قرار الهدم بين القانون و الحق في العمل
يضمن الفصل 40 من الدستور التونسي الحق في العمل لكل تونسي و تونسية " في ظروف لائقة وبأجر عادل " هذا الحق الذي يندرج في اطار الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية كان و لا يزال مطلبا شعبيا فبالرغم من تضمينه في الدستور وهو اعلى القواعد القانونية و بالرغم من مصادقة تونس على عدة مواثيق دولية تضمن الحق في التشغيل، يصطدم هذا الحق بواقع اقتصادي ، اجتماعي و سياسي أعاق تطبيقه.
و لعل ابرز مثال على انتكاسة الحق في العمل في تونس هي البطالة التي ظلت في ارتفاع امام تراجع السياسة التشغيلية بالبلاد فبحسب المعهد الوطني للإحصاء بلغ عدد العاطلين عن العمل خلال الثلاثي الرابع من سنة 2020 634.8 ألف من مجموع السكان النشيطين مقابل 623.9 الف خلال الثلاثي الرابع من سنة 2019 و بلغت نسبة بالبطالة بخمسة عشرة فاصل واحد بالمائة خلال الثلاثي الاول لسنة 2020 بنسبة 12.3 بالمائة لدى الذكور و 22 بالمائة لدى الاناث.
و امام غياب الإرادة السياسية و غياب التنمية في الجهات يلجأ بعض التونسيين الى العمل خارج اطار القانون وهو امر مرفوض بطبيعة الحال الا ان الفقر و الجوع لا يعترف بالقانون خاصة اذا كانت الدولة غائبة، و لعل ابرز مثال على هذا هو الحادثة التي جدت في سبيطلة يوم امس الثلاثاء 13 أكتوبر 2020 و التي راح ضحيتها رجل يبلغ من العمر 52 سنة اثناء تنفيذ قرار هدم للكشك الذي كان ينام فيه.
أدت هذه الحادثة الى اندلاع مواجهات و مظاهرات في سبيطلة تنديدا بمقتل التاجر و رفع المتظاهرون شعارات مطالبة بالتحقيق في الحادثة و أخرى مطالبة بالتشغيل و التنمية، و هي ليست المرة الأولى التي يخرج فيها أهالي المنطقة في مظاهرات للمطالبة بالتنمية فولاية القصرين التي تنمي اليها مدينة سبيطلة تتذيل قائمة الولايات التونسية في مؤشر التنمية الجهوية فبحسب المعطيات التي صدرت سنة 2018 بلغ مؤشر التنمية في القصرين 0.388 بالمائة مقابل 0.402 بالمائة سنة 2015 و المؤشر مؤهل للتراجع خلال سنة 2020 بسبب تداعيات فيروس كورونا.
و اعتبر بعض المتظاهرين الذين خرجوا في مظاهرات حاشدة جابت المدينة ان قرار الهدم الذي قامت به بلدية سبيطلة غير قانوني و :كان "مفاجأ" نظرا لتوقيت التنفيذ (فجر يوم الثلاثاء) و دون اعلام او تنبيه. تجدر الإشارة في هذا السياق الى ان قرار الهدم هو قرار قانوني من اختصاص البلدية التي تسعى الى منع البناء الفوضوي والبناء الغير مرخص. فالبلدية كجماعة عمومية محليّة مستقلّة تتمتع بالاستقلال المالي هي الجهة المختصة لإسناد التراخيص و اصدار قرارات الهدم و ذلك بحسب الفصل 258 من مجلة الجماعات المحلية.
الفصل 258 : " يختص رئيس البلدية بإسناد التراخيص المتعلقة بالاستعمال العقاري وخاصة قرارات التقسيم ورخص البناء ورخص الهدم وفقا للإجراءات المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل". و لإسناد رخصة ما او لاتخاذ قرار الهدم يجب ان يتولى رئيس البلدية استشارة اللجان الفنيّة المختصة المكلفة بدراسة ملفات رخص التقسيم والبناء والهدم و تتكون هذه اللجنة من رئيس البلدية أو من ينوبه، رئيسا ، خمسة أعضاء يعيّنهم المجلس البلدي يكون من بينهم مهندس معماري أو مختص في التعمير، خمسة أعضاء ممثّلين عن الوزارات المكلّفة بالتجهيز والبيئة وأملاك الدولة والنقل والثقافة وممثل عن الحماية المدنية يعيّنهم الوالي المختص ترابيا على أن يكون من بينهم مختص في التعمير و مهندس معماري ممثّل عن الهيئة المهنية للمهندسين المعماريين.
ويعتبر قرار الهدم الحل الأخير بعد استيفاء جميع وسائل التواصل و يجب ان يتم الاعلام و التنبيه قبل التنفيذ و ذلك حسب الفصل 259 من نفس المجلة : "يتعيّن على رئيس البلدية إصدار قرارات هدم البناءات غير المرخص فيها أو المخالفة للرخصة المسلّمة بعد القيام بإجراءات التنبيه وبناء على محاضر قانونية. يتعيّن على رئيس الوحدة الأمنية المختصة ترابيا توجيه تقرير لرئيس البلدية حول مآل تنفيذ قرارات الهدم المشار إليها بالفقرة الأولى في أجل شهرين من تاريخ توصله بالقرار المذكور. لا يمكن تسوية المخالفات المتعلّقة بالتعمير إلا وفق شروط وإجراءات يضبطها التشريع المتعلّق بالتعمير والبناء".
في قضية الحال و لامتصاص غضب أهالي سبيطلة قام رئيس الحكومة هشام المشيشي بإقالة والي القصرين ومعتمد سبيطلة، واعفاء كل من رئيس منطقة الأمن الوطني ورئيس مركز الشرطة البلدية بسبيطلة، و تم: " تكليف كلّ من وزيري الدّاخلية والشؤون المحلية بالتحوّل فورا إلى معتمدية سبيطلة لتوفير الإحاطة المادية والمعنوية لعائلة الفقيد" حسب ما جاء في بلاغ رئاسة الحكومة الصادر يوم امس الثلاثاء 13 أكتوبر 2020.
و يأتي هذا القرار اثر تنصل رئيس بلدية سبيطلة فيصل الرملي من مسؤولية قرار الهدم حيث اكد الرميلي في تصريح اعلامي ان لا علم له بقرار الهدم و حمل مسؤولية القرار الى والي القصرين : " محمد سمشة والي القصرين هو من اتخذ قرار تنفيذ الهدم من جانب واحد و دون اعلامي، القرار اتخذ من قبل الوالي بتجهيزات الولاية وبالتنسيق مع الشرطة"، أيضا نفى المعتمد الذي تمت اقالته مصباح الفراتي علمه بقرار الهدم و اكد في ذات السياق ان توقيت التنفيذ " مريب وخاطئ" .
و امام تنصل المسؤول الأول على قرار الهدم اكد والي القصرين محمد سمشة المقال ان قرار الهدم كان بعد طلب رئيس البلدية فيصل الرميلي و قام سمشة بنشر جزءا من محادثة مع الرميلي لتأكيد كلامه و لنفي الاتهامات التي وجهت له.
و في الوقت الذي أراد فيه رئيس الحكومة امتصاص غضب الأهالي بقرارات الإقالة أدى تبادل الاتهامات بين الوالي السابق لولاية القصرين و رئيس بلدية سبيطلة الى احتقان أهالي سبيطلة، فبينما تنتظر المدينة مشاريع و حلول للنهوض بالوضع الاقتصادي الهش في الجهة خير "مسؤولو " الجهة اكمال صراعاتهم و اتهاماتهم الفايسبوكية على مصلحة المواطنين.
في تونس لم نشاهد يوما مسؤولين يتصارعون من اجل تنفيذ برنامج تنموي او مشروع اقتصادي لكننا شاهدنا "صراعا فايسبوكيا" و نشرا للمحادثات في ظل احتقان الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و لعل الموقف الذي يذكر فيشكر هو ذلك الذي اتخذه منتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الذي اصدر بلاغا شديد اللهجة يوم امس الثلاثاء 13 أكتوبر 2020 وسط صمت السياسيين.
و أشار المنتدى في بلاغه ان : "اقالات الحكومة للمسؤولين الجهويين هو امتصاص متأخر للغضب وهو تكريس لصورة السلطة التي تبحث عن فاشل يبرر ضعفها وعجزها وعدم قدرتها على تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية"
مما لا شك فيه ان القانون كمجموعة القواعد القانونية يجب ان يحترم من قبل الجميع لكن في نفس الوقت يجب ان يطبق على الجميع دون استثناء و مع التطبيق الصارم للقانون يجب ان تضمن الدولة حقوق و حريات المواطنين فما حدث في سبيطلة و رغم تاكيدنا ان البناء الفوضوي و البناء بدون ترخيص مسبق غير قانوني الا انه كان من الاجدر ان تلتفت السلط الجهوية الى الوضع المتردي الذي تعيشه المنطقة و الذي اجبر البعض على مخالفة القانون بحثا عن لقمة العيش ، فالبطون الجائعة لا تعرف الا قانون الفقر.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires