النهضة : انقسامات في الافق و خلافات بين القيادات بسبب المؤتمر
كانت بزنس نيوز أول من أعلن عن قرار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أمس الاثنين 11 ماي 2020 بحل المكتب التنفيذي للحركة و تحويله الى مكتب تصريف أعمال في انتظار عرض المكتب التنفيذي الجديد على مجلس الشورى لنيل المصادقة. قرار فتح باب التأويلات على مصراعيه و اثار موجة هائلة من التعاليق و الأقوال و ردود الأفعال و أعاد الى السطح الموضوع القديم الجديد حول الخلافات الشديدة داخل الحركة التي تظهر للعلن ثم سرعان ما تختفي بفعل تتالي الأحداث اولا و الذاكرة الضعيفة للمجتمع السياسي في تونس.
الخلاف داخل حركة النهضة ليس جديدا، و ان تعددت الأسباب التي يتم من خلالها تبريره ، فالسبب تقريبا واحد و واضح و لا يمكن لأي مطلع على المشهد السياسي للحركة انكاره، و نعني مؤتمر حركة النهضة الحادي عشر المؤجل الى تاريخ غير مسمى.
- حل المكتب التنفيذي
بيان حركة النهضة التي أصدرته في ساعة متأخرة من مساء أمس الاثنين، قالت فيه أن رئيس الحركة أعلن خلال اجتماع المكتب التنفيذي الأربعاء الماضي 6 ماي عن اعتزامه ادخال تعديلات في تركيبة المكتب استجابة لمتطلبات واستحقاقات المرحلة، كما قات فيه أن الغنوشي أعلن عن تحويل المكتب الحالي الى مكتب تصريف اعمال، ودعا جميع أعضائه إلى مواصلة أعمالهم إلى حين انجاز هذا التحوير ودخوله حيز التنفيذ بعد عرض الموضوع على مجلس الشورى للمصادقة على التركيبة الجديدة .
بعض التحاليل ذهبت في اتجاه القول بأن المكتب الحالي، بعد استقالة أمينه العام زياد العذاري و بعد فشل تمرير حكومة الحبيب الجملي أصبح يمثل عبئا ثقيلا على الحركة و يجب تغييره أو ادخال نفس جديد فيه بما يجعله قادرا على خوض غمار الاستحقاقات القادمة والحفاظ على موقع الحركة الريادي في الحكم و الحكومة، في حين أن بعض التحاليل الأخرى ذهبت في اتجاه التسليم بأن الصراع المتجدد بين شقي الحركة المتشدد و الحداثي كان السبب الحقيقي وراء هدا القرار خاصة بعد ابتعاد أهم القياديين المعارضين لتيار الغنوشي و المتشددين المحافظين سواء بالاستقالة كعبد الحميد الجلاصي و هشام نجل علي العريض و زياد بومخلة أو بالتعيين المسمم كعبد اللطيف المكي و لطفي زيتون حيث أن المكتب التنفيذي يتكون من راشد الغنوشي رئيسا للحركة، وعبد عبد الفتاح مورو، نائبا أول للرئيس، وعلي العريض نائبا ثانيا للرئيس مكلفا بالتخطيط، ونور الدين البحيري، نائبا ثالثا للرئيس مكلفا بالكتلة البرلمانية و زياد العذاري، أمينا عاما للحركة، وموسى بن أحمد، مكلفا بالمهجر والمواطنين بالخارج، ومحمد القلوي، مكلفا بالهياكل وشؤون العضوية، ووسيلة الزغلامي، مكلفة بالمرأة والأسرة، وعماد الحمامي، مكلفا بالحكم المحلي، و وسيدة ونيسي، ناطقة رسمية ثانية، و رضا ادريس مكلفا بالعلاقة مع مجلس الشورى والندوة السنوية، ونور الدين العرباوي بالشؤون السياسية، ومحرزية العبيدي بالعلاقة مع المجتمع المدني، وجمال العوي بالإعلام والاتصال، وشكري الزغلامي بالصحة والرعاية الاجتماعية، والعجمي الوريمي بالثقافة و أروى بن عباس بالبيئة والتهيئة العمرانية، والهادي بن خليفة بالتربية والتعليم والتكوين المهني، ويمينة الزغلامي بالعدالة الانتقالية، وفريدة العبيدي بالشؤون القانونية، ورياض بالطيب بالتنمية والاستثمار و بدر الدين عبد الكافي، نائبا لرئيس الكتلة البرلمانية، ومحمد محجوب مكلفا بالإطارات والعلاقة بالمنظمات المهنية، وفتحي العيادي مكلفا بالتدريب والتأهيل القيادي (أكاديمية الحزب)، ونجم الدين الحمروني، عضوا في المكتب التنفيذي.
و المتمعن في هده التركيبة التي تم تعيينها عقب المؤتمر العاشر للحركة و تحديدا بتاريخ 19 جويلية 2019 رغم ما حصل فيها من تغييرات و استقالات أنها متوازنة بين الشقين حيث أنها تضم أبرز وجوه التيار المتشدد المعارض لراشد الغنوشي و توجهه السياسي و أيضا تضم أبرز مسانديه و هو أحد اسباب الخلاف بين قيادي الحركة و بالتالي فأن حل المكتب و تعزيزه بوجوه منسجمة خاصة بعد تغير التوازن في مجلس الشورى نحو كفة الغنوشي بما يسمح له بالتصرف و اعداد العدة قبل مؤتمر الحركة.
- تأجيل المؤتمر
كلمة السر في كل ما يحدث بحركة النهضة هو المؤتمر الحادي عشر المبرمج في ماي 2020 و من المستحيل طبعا اجراءه في موعده حيث أكد لنا مصدر مطلع داخل حركة النهضة أن المؤتمر سيؤجل الى أجل غير مسمى و من المستبعد أن يكون خلال سنة 2020 أو حتى النصف الأول من سنة 2021 و كان مبرر الحركة هو ما تمر به تونس من أزمة صحية بعد انتشار الكورونا، لكن المتابعين للمطبخ الداخلي داخل النهضة يعلمن علم اليقين الى أن الكورونا ليست الا تعلة وأنه تقرر تأجيل المؤتمر قبل انتشار الوباء، حيث أنه لم يقع اعداد الجوانب اللوجستية و المادية ولا الورقات المتصلة بالمؤتمر و لا التقريرين الأدبي و المالي، ما يعني وجود رغبة بائنة في التأجيل.
ويرجح أن الغنوشي والقيادة المقربة منه حرصت على تأجيل المؤتمر لأنه سينهي وجود الغنوشي في الرئاسة اذ ان القانون الأساسي لا يسمح له بالترشح لعهدة جديدة، وذلك وسط بروز معارضة لتنقيح القانون الأساسي، أول الأصوات المعارضة كان سمير ديلو الدي صرح اليوم خلال تدخله مع حمزة البلومي في شمس اف أم أن حل المكتب التنفيذي لحركة له علاقة مباشرة بمؤتمر الحزب الدي كان مبرمجا في شهر ماي و ان الغنوشي اتخذ القرار و اعلم به المكتب التنفيذي في جلسة 6 ماي مضيفا ان مؤتمر الحركة لا يجب ان يتجاوز نهاية 2020 حيث انه من المستحيل ان ينعقد في موعده.
و اضاف ديلو انه في حالة انعقد مؤتمر الحركة سيكون هناك رئيس جديد للنهضة فليس من المعقول لحركة ناضلت سنوات طويلة من أجل الديمقراطية و الانتقال السلمي للسلطة زمن نظام الرئيس بن علي أن تقوم بتغيير لوائحها و نظامها الداخلي، فهو يؤمن بالديمقراطية، و يؤمن أيضا انه ليس من المعقول تغيير النظام الداخلي على مقاس أي شخص حتى و ان كان في حجم الغنوشي و ثقله السياسي بالنسبة للحركة.
- على خطى نداء تونس
و ان كانت لا تجوز المقارنة بين حزب تأسس قبل الاستحقاق الانتخابي بمدة قصيرة و لغايات انتخابية بالأساس و حزب عقائدي خبر العمل السياسي بكل أشكاله سواء السري أو العلني و خبر المعارضة و نهل من الحكم و يعلم جيدا جاذبيته و رونقه الا أن المؤشرات تدل على أن النهضة تسير نحو مصير نداء تونس بخطوات متمهلة لكن ثابتة فأول اسباب ما حدث للنداء هو تضخم الأنا لدى قياداته و صراعهم على خلافة الباجي الدي تحول الى قصر قرطاج و ما عطل بروز التضخم و حرب خلافة الغنوشي هو حفاظه على رئاسة الحركة و رئاسة مجلس النواب في نفس الوقت و هوما يؤكد أنه بمجرد ابتعاد الغنوشي لأي سبب من الأسباب فسيرغب عدد مهم من القيادات في أخد مكانه خاصة عبد اللطيف المكي الدي استفاد كثيرا من ابعاده عن الحركة و توزيره و نور الدين البحيري رجل الغنوشي المدلل و نور الدين العرباوي و الحبيب خدر و طبعا علي العريض و غيرهم من القيادات التاريخية التي ترى في نفسها الرجل الثاني في النهضة بالتالي فان غياب الرجل الأول سيمكنها من المنصب.
الخطوة الثانية في مصير النداء هي تأجيل المؤتمر و ما خلفه من استقالات صلب الحركة كانت الخطوة الأولى في مصيره المحتوم و هو أيضا ما حدث داخل النهضة و سيحدث أيضا عند التصريح بتأجيل المؤتمر حيث أننا فعلا بدأنا نشاهد الانسحابات الثقيلة من الحركة بدءا بعبد الحميد الجلاصي و زياد العذاري وصولا الى انسحابين مدوين في الأفق لن اذكرهما احتراما للمجال و أمانتهما و الاكتفاء بالقول أنهما من عيار ثقيل جدا و على خلفية التصريح بتأجيل المؤتمر.
كل ما تقدم من معطيات يؤكد لنا مما لا يدع أي مجال للشك ان النهضة في مفترق طرق حاد و صعب و يلزمه دراية كبرى و خبرة في التعامل مع الوضعيات الدقيقة و قراءة جيدة للتاريخ و للتجارب المقارنة لان أي سوء تصرف سيكلف النهضة ثمنا باهضا و أشد ايضا مما دفعه النداء، فنداء تونس لا يحمل في جعبته ارثا من النضال كالذي تحمله النهضة، و يعترف أبناءه قبل أعدائه انه حزب تأسس من أجل غايات انتخابية عكس حركة النهضة التي تمثل شيئا مهما بالنسبة لمنخرطيها و ابنائها و لن تكون نهايته يسيرة أبدا من ناحية وقعها على نفوسهم.
حسام بن أحمد
تعليقك
Commentaires