alexametrics
الأولى

مزحة 'سورة الكورونا' التي عرّت حقيقة صُورة الـتعصّـب

مدّة القراءة : 3 دقيقة
مزحة 'سورة الكورونا' التي عرّت حقيقة صُورة الـتعصّـب

بعد هدوء قصير لم نكد خلالهُ نلتقط أنفاسنا من بشاعة سنوات التكفير والسحل والاغتيالات ومحاولات تأسيس فاشية دينية عبر دسترة الشريعة كنظام للجمهورية الثانية، يبدو أن دعوات الذبح وجدت طريقها للفضاء العام مرّة أخرى- وما نخشاه أن تجد كذلك طريقها للانسحاب من عزلة الكلام الى ساحة الفعل !

 

أصل الجدال :

 

"سورة الكورونا" هي نصّ ساخر بأسلوب المُحاكاة اللغوية، أي أن تبني نصّا على مثال جاهزـ أو بنفس المعجم، أو عبر استلهام روافد حضارية أو ثقافية والنسج على منوالها. وبينما يجوز النقاش حول شكل هذه التدوينة من حيث الارتقاء لهذا التصنيف الأدبي من عدمه (لأنها في النهاية مجرد مزحة وليست عمل أدبي جدي) الا أنّ نصب المشانق للمحتوى، هو مصادرة خطرة لحرية التعبير التي يبدو أنها مع حماوة الطقس وعطش رمضان أصبحت تُقلق عاطفة البعض -الهشّة لدرجة أن نصّا أو كاريكاتير يُمكن أن "يمسّها".

 

  روائيون تونسيون مثل كمال الرياحي يتفقون أن هذا النص ليس اعادة انتاج لسورة قرانية أو تحريف لنص مقدسّ  ولا يحمل مسّا من الذات الالهية. نشرته في بداية الجدل سناء بن ديمراد، ناشطة جزائرية اتهمت بالكفر والعبث بالقرآن. تتعالى حاليا في الجارة الجزائر ملايين الاصوات المُطالبة باعدام الناشطة بن ديمراد علنيا. وفيما لم نتوصل الى معرفة تفاصيل وضعية المدونة حاليا بسبب شحّ الأخبار في الميديا الجزائرية، الا أننا نستطيع أن نُخبركم بوضعية امنة الشرقي، المدونة التونسية التي نشرت نفس المنشور على صفحتها (ولم تقم بتأليفه مثلما تناقلت العديد من المواقع).

تكفير.. وَعِيد .. مُحاكمة !

 

"وين تسكن خليني نذبحك يا كافرة''، "سأذبحك من الوريد الى الوريد"، "15 مليون لمن يأتي براسك" هي مجرد عينة بسيطة من الرسائل اليومية التي تتلقاها المدونة امنة الشرقي الناشطة في منظمة المفكرين الاحرار والتي تمت احالتها بصورة برقية لم نرها في قضايا الارهاب والتكفيرعلى النيابة العمومية بتهمة الاساءة الى المقدسات. بعد ليلة مرعبة  من التكفير والوعيد بالسحل والذبح والقصاص، توجهت المدونة العشرينية صباحا الى المحكمة الابتدائية بتونس حيث مُنعت من اصطحاب محاميتها الى قاعة الجلسة أمام قاضي التحقيق وتمت مساءلتها في حالة تقديم. تم الابقاء على المدونة في حالة سراح بعد تحقيقين (الأول أمني يوم أمس والثاني قضائي صبيحة اليوم) لكنها لم تتمتع وفق تصريح المحامية ايناس الطرابلسي بحقّ الدفاع الذي بنيت عليها فلسفة المحاكمة العادلة، ولم تفسر النيابة العمومية على أيّ اساس وقع استدعائها حيث أنّ المشرع التونسي لا يجيز الاحالة على أساس أحكام الدستور ويجب أن تُحاكم الشرقي وفق نص قانوني واضح يُفسر "الجريمة" التي قامت بها والتي أدّت الى تحريك الجهاز العدلي قياسيا رغم أن عشرات القضايا المتعلقة -مثلا- بتكفير النواب في مجلس الشعب من قبل نائبي الكرامة  نضال السعودي ومحمد العفاس لم تُفتح من أجل صبغتها غير الاستعجالية وقد ننتظر شهورا وأعواما للبت فيها الى أن ننساها.

"أنا لم أدعو للعنف.. فقط مارستُ حريتي "


في تصريح لبيزنس نيوز،تقول امنة الشرقي "مخلاوش المحامين يدخلو معايا. و ستوجبني 7 مالنيابة و جاو ضدي و قالولي حرفيا معندكش حق تنقد الدين و معندكش حرية التعبير و مفماش منها الحكاية و هددوني بش يعاقبوني و يتهموني بالعنف و الكراهية. قالوا لي ممنوع تنشر حاجات هكا قلتلهم  فما قانون حرية تعبير جاوبوني بمفماش حرية تعبير"

تقول امنة الشرقي غير مخفية خشيتها من أن يصيبها أو عائلتها مكروه جرّاء الحملة التكفيرية (التي لنقل دون مجاملة أن مواقع صحفية انخرطت فيها ولو عن حسن نية تشهيرا بالفتاة)، هذه رسالتي لكم قبل أن يحدث لي أمر سيء.

 

"نحب نقول كلام من قلبي و نعبر عاللي في مخي ...... منحبش نخبي افكاري و رأيي ... تخافو مالافكار؟ مالرأي الاخر ؟ مالاختلاف؟ ! انا لا ادعو للعنف ! انا ضد كل من يدعو للعنف ! انا ناقف و نتضامن مع اي ضحية معرضة للعنف مهما كانت ديانتها ! انا ناقف مع الحرية. انا امنة الشرقي ملحدة باقتناع و هذا حقي. انا ضد العنف ، ضد الكراهية ادعو الى حرية التعبير  اتوسل الدولة ان تتبناها. انا اطالب بحماية الملحدين وكل من يتبنى معتقد غير مسلم بقانون يضمن الحريات، قانون علمانية الدولة هي الحل ! علمانية تحمينا الكل ! بش نجمو نتعايشو مع بعضنا الكل بالحب ."

 

أصوات مساندة قليلة .. جدا

 

لم نسمع خلال اليومين الفارطين وقعا للسياسيين الذين دافعوا طيلة حملاتهم الانتخابية على حرية التعبير وحقوق الأقليات ومدنية الدولة، لم نرى بيانات أو بلاغات، كلّ ما طفى على واجهة الرأي العام كان الاف التعاليق الداعية للكراهية والعنف والتطرف في أوج انفلات عنف التعصب من كل عقال، مقابل مساندات علنية قليلة رصدتها بيزنس نيوز. حيث اعتبر رئيس نقابة الصحفيين ناجي البغوري أن محاكمة المدونة فضيحة دولة  وعودة للقمع وتكميم الأفواه. الحقوقية والمحامية سعيدة قراش ذكّرت بالمكاسب الدستورية لحرية التعبير داعية الى عدم العودة الى مربع التكفير الذي راح ضحيته خيرة المشهد التقدمي ضحايا للاغتيالات فيما استنكر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة استدعاء النيابة للمدونة امنة الشرقي مقابل غض البصر عن التهديدات الجدية التي تطالها.

 

 

ماطرحته هذه الحادثة، هو ازدواجية المعايير التي لا تأبه بتهديدات الذبح بقدرما ما تأبه لشبهة الاعتداء على المقدسات. الصمت الذي يلف القضية من "العائلة التقديمة الحداثية" لا يمكن أن يُفسر الا أن البعض مازال يخشى أن يدلي بدلوه في مثل هذه القضايا حتى لا يخسر رصيده الرمزي من المساندين، وأنّ "الضغط الشعبي" يمكن أن يؤثر حتى على سرعة  الاحالة على القضاء بناء على ما يقال.. على فايسبوك.

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter