alexametrics
الأولى

مستشفيات للقضاة أم مستشفيات للمواطنين؟

مدّة القراءة : 3 دقيقة
مستشفيات للقضاة أم مستشفيات للمواطنين؟

"الاذن لوزير العدل ووزير التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية باعداد دراسة لانشاء مستشفى خاص بالقضاة وعائلاتهم وأعوان المحاكم" قرار حكومي أخير أثار جدلا واعتبر أنه يمهد لتفرقة بين المواطن والقاضي، مرده اضراب القًضاة احتجاجا على وضعياتهم الاجتماعية والخطر الصحي الذي يُهددهم بعد أن سجلت المحاكم التونسية وفاة ثلاث قاضيات تأثرا بفيروس كورونا، فيما أصيب 250 قاضيا بكوفيد 19.

 

رغم اقرار مجموعة من الاجراءات لفائدة القضاة منها مراجعة القانون الأساسي المنظم لتعاونية القضاة وتسوية المبالغ المتخلدة بذمة وزارة العدل لفائدة تعاونية القضاة، مدّدت جمعية القضاة التونسيين إضرابها العام الذي انطلق يوم 16نوفمبر ، بخمسة أيام إضافية ليستمر إلى غاية 25 من الشهر الجاري وسط انتقادات لتعطل محتمل لمرفق العدالة. ويستثني الاضراب القضايا الإرهابية والمسائل الحيوية.

اضرابُ القضاة الذي انطلق بتأبين لزميلتهم سنية العرضي التي توفيت جراء اصابتها بكورونا ورفضت مصحة خاصة استقبالها دون ضمان مالي بـ30 الف دينار، كان استنكارا لتهميش القطاع المتواصل وتردٍّ ولامبالاة من قبل أجهزة الدولة التونسية. لئن كان قرار الاضراب متأتيا من جمعية القضاة الا أن نقابة القضاة انضمت مؤكدة في بيان لها أن دفاعها عن القضاة وحقوقهم المهدورة هو دفاع عن الحق الشرعي للمواطن التونسي في أن يكون قاضيه الطبيعي مستقلا فعليا عن كل تبعية وعن كل ضغط وفي أن تكون العدالة ذات مكانة تعلو كل الحسابات.

اضافة الى مطلب تحسين الظروف المادية ومعالجة ظروف العمل بالمحاكم ووضع حد لتعطيل ملف الإصلاحات الشاملة بخصوص سن النظام الأساسي الجديد وقانون التفقدية، يطالب القضاة بالسماح لهم بالتداوي في المستشفى العسكري وتطوير المنظومة العلاجية للقضاة بـاعتبارهم من أكثر المعرضين لمخاطر وباء كورونا. قرار رئيس الحكومة الذي اقترح مؤسسة استشفائية للضاة حصرا، كان معللا بضمان "استقلالية القضاء" ضمانا لدولة مدنية عادلة، دون تفسير اخر. من المحتمل أن ذلك تأكيد على حماية القضاة وتحصينهم من المال الفاسد والاغراءات- رغم أنهم من المفترض أن يكونوا ملزمين بذلك أخلاقيا.
أثار هذا المقترح الذي ستكون له ميزانية كبيرة نسبيا مقابل الأزمة الاقتصادية والصحية وانتهاج الحكومة مقاربة حصر النفقات والتخفيض منها في قانون المالية، استنكارا من المواطنين الذين اعتبروا أن الجميع يعاني من تردي البنية التحتية الصحية وليس القضاة مواطنين من درجة اعلى، رغم دورهم المهم والحاسم في حفظ العدالة.العدالة تمر ايضا بالمساواة بين جميع المواطنين وعدم تكريس عقلية العلوية والتفرقة والقطاعية، التي وان كان ظاهرها استجابة لمطالب مشروعة لكن يمكن أن تستبطن اعترافا بان المستشفيات اصبحت "لا تليق" بالقضاة ، على اعتبار أنهم يستحقون مرافق أحسن من المواطن العادي مما يخرق الحق الدستوري في "الصحة للجميع".


رفض القضاة الاجراءات المعلن عنها من قبل رئيس الحكومة ، معتبرين أنها تتسم بعدم الجديّة والواقعية ولا ترتقى إلى مستوى المطالب الحقيقية العاجلة لأعضاء السلطة القضائيّة. وعبر القضاة الذين رفضوا التراجع عن اضرابهم، عن استيائهم الشديد من عدم جديّة السلطة التنفيذية في التعاطي مع التحركات الأخيرة و سوء إدارة الحكومة الحالية للأزمة و صمت رئيس الجمهورية تجاه الأزمة التي يعيشها اليوم مرفق العدالة وعدم حرصه على لعب دوره التحكيمي بوصفه رئيسا للدولة. سيكون للقضاة سند شعبي لو أنهم خصوا رئيس الحكومة في بياناتهم برفض واضح لمقترح خصهم بمرفق صحي يرفعهم منزلة عن مواطنيهم، ولو أكدوا أن مطالبتهم بالحق في الصحة متأت من ايمانهم بأنه حقهم الدستوري كمواطنين أولا قبل أن يلبسوا عباءة القضاء وليس امتيازا سكتاريّا.

منظومة صحية عمومية هشّة، طاقة استيعاب ضعيفة تُشارف على بلوغ حدّها الأقصى، 10 مستشفيات جامعية لأكثر من 12 مليون نسمة، معدّل مخيف بـ1.8 سرير لـ1000 ساكن، 2196 مركزا صحيا لـ24 ولاية، أطباء القطاع العمومي يتلقون أجورهم على دفعات، أطباء شبّان لم يتلقوا أيّ مليم منذ أشهر، كوادر طبيّة تعمل 7 أيام في الأسبوع على خط النار مع وباء عالمي مميت، ومعدل وفايات يومية بكورونا هو الثاني في قارة افريقيا، ستصل أرقامهُ في الساعات القادمة لثلاثة الاف ضحية، هذه مجرد لمحة على الوضع الكارثي الذي نعيشهُ- كمواطنين أيّا كانت وظائفنا.


وفاة القاضية سنية العرضي وهي الحادثة التي أطلقت سسلسة الاحتجاجات، كانت لأنها لم تتمكّن من تلقي العلاج اللازم بسبب غياب الإمكانيات في المستشفى الجهوي بنابل وهو مستشفى عمومي لجميع المواطنين، ولو كانت طاقة استيعاب المستشفى أكبر وكان مجهزا كما ينبغي لما اضطرت القاضية للبحث عن سرير في القطاع الخاص، مما يعني أن الازمة لا تتعلق فقط بواقع القضاة بل جميع المواطنين. فهل سيخص المشيشي كل قطاع يحتج بمستشفى خاص به، في دولة تقترب من الافلاس؟ هل سيكون للاساتذة والمحامين والفنانين مستشفياتهم الخاصة وليواصل المواطن العادي الانتظار لأشهر من أجل موعد في مستشفى عمومي لأنهه أقل شأنا؟ بين من اعتبر القرار شعبويا وبين من يؤكد أنه على رئيس الحكومة ايجاد حلول تنهض فعليا بالقطاع الصحي، لم يلق هذا الاقتراح سوى السخرية والاستهجان في ظل تحذيرات الأطباء المستمرة من خطر وصول المستشفيات لسقف طاقة تحملها والتوجه نحو سيناريو الكارثة التي نختار فيها من يعيش ومن يموت، لكن طبعا وفق منطق المشيشي فان الأولوية الان ليست طمأنة الرأي العام بل مزيد تأليبه باقتراح تمييزي بين عامة المواطنين والقضاة، اعترافا بأن مستشفى المواطن لا يرتقي لمستوى القضاة.

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter