من كسر قلب تونس ؟
منذ تأسيسه على عجل، وانطلاق الميركاتو الموسمي للانضمام الى أحزاب بغاية المشاركة تحت سقفها في التشريعيات، وحزب قلب تونس يشهد تصدعات داخلية بين قياديي الصفّ الأول القادمين من مشارب مختلفة، أدت بعد تراكمها سرا لأشهر الى استقالة 10 من نوابه في مجلس الشعب، ليتراجع بذلك الحزب الى 28 مقعدا فقط دون أن يبارح المرتبة الثالثة عدديا.
قد يبدو قلب تونس، الحزب الذي أسسه نبيل القروي لغاية واحدة وهي الوصول الى الحكم- خليفة لما سبقه من أحزاب جمعت شتات العائلة الواطنية ثم اندثرت مع أول اختبارات سياسية، مثل حزبي “نداء تونس” و”الاتحاد الوطني الحر”، وغيرهما من الأحزاب التي تبدأ بتكتلات انتخابية تجتمع فقط من أجل الوصول للحكم، وتنتهي بحرب تموقعات بين القياديين الذين يجمعون خلفهم مناصريهم وأصدقائهم ويشكلون معسكرات جانبية.
يبدو أن حاتم المليكي وعياض اللومي قد شرعا في هذا المسار الذي يعيد نفسه في كل الأحزاب الكبيرة، وانعكست خلافتهما الداخلية على مراة الاعلام الذي نقل حرب تصريحات بين الرجلين.
حاتم المليكي، أحد قياديي الواجهة في الحزب الفتي الذي بدأ يتصدع، كشف بعض اسرار البيت الداخلي لقلب تونس بانتقاد شديد لغياب الحوكمة والتسيير داخل الحزب و آليات اتخاذ القرار التي لا يوافق عليها في احالة الى ديكتاتورية جديدة يؤسسها نبيل القروي والقريبون منه في محاولة للسيطرة على الحزب ورسم خطه سياسي غير ثابت قد يتغير يبتعغير المعطيات من ساحة المعراضة الى ساحة المشاركة في الحكم ومن معارضة شديدة للحزب الاسلامي الى مرونة تصل الى حد "النفاق" السياسي مع الحركة التي تم تصويرها طيلة اشهر كعدو ايديولجي لقلب تونس الديمقراطي التقدمي المدافع عن دولة مدنية.
المليكي كان واضحا في عرضه لاسباب مغادرته الحزب الذي ساهم في تأسيسه، وهو رفضه للمواقف السياسية لحزب قلب تونس من الحكومة ورئاسة الجمهورية وعلاقته بالأطراف السياسية الأخرى وبالأساس تحيا تونس الذي لم يتردد القروي في شيطنته خلال الحملة الانتخابية ليلتقي لاحقا برئيسه يوسف الشاهد لـ"هدنة ما". المليكي شدد رفضه القاطع لمنهجية وشكل المعارضة الهدامة التي ينوي القروي والقريبون منه ممارستها في مشهد سلبي متوتر من البداية.
ساعات تفصل بين ماجاد به المليكي وبين الاجابات الواضحة التي قدمها له عياض اللومي. اللومي وصف رفيقه بالخائن واتهمه بأن استقالته المفاجئة "طعنة في الظهر" وممارسة لا أخلاقية. القيادي بالحزب لم يتردد في التشكيك في مصداقية وثيقة الاستقالة التي قدمها النواب، معلقا أنها من المحتمل ان تكون ممضاة من قبل شخص واحد لأن نفس الخط يعاد من اسم الى اخر. وشدد ان استقالة المليكي فيها مضرة لأنه رئيس الكتلة في المجلس وسيخلق ذلك فراغا على مستوى اجتماعات رؤساء الكتل، محتجا على الاستقالة التي كانت يجب على حد قوله ان تكون استقالة من المجلس وليس لتسجيل موقف سياسي يخاطر بمصلحة الحزب.
اللومي تابع في خطاب عاطفي متشنج، أن المليكي تسرع كثيرا، وكانت اللوم الذي قدنه موجها للمليكي رأسا دون التسعة من بقية زملائه المستقيلين وكأنه يستغرب الموقف وتوقيته الذي تلى تولي حكومة الياس الفخفاخ مهامها.
“تسرعت كثيرا وأتمنى ألا تكون الاستقالة قد تمّت تحت ضغط خارجي" هكذا توجه اللومي الى المليكي مباشرة وفق ما أوردته اذاعة اكسبراس، وتابع " ربما هناك أجندة لبعض القيادات، وهي تعلاّت واهية. لاحظت تغيّب حاتم المليكي عن المكتب السياسي، وهذا الغياب أصبح مزمنا، فهو لم يقم بواجبه كرئيس كتلة، وربما لديه أجندة. من يكتب استقالة لا يقدمها بالوكالة.. بل يستقيل بشرف وبرجولية، وليس هذا ما حلفنا عليه على القرآن من كون من يستقيل من الكتلة يستقيل من المجلس.. هذه الحركة -مهيش متاعنا-، توقعت من رضا شرف الدين أن يهدئ الأمر ويتحدث مع الناس وهو لديه الكلمة الفصل"
بين هذه التصريحات الثنائية، لعب محمد صادق جبنون الناطق الرسمي باسم الحزب دور وسطيا لا يرحب بالاستقالات ولكنه لا يخون اصحابها. جبنون دائما ما يرجع الامور الى الهيئة السياسية التي ستنظر في الاستقالات مؤكدا أن الحزب له هياكله رغم أنه حزب جديد ومن الطبيعي ان تحدث داخله اختلافات. كان تعيين ناطق رسمي، خطوة اتصالية ناجحة قام بها قلب تونس حتى لا يشوب مواقفه لبس، وكأنها خطوة استباقية لما حدث من تصريحات متضادة وتهجمات من ابناء الحزب الواحد. لا نعرف بعد نتيجة المكتب السياسي للحزب الذي لم يصدر بيانا الى الان رغم أن القروي اجتمع بالنواب المستقيلين وخاضوا نقاشا، لكنه من الواضح، أن بعض الاستقالات ليست سوى ورقات ضغط لتحسين شروط التفاوض، في تهديد ناعم ربما يفضي الى تعديلات في مواقف الحزب في الايام القادمة.
عبير قاسمي
تعليقك
Commentaires