alexametrics
الأولى

النهضة لا تثق في الوثيقة ..

مدّة القراءة : 3 دقيقة
النهضة لا تثق في الوثيقة ..

 

 

 كان أغلب الظن أن  خيبة أمل النهضة بعد سقوط حكومتها دون نيل الثقة، سيجعلها أكثر مرونة  وديبلوماسية في مشاورات حكومة الياس الفخفاخ لتتجنب خسارة أخرى على المدى القريب بجرّها الى كرسي المعارضة الذي لم تجربّه بعد الثورة، أو على المدى البعيد عبر خسارة محتملة لمزيد من الأصوات من رأس مال قاعدتها الانتخابية في صورة حلّ البرلمان والمرور قسريا الى تشريعيات مبكرة ينتهي معها برلمان 2019.

 

الرواية التي سُربت للرأي العام كعذر على تأجيل الاجتماع التشاوري الذي اتفقت الأطراف السياسية المعنية بالانتخابات  مبدئيا على حضوره، كانت سفر رئيس الحزب الاسلامي النهضة راشد الغنوشي خارج تونس، ليعلن  لاحقا أحد أعضاء  المكتب التنفيذي للنهضة الذي ترأسه الغنوشي شخصيا -رغم سفره المزعوم، أن مرد الاجتماع هو مناقشة موقف النهضة من الوثيقة التعاقدية، ليفضي لاحقا الاجتماع الى اقرار مبدأ التمسك بحكومة وحدة وطنية ضد الاقصاء.

 

تصريحان متاضدان صدرا عن الحركة الاسلامية، وتأجيل مفاجئ لاجتماع رسمي، لا يمكن أن يكونا محض صدفة عرضية في رمال السياسة التونسية المتحركة. بعد أكثر من اسبوعين من الأخذ والرد مع رئيس الحكومة المكلف قررت النهضة أنها حزب "لا يقبل بالاقصاء" وهي التي بنت حملتها الانتخابية التشريعية برمتها على الاقصاء عبر تصوير نفسها "بديلا" لقلب تونس الذي "لا يحمل مبادىء الثورة" وتحوم حولة شبهات فساد "هي بريئة منها." بعد الخطاب الانتخابي المُخادع الذي سقط مباشرة في الجلسة الانتخابية الأولى متى عُين الغنوشي رئيسا للبرلمان بمباركة من قلب تونس، عادت الحركة الاسلامية تشتري ودّ عدو الأمس الذي كلفها سقوط حكومة الحبيب الجملي.

في المشاورات حول الحكومة، اتجهت الحركة الاسلامية الى الانحياز لصف حزب نبيل القروي منادية بتشركيه في مسار تشكيل الحكومة، لكن التمشي كان لا يتجاوز نقطة عرضية في بيان ما أو جملة في تصريح أحد القياديين. في حركة غير متوقعة تلت اجتماع مكتبها التنفيذي بـ48 ساعة ودون اجتماع المجلس الشورى، تًقرر الحركة الاسلامية فجأة عدم توقيعها على الوثيقة التعاقدية، لتحسم الجدل عن موقفها من حكومة الفخفاخ.

 

مناورة سياسية فجّة، أثبت من خلالها الاسلاميون عدم مواقفتهم (منذ البداية) على مبدأ حكومة الرئيس، الذي استغل حوار المائة يوم ليتّفه لفظة "الحزام السياسي" ويعلن صراحة أن الحزام الحقيقي هو الشعب، مجردا بذلك الأحزاب وأولها النهضة من السلطة المعنوية التي تفاخروا بها طيلة مسار المشاورات. الأغلب أن النهضة استغلت مهلة اليومين اثر تأجيل الاجتماع لمراجعات جذرية ربما تتجه الى عدم منح الثقة للفخفاخ في صورة تمسكه بالمقاربة "الثورية" التي استمدها من سعيّد حتى تكون توجهاتهما متماهية، وبالتالي فان قلب تونس والدستوري الحر لن يكونا بأي حال في التشكيلة القادمة.

 

بالاضافة الى قرار عدم التوقيع، أكدت الحركة في بيانها أنها ستحضر المشاورات رغم ذلك وفي نقطة ثانية مهمّة، أعلن الاسلاميون أن  نور الدين البحيري هو ممثلهم في الاجتماع مع الياس الفخفاخ. يعني ذلك أنه  كان بالامكان أن يـُعوض راشد الغنوشي اثناء "سفره" ليحضر رجل النهضة الثاني الاجتماع وليتم في اوانه دون تأخير. هذه النقطة المستفزة تثبت أن غياب الغنوشي عن تونس لم يكن الا تعلّة لربح الوقت، ومهلة ثانية  للحركة الاسلامية دامت 48 ساعة من النقاشات  بعضها سرّي واخر معلن، والتي الت في النهاية الى قرار الانسحاب الناعم.. كورقة ضغط  أخيرة على الفخفاخ من أجل ضم قلب تونس "الصديق اللدود" التي تخاف الحركة الاسلامية اقصاءه لا ندري لم. النهضة خصصت في بيانها الأخير نقطة تبدو  أنها  البند العريض الذي يلخص الأمر، "خيار الحكومة الوطنية اتضح أنه يتمته بأغلبية برلمانية". اتضح لمن، ومتى، الاجابة هي أن النهضة لها خطة باء- ولا يعقل أن لا يتعظ الاسلاميون من أخطائهم السابقة، فهي تعلم جيدا من هم "الأغلبية البرلمانية" وتضمن موالاتهم لمواقفها عكس الفخفاخ الذي يبدو أنه لا يملك خطة أخرى غير مواصلة ماراثون المشاورات..

 

من الأرجح أن التوقيع على الوثيقة التعاقيدية لن يكون حدث اليوم، وستتحول المشاورات من تحديد اسماء الوزراء الى النقاش بشأن الوثيقة ذاتها وما ترمز له من اتفاق اخلاقي وامتحان اول قبل الامتحان البرلماني الأخير.  لعل التركيز على الوثيقة مُجانب للصواب، لأن الأصل في الأمر هو أن الوثيقة اتفاق مبدئي وخارطة طريق، بمعنى أنها الوسيلة وليست الغاية التي  من المفترض أن يدور في فلكها النقاش. الهالة التي أحاطت بالوثيقة منذ أن أعلن عنها الفخفاخ، حولتها من ورقة خطوط عريضة تنظم العمل الحكومي الى حدث سياسي ذو رمزية ربما أكبر من المشاورات ذاتها.

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter