alexametrics
الأولى

المشيشي يختار حكومة خالية من الأحزاب- الطبقة السياسية هي الخاسرة!

مدّة القراءة : 3 دقيقة
المشيشي يختار حكومة خالية من الأحزاب- الطبقة السياسية هي الخاسرة!

مُقارنة بحكومتي الجملي والفخفاخ، لم يتخذ مسار تشكيل حكومة هشام المشيشي ذات الزخم الاعلامي أو ذات الحيز في النقاش العام بينما سيطرت سابقاتها على الرأي العام وتتابعت تصريحات السياسيين وردود خصوهم وايضاحات المكلفين بتشكيل الحكومة والبيانات والندوات. هل يُعاب ذلك على المشيشي قليل الظهور أم على تزامن المسار مع العطلة البرلمانية، غير معلوم. في نقطة صحفية اليوم 10 أوت2020 ، هي الأولى منذ تعيينه -دامت أقل من 15 دقيقة- واثقا، مبتسما في بعض الأحيان، مراوحا بين الورقة التي أمامه والكاميرات، قرر الرّجل منح اجابات لبعض الأسئلة.

 

أنفق رئيس الحكومة المكلف 2 أسابيع من مهلته الدستورية في لقاءات مع الشخصيات الوطنية وممثلي الأحزاب والكتل، ولم تُسجّل ضمن هؤلاء تصريحات سلبية عمّا دار بينهم وبينه في قصر الضيافة، كلّ ما جاد به السياسيون وهم يغادرون مقر الاجتماع كان معلومات مُعومة حول طبيعة الحكومة (اقتصادية واجتماعية) وابتسامات راضية عن فحوى اللقاء واعلان عن نوايا التعامل الايجابي مع المشيشي. لم يرصد أي امتناع عن المشاركة في الحكومة سوى من الدستوري الحر، ولم يعلن أيّ حزب استياءه من رئيس الحكومة المكلف. هذا الهدوء ان أنبأ بشيء مُسبقا فهو أن المشيشي لم يغص مع الأحزاب في تفاصيل الاسماء والتعيينات ولم يرم وعودا أو يضرب مواعيدا قادمة. اكتفى اذا بالاستشارة والاعلام بالخطوط الكبرى لتمشيه، غير مستبعد بذلك امكانية اللجوء الى حكومة لا سياسية تتخلى فيها القصبة عن الأحزاب في الحكم المركزيّ، وكانت النقطة الصحفية المقتضبة تأكيدا لذلك- بعد مقدمة قصيرة لم تتجاوز الدقيقتين، أعلن أنه الحكومة ستكون مستقلة ذات أفق اقتصادي، لا تتضمن ممثلين عن الأحزاب.

 

في بدء كلمته، حدد المشيشي من يتحمل مسؤولية هذا القرار الذي سيزيح الطبقة السياسية من السلطة المركزية لأول مرة منذ سنوات. الأحزاب ذاتها، وسلوكخا السلبي، ومواقفها الهجومية، وعدم استعدادها للتفاهم، هو السبب الذي أوحى للمشيشي بقراره. أكد رئيس الحكومة المكلف، أنه لم يجد من الأحزاب سوى المشاحنات والتصادمات معلقا "أدركنا خلال مسار المشاورات التي جمعتنا بالأحزاب مدى الاختلاف والتناقض بين الفرقاء السياسيين ورأينا أن البلاد تعيش أزمة والشعب لم تعد له ثقة في النخب." تصريح يشبه الى حد كبير ما ظلّ يردده قيس سعيد منذ حملته الانتخابية الى حد اخر تصريح له، أن الشعب لم يعد يثق في سياسييه. هذا التمشي اذا، ليس اختيارا مترفعا من هشام المشيشي، بل هو نتاج لما أبدته الطبقة السياسية من عدم نضج خلال السنة الفارطة،حتى من داخل المنظومة الحاكمة نفسها،  وضمن الحكومة ذاتها. بيد أنّه اختار المضي في قرار التخلي عن الاحزاب، تأكد المشيشي من موازنة موقفه معلقا أنه الاحزاب تساهم في المجهود الوطني ولن ينتفي دورها بل ستتواصل المشاورات التي يأمل أن تنتهي الى ضمان دعم برلماني لحكومته.

بعد اللوم على سلوك الفاعلين السياسيين السلبي المتسم بالتصادم، عرض المشيشي الوضعية الحالية للدولة، والتي تنبأ بأزمة اقتصادية حادة. مستئنسا بالأرقام، أكد أنه لا مناط غير أن تكون الحكومة اقتصادية، حتى تُسهم في الانقاذ  عبر أهدافها  الستة المتمثلة  التي استهلها بانقاذ المالية العمومية عبر عقلنة النفقات وزيادة الموراد الذاتية للدولة وهو هدف ذُكر انفا في خطة الانقاذ لحكومة الفخفاخ والتي مازال المشيشي جزءا منها وعمل ورفقة زملائه على صياغتها. وفق ترتيب تفاضلي، تابع المشيشي أن الهدف الثاني هو المحافظة على القطاع العام ومؤسساته العمومية، وهو كذلك جزء من أهداف الحكومة المغادرة التي تعتبر القطاع العمومي مكسبا من مكاسب الدولة الوطنية ولا يجب التفريط فيه. نقطة تحيل الى أن توجه الفريق القادم، قد يظل اجتماعيا، مؤمنا بالدور الاجتماعي للدولة. هدف مالي أيضا، هو تعزيز مناخ الاستثمار  واسترجاع الثقة بين الدولة والمستثمرين. الاهداف الاجتماعية، لخصها المشيشي في الحد من تدهور القدرة الشرائية وتفعيل  اليات الضغط على الاسعار وتدعيم الاحاطة بالفئات الهشة وتفعيل التمييز الايجابي بين الجهات. ولم يتخلى الرجل عما أكده في ندواته السابقة التي تحدث فيها كوزير داخلية،  خاتما نقطه الصحفية الاولى كرئيس حكومة مكلف بشعار "تكريس علوبة القانون وفرض احترامه."

 

ستحمل الساعات القادمة مواقف الاحزاب من قرار المشيشي، لكن عكس بقية الفاعلين السياسيين، تغير موقف حركة النهضة منذ الاعلان عن اختيار المشيشي الى حوالي أمس. في أولى التموقعات كانت النهضة مرحبة بتعيين وزير الداخلية في حكومة الفخفاخ معددة خصاله  ومستبشرة بتكوينه الأكادمي وسيرته الذاتية. الحزب الاسلامي أعلن في فرصة أولى أنه سيتفاعل ايجابيا مع المشيشي واقتراحاته. في موقف ثان، انعكس عبر  تصريح راشد الغنوشي زعيم الحركة، يبدو أنّ النهضة اتخذت تموقعا أكثر حزما متمثلا في أن النهضة هي الضامنة للاستقرار السياسي وهي الحزب الأول وفق شرعية الصندوق ولا يمكن التخلي عنها أو اقصائها. "الديمقراطية هي حكم الأحزاب لا الكفاءات" كان تصريح للغنوشي الكفيل بالتعبير عن موقف الحزب الرافض لحكومة التكنوقراط والمُطالب بحكومة سياسية تقودها الحركة الاسلامية وبقية الأحزاب الفائزة في التشريعيات والتي خاضت الانتخابات لتصل الى الحكم ولا لترشح "كفاءات مستقلة". النهضة التي تكن عداء لرئيس الجمهورية، ستلجأ الى التصعيد ولن توافق على اقصائها من الحكم. النُقطة ذاتها، يوافقها عياض اللومي القيادي بقلب تونس المُستعد للتحالف مع النهضة في المرحلة القادمة، اللومي، انتقد تدخل قيس سعيد ومستشاريه في المسار التشاوري. من جانب اخر، التيار وحركة الشعب كانا من ابرز الرافضين لاعادة سيناريو مشاركة النهضة الحكم، مطالبين المشيشي بالذهاب الى حكومة دون الحزب الاسلامي الذي يتهمونه بافشال الحكومة السابقة. التيار من جهته تمسك بحكومة سياسية داعيا المشيشي الى عدم ترذيل الأحزاب لأن ذلك سكيون خطرا على مسار الانتقال الديمقراطي القائم على الحكم التشاركي، على لسان هشام العجبوني، يعتبر التيار أن منصب الوزير هو سياسي وليس تقني، وأن الحكومة يجب ان يكون لها سند سياسي لتنفيذ مشاريعها.

القراءة الاولى قد تنبأ بأن الأحزاب لن ترضى باقصائها الناعم، وستتجه الى تكرار سيناريو الحبيب الجملي. لكن الثمن هذه المرة لن يكون ذاته حيث أن الدستور ينص على حلّ البرلمان في حالة عدم التوصل الى تشكيل حكومة في الاجال الدستورية. هل ستضحي الطبقة السياسية بالمشاركة في الحكومة من أجل الحفاظ على التوازات البرلمانية، أم ستضحي بتوازُناتها البرلمانية وترضى بحكومة لا سياسية- هي الخسارةُ في كلتا الحالتين.

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter