد أن شاهدت قيس سعيد واستمعت لفهمه العميق لطبيعة الصراع وددت لو أني تونسيا لأمنحه صوتي في جولة الإعادة ". بأسلوب حازم وببلاغة اللغة استطاع قيس سعيد دخول بيوت الفلسطينيين والمتعطشين للوحدة و القومية العربية وهو ما يفسر تداول نشطاء فلسطينيين لفيديوهات المناظرة على غرار الناشط الفلسطيني أدهم أبو سلمية الذي كتب على صفحته بالتويتر : "إن قيس سعيد جاء في وقت دقيق ووسط جموح عربي رسمي نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ليعزز أصواتا حرة تدافع عن الشعب الفلسطيني المحتل".
اختار قيس سعيد في حملته الانتخابية شعار "الشعب يريد " وهو شعار يذكر التونسيين بالثورة التونسية و بمظاهرات يوم 14 جانفي 2011 و بأسلوبه الحازم و خطابه الفصيح تمكن قيس سعيد من الفوز بالأغلبية الساحقة في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية حيث صوت له مليونين و777 ألف ناخب من جملة 7 ملايين ونصف مليون ناخب مسجل في حين تحصل منافسه نبيل القروي على مليون و42 ألف صوت و للإشارة بلغت نسبة الأصوات للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في الانتخابات الرئاسية في 2014 مليونا و700 ألف صوت.
التطبيع خيانة عظمى
في اول كلمة القاها بعد اعلان النتائج الفائز بالانتخابات الرئاسية "أعطوا درسا للعالم بأسره"، مشيرا إلى أن علاقات البلاد في الداخل "ستبنى على المسؤولية والثقة، وسنعمل في الخارج من أجل القضايا العادلة وأولها القضية الفلسطينية". جاء ذلك في أول كلمة لـسعيد عقب إعلان فوزه وفق تقديرات أولية، خلال مؤتمر صحفي عقده بأحد نزل العاصمة تونس.
و في خطاب التنصيب و اثر اداءه اليمين الدستورية لم يغفل مناصر الشعب الفلسطيني عن ذكر القضية الفلسطينية حيث تحدث قائلا :" ستبقى تونس منتصرة لكل القضايا العادلة واولها قضية شعبنا في فلسطين، والحق الفلسطيني لن يسقط كما يتوهم الكثيرون " . خطاب سعيد انتظره التونسيون و أيضا الفلسطينيون الذين تابعوا بشغف الجلسة العامة الخاصة فكان الرئيس الفلسطيني من أوائل الرؤساء العرب الذين قاموا بتهنئة قيس سعيد ما نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا):" يسعدنا أن نتقدم لكم، باسم دولة فلسطين وشعبها وباسمي شخصيا بتهانينا القلبية الحارة بنجاح العملية الانتخابية، وبالثقة الغالية التي أولاكم إياها شعب تونس الشقيق بانتخابكم رئيسا للجمهورية". حيث سارعت حركة حماس بنشر تغريدة على التويتر قالت فيها : "نتقدم بالتهنئة للدكتور قيس سعيد بفوزه بالانتخابات الرئاسية التونسية، ونعبر عن ترحيبنا بفوزه، ونعتبر ذلك دعماً كبيراً للقضية الفلسطينية والقضايا العادلة، كما نهنئ الشعب التونسي بهذه التجربة الديمقراطية الرائعة".
قيس سعيد و التململ من صفقة القرن
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء 28 جانفي 2020 خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض عن صفقة القرن والتي تواصل بمقتضاها إسرائيل السيطرة على معظم الضفة الغربية وتبقي مدينة القدس تحت السيادة الإسرائيلية بل وتجعلها عاصمة لإسرائيل. هذا الإعلان ادانه مجلس نواب الشعب في بيان نشره يوم 29 جانفي 2020 والذي جدد فيه تضامنه مع الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس ودعا فيه البرلمانات العربيّة والإسلاميّة والدوليّة إلى: " إدانة هذا السلوك العدائي تجاه قضيّة إنسانيّة وحضاريّة عادلة "
رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهته لم يتردد في التعبير عن رفضه القاطع لصفقة القرن وصرح خلال حوار تلفزي بعد مرور 99 يوما منذ تنصيبه : "التطبيع خيانة عظمى، العرب فكرهم مهزوم ولا يمكن أن يكون الا عمالة ما يحدث في فلسطين هو مظلمة القرن. الحق الفلسطيني لا يسقط بالتقادم. من يكن له علاقة مع الكيان الصهيوني هو خائن."
موقف قيس سعيد المساند والمدافع عن القضية الفلسطينية لم يتغير بعد انتخابه كرئيس للجمهورية التونسية، الامر الذي استحسنته السلطة الفلسطينية حيث عبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مكالمة اجراها مع رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم الجمعة 7 فيفري 2020، عن احترامه واعتزازه بموقف سعيّد من التطبيع مع الكيان الصهيوني، و رحب محمود عباس خلال هذا اللقاء الهاتفي بمشروع القرار الذي اقترحته تونس بصفتها عضو غير دائم إلى مجلس الأمن.
جدير بالذكر ان تونس أعلنت عن إعفاء المندوب لدى الأمم المتحدة المنصف البعتي من مهامه يوم 7 فيفري 2020 و عللت السبب “بضعف الأداء وغياب التنسيق” معها في المسائل ”الهامة”.
و تم تداول اخبار غير رسمية نسبت الى بعض الديبلوماسيين مفادها ان البعتي قدم دعما كبير الى القضية الفلسطينية و هو ما يهدد العلاقات التونسية الامريكية، من جهتها اشارت رئاسة الجمهورية ان سبب اقالة المنصف البعتي كان بسبب تقديمه لمشروع قرار مناهض للخطة الأميركية للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين من دون أي مشاورات مسبقة.
و في مؤتمر صحفي جمعه بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يوم 24 فيفري 2020 جدد قيس سعيد دعمه للشعب الفلسطيني قائلا : “فلسطين ليست ضيعة أو بستانا ولا تخضع للقانون العقاري” و لم يغفل رئيس الجمهورية التونسية عن ذكر القضية الفلسطينية في خطاباته و لقاءاته في تونس و بالخارج.
التطبيع مع الكيان الصهيوني : قيس سعيد من التصريح الى التلميح
و بعد 6 أيام من الإعلان على الاتفاق الاماراتي الإسرائيلي في 13 اوت 2020 و الذي توقع الامارات بمقتضاه اتفاقية سلام مع إسرائيل، نظم رئيس الجمهورية قيس سعيد لقاءا مع السفير الفلسطيني بتونس هايل الفاهوم ليعبر له عن دعمه للشعب الفلسطيني : " الحق ليس صفقة ولا بضاعة أو مجرد سهم في سوق تتقاذفها الأهواء والمصالح".
اما في خصوص الاتفاق الاماراتي الإسرائيلي قال سعيد :" إننا لا نتدخل في اختيارات بعض الدول ولا نتعرض لها، ونحن نحترم إرادة الدول، فهي حرة في اختياراتها وأمام شعوبها، ولكن لنا أيضا مواقفنا التي نعبر عنها بكل حرية، بعيدا عن إصدار بيانات للتنديد بهذا الموقف أو ذاك".
تعرض تصريح قيس سعيد بعد هذا اللقاء الى انتقادات واسعة اذ اعتبر البعض ان قيس سعيد انتقل من مرحلة التصريح الى التلميح في علاقة بموقفه من التطبيع و على عكس بيان مجلس نواب الشعب الموقف الذي اعلن صراحة معارضته لقرار الإمارات العربية المتحدة في التطبيع مع الكيان الصهيوني و اعتبر الاتفاق تعدّيا على حقوق الشعب الفلسطيني اكتفى قيس سعيد بالتعبير على الدعم الكامل والمطلق للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم وفق قرارات الشرعية الدولية.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires