قمة المناخ : رغم التعثر إعلان تاريخي لفائدة "الخسائر و الاضرار "
أسبوعين من المفاوضات و سبع و ثلاثين ساعة إضافية لموعد الاختتام الرسمي ، انتهى باعتراف تاريخي ، اعتراف بضرورة تقديم المساعدة المالية للدول الأكثر تأثرا من الأضرار المناخية . تم في النهاية الاتفاق على التعويض لل "الخسائر و الأضرار" ، و سيمول الصندوق مالحكومات الغنية من أجل إنقاذ وإعادة بناء المناطق الفقيرة التي عانت من تأثيرات التغيرات المناخية ، في المقابل فشلت الدول الـ 196 المشاركة في إيجاد توافق حول الوقود الأحفوري.
من شرم الشيخ المدينة الساحلية المصرية انطلقت مفاوضات المناخ يوم 6 نوفمبر 2022 ، مفاوضات اتسمت بطابع ملح و نبرة " مأساوية " نظرا للانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية على العالم وبصفة خاصة على الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل كبير في تلوث الكرة الأرضية لكنها الاكثر تأثرا بهذه التغيرات . على سبيل المثال تساهم أفريقيا بحوالي 4 في المائة فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم لكنها تعد القارة الأكثر تضررا . لهذا السبب يعد الاتفاق على تمويل " الخسائر و الاضرار " لفائدة الدول الأكثر تضررا نجاحا طالما انتظره العالم ، في انتظار الاتفاق بخصوص الوقود الأحفوري ، الذي لا يزال انتشاره يمثل خطرا على الكرة الارضية . فالوقود الأحفوري و هو طاقة غير متجددة يساهم بشكل كبير في زيادة درجات حرارة الغلاف الجوي . و يتسبب حرق البِترول والفحم ، وهما أبرز أنواع الوقود الأحفوري ، إلى إطلاق غازات ضارة مثل أول ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت ، و تؤدي هذه الغازات الى تلوث الهواء وتتفاعل مع الرطوبة في الغلاف الجوي فتتحول الأمطار إلى أمطار حمضية .
وأمام غياب التوافق بخصوص الوقود الأحفوري و بخصوص الانبعاثات العالمية ، يمكن القول أن الاتفاق بخصوص " الخسائر والأضرار " يعد استجابة لأعراض الأزمة البيئية و ليس لاسبابها نظرا لتعثر المفاوضات بخصوص أهم أسباب التلوث البيئي " الوقود الأحفوري " . و يبدو من الواضح اليوم أن الوصول الى هدف 1.5 درجة مئوية لارتفاع درجة الحرارة العالمية يبدو بعيد المنال . و يظهر ذلك من خلال تعثر المفاوضات ليلة السبت 19 نوفمبر 2022 ، و لو لم يتم الإعلان في وقت لاحق على إحداث صندوق الخسائر والأضرار لكان هذا المؤتمر خسارة فادحة ، لكن يبقى السؤال الان من سيقوم بتمويل صندوق الخسائر و الأضرار ؟ و كيف سيتم احتساب الخسائر ؟ ، يبدو من الصعب الاجابة على هذا السؤال خاصة بالنظر إلى تململ الدول المتقدمة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي وافقت على إحداث هذا الصندوق على مضض . و وجب التذكير في هذا السياق أنه و خلافا لتململ بعض الدول الملوثة ، التزمت دول أخرى على غرار اسكتلندا و الدنمارك بتمويل الخسائر النائحة عن التغيرات المناخية حتى قبل الاعلان عن احداث الصندوق ، حيث أعلنت اسكتلندا العام الماضي تخصيصها أكثر من مليون دولار لتمويل الخسائر والأضرار ، ثم أعلنت الدنمارك قبل انطلاق قمة المناخ بشرم الشيخ بشهر ، عن التزامها بمبلغ 13 مليون دولار لفائدة الدول النامية . و خلال انعقاد المؤتمر أعلنت ألمانيا عن تخصيص 170 مليون دولار للخسائر و الاضرار ، ثم أعلنت بلجيكا عن تخصيصها ل 2.5 مليون أورو لفائدة الموزنبيق التي عانت من اثار وخيمة العام الماضي نتيجة الامطار الغزيرة . أيضا أعلنت النمسا عن تخصيص 50 مليون دولار لتمويل الدول النامية المتضررة .
ولم يستجب البيان الختامي ل " كوب 27 " لطموح قمة غلاكسو لكبح انبعاثات الكربون الضارة وغازات الاحتباس الحراري . و تحدث ألوك شارما، وهو رئيس قمة المناخ العام الماضي ، عن معركة عاشها هذه السنة للحفاظ على الالتزامات التي تم التعهد بها في غلاسكو و لم يخفي قلقه من غياب الالتزامات و الإجراءات لخفض الانبعاثات العالمية بحلول سنة 2025 في البيان الختامي و الذي لم يختلف كثيرا عن بيان غلاسكو و اكتفى بالدعوة دون تقديم خطوات حقيقية " متابعة التخفيض التدريجي للفحم لم يرد في هذا النص الختامي و التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري لم يقع التنصيص عليه " وأضاف في تصريح اعلامي عقب انتهاء قمة المناخ بشرم الشيخ " صندوق الخسائر والأضرار ضروري ، لكنه يرقى إلى التخفيف بدلاً من الوقاية ، وهو ما يعادل شراء ملابس جديدة للجيران بعد مشاهدة منزلهم محترقًا - لأنك أسقطت عود ثقاب مضاء " .
أمين عام الأمم المتحدة ، أنطونيو غوتيريش ، أشار من جانبه الى خطوة هامة نحو العدالة المناخية و عن استعادة الثقة قائلا " اتخذ مؤتمر المناخ 27 خطوة هامة نحو العدالة. أرحب بقرار إنشاء صندوق الخسائر والأضرار وتفعيله في الفترة المقبلة. من الواضح أن هذا لن يكون كافياً ، لكنه إشارة سياسية نحن بحاجة إليها لإعادة بناء الثقة المكسورة " .
و اعتبر وزير الخارجية المصري و رئيس قمة المناخ بشرم الشيخ ، سامح شكري ، أن الاتفاق بخصوص " الخسائر و الاضرار " يعد اتفاقا تاريخيا من أجل تفعيل اتفاق باريس ، مؤكدا عزمه على تحويل التهديدات المناخية الى فرص .
و يبقى الوفاء بالالتزامات الامتحان الاصعب ، الدول النامية والفقيرة في حاجة ملحة الى التمويل من أجل التعامل مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية التي لم تساهم فيها بشكل كبير فيها ، ويجب الاشارة هنا أن التمويل لا يعد " امتيازا " بل " حقا " لهذه الدول . و قد يسمح هذا التمويل لهذه الدول بالاستثمار أكثر في الطاقة النظيفة ، و لعلها تكون حلا لفتح آفاق اقتصادية جديدة و حتى القضاء على معضلة البطالة التي تعاني منها هذه البلدان .
رباب علوي
تعليقك
Commentaires