قضية الرقاب .. الشجرة التي تخفي الغابة

لم يكتف برنامج "الحقائق الأربع" الذي يبث على قناة الحوار التونسي بالكشف عن احداث المدرسة القرآنية بالرقابة بل ذهب الى ما ابعد من ذلك من خلال تعرية منظومة كاملة مهترئة ومليئة بالثغرات والنقائص .. منظومة عاجزة عن حماية أبنائها لتضعهم بين براثن المدمجة وسئل الأدمغة باسم الدين على طريقة طالبان.

اياد الدهماني، الناطق باسم الحكومة عبر عن صدمته إزاء ما كان يجري خلف جدران المدرسة القرآنية بالرقاب .. رغم ان مثل هذه المدرسة من المحاضن التابعة لجمعيات قرآنية منتشرة عبر كامل ربوع البلاد .. مدارس لا تخضع البتة للمناهج والبرامج المقررة من قبل وزارة التربية .. وهي مؤسسات تكاثر عددها بعد 2011 مع تضاعف عدد الجمعيات القرآنية وهي مدارس موجودة في مختلف المناطق بالعاصمة ونابل وسيدي بوزيد والحمامات وبني خيار والهوارية والمعمورة وتطاوين ومدنين .. يتم فيها اعتماد دروس "من نوع خاص" مع توفير المبيت للأطفال القصر وتلقينهم القران وتعاليم الدين دون غيرها، بعيدا عن المناهج التربوية الرسمية والتي تعاقبت على تعلمها أجيال واجيال.

وقد علم موقع "بزنس نيوز" من مصدر مطلع ان مصالح وزارة المرأة والطفولة وكذلك بعض مندوبي حماية الطفولة كانوا قاموا بما يتوجب عليهم فعله بالتحول نذ سنوات الى بعض رياض الأطفال والمدارس القرآنية حيث عاينوا العديد من التجاوزات وضمنوها في تقاريرهم وتوصياتهم في مختلف التقارير الصادرة منذ 2015 .. بعضها يخص المدرسة القرآنية بفوشانة .

تابع مصدرنا الذي طلب عدم الكشف عن هويته قائلا "في 2016 تلقينا شكاية ضد مدرسة شبيهة لمدرسة الرقاب، يؤمها أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاما تمت دمغجتهم كليا .. قمنا بعملنا الرقابي وأرسلنا ملفا مكتملا لرئيس الحكومة آنذاك .. لكن لا حياة لمن تنادي".

ولنا هنا ان نتساءل "لماذا لم تحرك الحكومة ولا وزارة شؤون المرأة والطفولة ساكنا منذ ذلك الوقت ؟ .. لماذا لم يقرر والي بن عروس التحرك الا اليوم ؟ يبدو لان عديد المسؤولين "كانوا متواطئين مع رياض الأطفال والمدارس القرآنية تلك"، حسب المصدر ذاته الذي أضاف ان وزارة المرأة عرفته في تلك الفترة مع    عديد المشاكل مع الولاة لدفعهم نحو اغلاق تلك المؤسسات الفوضوية وغير القانونية والحل انهم كانوا مجبرين بحكم القانون على احداث لجنة صلب الولاية مكلفة بمراقبة هذه المدارس القرانية ورياض الأطفال وسير عملها.

بعد حوالي ثلاث سنوات من إدانة نشاط المدرسة القرآنية بفوشانة، قرر والي بن عروس، عبد اللطيف الميساوي اخلاء مبيت هذه المؤسسة التي اعتبرها غير قانونية وهي تأوي أطفالا قصرا تقل أعمارهم عن 18 عاما من بينهم تسعة تتراوح أعمارهم بين 1 و16 سنة في ظروف إقامة لا تستجيب لادنى متطلبات السلامة الصحية .. وفي هذا الصدد تم الاذن بفتح تحقيق من قبل السلطات الأمنية وممثل حماية الطفولة.

لكن أين كان هؤلاء المسؤولون منذ 2016؟ التاريخ الذي تم فيه إحالة هذا الملف الى ولاية بن عروس حيث لم يغادر رفوفها.. مصدرنا ابلغنا بما هو أسوا من ذلك .. فمن بين أطفال مدرسة بفوشانة ببن عروس هناك من قضى سنتين بالسودان بداعي حفظ القران .. كما ان توأمين (فتى وفتاة) من سوسة عمرهما 9 سنوات غادرا ارض الوطن مرفوقين بزوجة احد المشايخ لكن بفضل تدخل مصالح الطفولة تم إيقافهم بمطار في موريتانيا حيث تم اعادتهم الى تونس.

أخطر ما في هذه القضية هو انه اما ان يكون العديدون متواطئين مع الكهلين أو أنهم لم يثبتوا حتى من هويتيهما باعتبار ان المصالح الأمنية والديوانية لم تتفطن لكون لك المرأة لم تكن ام الطفلين التوأمين.. وهنا يحق لنا التساؤل أيضا عن مكمن الخطا والتقصير في هذه المنظومة برمتها ؟ سيما وان مصالح وزارة المرأة والطفولة تقوم بعملها عل أكمل وجه من خلال زيارات المراقبة وتحرير التقارير في الغرض والإبلاغ عن التجاوزات المرصودة.

وفي هذا الصدد فان القانون الداخلي لاحدى رياض الأطفال التي تمت مراقبتها من قبل وزارة المرأة يفرض على المربيات والمديرة ارتداء "اللباس الديني" كما ينص على انه يمنع عل الأطفال ممارسة بعض الأنشطة الترفيهي والثقافية مثل المسرح والرقص والألعاب السحرية .. كما جاء في تقارير مصالح الوزارة ان المربيات لم يكن مؤهلات لتاطير الأطفال حتى انه تم العثور في احدى الخزانات على صور تشير الى الرسول والى الزواج..

في احدى رياض الأطفال الأخرى وجد المتفقدون في قاعة لتدريس أطفال لا تتجاوز أعمارهم 5 سنوات، جذاذات وأوراق تشير الى احاديث نبوية واذكار وعذاب القبر .. ال جانب مجموعة كتب حول تاريخ الأنبياء تتضمن بعض الرسومات الصامدة والعنيفة.

هذه المؤسسات غير القانونية والتي لا تمت للمدارس العمومية بصلة، تلقن الأطفال تصورات متطرفة لدى البعض للإسلام .. فأنت لن تجد في جدول أوقات بعض المدارس القرانية مواد العلوم والتاريخ والفن والجغرافيا بل جدول أوقات ينطلق مع صلاة الفجر ليتم تلقين الأطفال حفظ القران.

في تصريح لبزنس نيوز أفادت نزيهة العبيدي وزيرة شؤون المرأة والطفولة بانه تم غلق 209 فضاءات بقرار من السلط الجهوية، ملاحظا ان 36 فضاء من بين هذه الفضاءات تولت تسوية وضعياتها وان السلط المعنية قررت متابعة وضعية 140 فضاء اخر. كما أكدت ان مصالح وزارتها ومصالح التفقد البيداغوجي تتابع عن قرب هذه المؤسسات، داعية كل المواطنين الى التبليغ عن كل شكل من أشكال التجاوز قد ترتكب في حق الأطفال.

الملاحظ في هذه الملفات ان السلط المعنية لم تتحرك الا بعد مرور سنوات على تسجيل التجاوزات وهو ما ينسحب أيضا على سلك القضاء الذي لم يأذن بفتح تحقيق في تلك القضايا المتعلقة برياض الاطفال والمدارس القرآنية الا بعد انقضاء كل هذه السنين .. غير انه خلال كل هذه الفترة الفاصلة بين وقوع الأحداث والتجاوزات وتحرك السلط والقضاء فان الة صنع القنابل الموقوتة تشتغل .. سنوات تعرض فيها الاطفال الى ممارسات اقل ما يقال عنها انها غير إنسانية يصل بعضها الى حد الاغتصاب ..

بعد كل هذا تحركت السلط في مستوى اعلى هرم السلطة .. من ذلك ان رئيس الحكومة يوسف الشاهد اكد ان شكاوى رفعت ضد اكثر من 160 جمعية متواطئة في أنشطة غير قانونية وعلى العدالة اخذ المشعل وعدم التراخي .. عندما يتعلق الأمر بالأطفال لا يمكننا انتظار سنوات للنظر في القضايا ذات العلاقة فقط يجب تطبيق القانون حتى لا يتم التلاعب بمستقبل أبنائنا خاصة وان مدارس قرآنية مثل مدرسة الرقاب موجودة في أماكن أخرى في بلادنا.