قضية الشرقي - التجارة بالدّين تُعيد مربّع التضيّيق على حريّة التعبير
''وسيلتي الوحيدة هي الفايسبوك باش نعبر بيه، بش نكمّل نعبر الأيامات اللي مزالتلي هذي، انا توا مهددة من الإرهابيين و من الدولة زادة.... في أي لحظة نجم نموت مقتولة والا نشد الحبس ... انا في وضعية خطيرة من كل النواحي''، كانت هذه تدوينة المدوّنة الشابّة آمنة الشرقي التي سلبت حرّيتها لمدّة 6 أشهر في بلاد ظنّت فيها أنّه يحقّ لها التعبير بكلّ حريّة.
بعد ثورة الياسمين التي اقتدت بها أغلبيّة الدول العربية لتصبح ثورة الربيع العربي، اعتقد التونسيّين أنّهم سيعيشون في كنف الحرية والديمقراطية وسيمارسون حقوقهم بكلّ أريحية وأمان في بلد أصبح يحترم الحريات الفردية وحريّة المعتقد والضمير بعيدا عن الخوف وسياسة الترهيب وكتم الأفواه وقمع الحريات. على امتداد تسع سنوات من الثورة، شهدت تونس تواصل لسياسة القمع والترهيب والسعي لتركيع الإعلام والتلاعب به وكتم الأصوات الحرّة التي اختارت الفضاء الأزرق لتعبّر فيه عن كلّ ما يجول في خاطرها، كما عصفت بأحرار البلاد في سبيل النزاعات السياسية، إغتيالات متتالية لكتم الأصوات الحرة والمدافعة عن الوطن وسيادته.
آمنة الشرقي المدوّنة التونسيّة الشابة، تمّ الحكم عليها يوم أمس الثلاثاء من قبل المحكمة الإبتدائيّة بتونس بالسجن لمدة ستة (06) أشهر من أجل الدعوة إلى الكراهية بين الأديان والأجناس والسكان وذلك بالتحريض على التمييز واستعمال الوسائل العدائية وتخطئتها بمبلغ ألفي دينار (2000 د) من أجل النيل من إحدى الشعائر الدينية المرخص فيها و حمل المصاريف القانونية عليها. هذا الحكم كان من أجل نشرها لتدوينة بعنوان "سورة كورونا"، وهي عبارة عن نصّ ساخر بأسلوب المُحاكاة اللغوية، أي أنّ تبنّي نصّا على مثال جاهزـ أو بنفس المعجم، أو عبر استلهام روافد حضارية أو ثقافية والنسج على منوالها. وبينما يجوز النقاش حول شكل هذه التدوينة من حيث الارتقاء لهذا التصنيف الأدبي من عدمه (لأنها في النهاية مجرد مزحة وليست عمل أدبي جدي) الاّ أنّ نصب المشانق للمحتوى، هو مصادرة خطرة لحرية التعبير التي يبدو أنها أصبحت تُقلق عاطفة البعض -الهشّة لدرجة أن نصّا أو كاريكاتير يُمكن أن "يمسّها" على غرار السلطة القضائيّة.
روائيون تونسيون مثل كمال الرياحي يتفقون أن هذا النصّ ليس إعادة انتاج لسورة قرآنية أو تحريف لنصّ مقدسّ ولا يحمل مسّا من الذات الإلهية، نشرته في بداية الجدل سناء بن ديمراد، ناشطة جزائرية اتهمت بالكفر والعبث بالقرآن، حيث تعالت في الجارة الجزائر ملايين الأصوات المُطالبة بإعدام الناشطة بن ديمراد علنيا. وضعية آمنة الشرقي، المدونة التونسية التي نشرت نفس المنشور على صفحتها (ولم تقم بتأليفه مثلما تناقلت العديد من المواقع)، سلبت هذه الشابة من حريتها.
رئيسة لجنة الحقوق الفردية والمساواة السابقة والناشطة الحقوقية بشرى بالحاج حميدة، اعتبرت أنّ قرار سجن المدوّنة آمنة الشرقي، بـ 6 أشهر هو حُكم غير عادل وتهديد للحريات الفرديّة، وأشارت أنّ البلاد التونسيّة أضاعت البوصلة مبرزة أنّ هناك جزء من القضاة التونسيّين مثل الذين يحرّضون على الكراهية والعنف في موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك وليس لهم الحدّ الأدنى من الإنسانية. وأكّدت أنّ دور القضاء هو حماية الحقوق والحريات ودعت المؤسّسة القضائية للدّفاع عن تحرّر العقول وحريّة تفكير التونسيّين وتعدّد الأفكار والحريات وحرّية التعبير ''يجب أن تسعى كلّ الهياكل القضائيّة للإصلاح الذاتي للقضاء''.
آمنة الشرقي في تدويناتها أكدت أنّها تحس بالقلق ولا تدرك ماذا يحصل من حولها ولا تفهم مرّد هذا الحكم السالب للحرية والقاضي كذلك بتغريمها بألفي دينار، متسائلة "أين حرية التعبير والمعتقد والمرأة، أين حــقـي"، كما أنّها أصبحت ضحية لعمليات هرسلة وتهديد بالقتل والقصاص، بسبب التدوينة التي تمّ تأويلها على وجه الخطأ وباسم الدين. كما أنّ العديد من الجمعيات والمنظمات الوطنية عبّرت عن تضامنها معها وعبّروا عن رفضهم للهرسلة القضائية وكل محاولات تقييد الحريات المكفولة بالدستور وعبّروا عن تخوّفهم الشديد من استغلال مثل هذه القضايا لتكميم الأفواه والسيطرة على الفضاء الافتراضي والتحكم فيه بتعلّة حماية المقدّسات ما يعيد للأذهان تجارب محاكم التفتيش.
المدوّنة الشابة اعتبرت في تدويناتها أنّ قرار إيقافها يتنزّل في إطار ممنهج لضرب حرية التعبير والفكر والنشر وحرية الضمير والمعتقد في تونس، وهي عبارة عن تقويض لمبادئ الديمقراطية التي قامت من أجلها ثورة الحريّة والكرامة. وأشارت الشرقي أنّ مثل هذه الضغوطات والأحكام الظالمة لها دور في ضرب مجتمع تعددي ديمقراطي تضمن فيه الحقوق والحريات لجميع الناس مهما كانت اختلافاتهم. وأكّدت آمنة الشرقي في تدوينتها أنّها ستواصل الخوض في القضية لتنتصر للحريات الفردية ''على كل سنخوض هذه المعركة مرة أخرى بالقانون وسنواصل في الاستئناف''.
بعد سماعها لقرار سجنها بتعلّة الدعوة إلى الكراهية بين الأديان والأجناس والسكان وذلك بالتحريض على التمييز واستعمال الوسائل العدائية، تغيّرت حياة آمنة الشرقي وتحطّمت حالتها النفسية وزادت نقمتها على بلد لا تحترم فيه الحقوق والحريات وكتبت ''محبش يجيني النوم...نخمم في مصيري ..حياتي ... التوا توصلي ميساجات تهديد بالقتل والذبح من بارشا بلدان عربية ... مهددة بالسجن ... تنقيلة داري ... وضعي ... كيفاه باش يجيني النوم مبعد هذا ؟ كيفاه باش نرقد مرتاحة؟ صعيب .. تونس تقتل آمال واحلام الشباب و زدت تأكدت أكثر؟'' وتساءلت عن مصير المجرمين الذين يهدّدونها بالقتل بعد سجنها.
قضيّة آمنة الشرقي قدّمت صورة ظالمة وسيّئة عن تونس بعد ثورة الحرية والكرامة أمام كلّ الدول الأجنبية التي نشرت خبر إيقاف الشرقي، قرار يعود بتونس إلى ما قبل الثورة وإلى مربّع العنف والتكفير باسم الدين والإسلام وهذا ضرب خطير لحريّة التعبير وتعدّي جائر على الحريات حسب بتكيّيف القانون.
تعليقك
Commentaires