نواب البرلمان يجب عليهم الإعتذار من الشعب التونسي أوّلا عوض مطالبتهم فرنسا بالإعتذار
برلمان تونس 2020، لا يُرجى منه شيء لصالح البلاد والشعب التونسي، هو عبارة عن خليط غير متجانس بين أحزاب معادية لبعضها البعض والكلّ يحاول التموقع أكثر من غيره وفرض سلطته وسيطرته. لا تمرّ جلسة عامّة أو إجتماع في هذا البرلمان الذي يرأسه رئيس الحركة الإسلامية راشد الغنوشي دون أن يُفحم النواب الشعب التونسي بعبارات شتمهم وثلبهم وقذفهم لبعضهم البعض لتنتهي الجلسات برفعها وتأجيلها.
نواب البرلمان الحالي لا يفقهون من عالم السياسة وتاريخ النضال السياسي سوى الصراخ والكلام الفضفاض، بعد فشلهم في العديد من المرات في تمرير مشاريع قوانين في صالح البلاد والشعب التونسي، أصبح كلّ حزب يتقدّم بما يُسمى لائحة لكي يُمرّر مشروع من المشاريع التي يُريدها على غرار الحزب الدستوري الحرّ والحزب الذي يزعم أنّه ثوري ومناضل إئتلاف الكرامة. العداوة والكراهيّة تعمّ مجلس نواب الشعب والكلّ ينتظر دوره في الكلمة ليهتك عرض الحزب المعادي والمخالف له إيديولوجيا وفكريا ويطمحون في نفس الوقت بتحقيق التوافق في ما بينهم لتمرير مشاريع قوانين لوائحهم.
بعد أن فشل الحزب الدستوري الحرّ في تمرير مشروع اللاّئحة التي تقدّم بها لرفض التدخل الخارجي في ليبيا، فشل كذلك إئتلاف الكرامة في تمرير لائحة تقدّموا بها لمطالبة الدولة الفرنسيّة بالاعتذار من الشعب التونسي عن جرائمها في حقبة الاستعمار المباشر وبعدها، طبقا لأحكام الفصل 141 من النظام الداخلي، خلال الجلسة العامّة التي عُقدت يوم أمس الثلاثاء 9 جوان 2020، ولم تحقق تلك اللائحة سوى 77 صوتا مع و 5 ضد و 46 محتفظ بعد أكثر من 15 ساعة من المداولات في الجلسة العامة، رغم إدخال تعديلات على نص اللائحة الأصلي.
الجلسة العامّة التي شهدها البرلمان يوم أمس الثلاثاء، كشفت الإنقسامات والإنتماءات المختلفة بين النواب الذي لا يفقهون شيئا في آليات النقاش والحوار البنّاء، تحوّلت الجلسة من محاسبة لفرنسا على ما اقترفته من جرائم في تونس إلى سبّ وشتم للشهداء وإلقاء التّهم على الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وكانت تلك النقطة التي أفاضت كأس الكراهيّة بين النواب ليتحوّل البرلمان إلى حلبة صراع بين النخبة الذين انتخبهم الشعب التونسي على أمل أنّ يتمكّنوا من حلّ مشاكلهم الإقتصادية والإجتماعيّة، ولكنّ الخيبة الكبرى كانت في وجود 80 بالمائة من النواب لا يملكون تجربة في الساحة السياسيّة ولا حتى في النضال من أجل الديمقراطيّة والدفاع عن قيم الثورة التي أزهقت فيها أرواح أبرياء من أجل تحرير الوطن من عبوديّة الغطرسة والأنانيّة.
رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي في مداخلتها لم تتأخّر كعادتها في النيْل من الحركة الإسلامية ورئيسها ورئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي لم يكن حاضرا في الجلسة الصباحيّة، واعتبرت أنّه تعمّد الهروب من الجلسة لتُقاطعها النائبة الأولى سميرة الشواشي وتقطع عنها الكلمة لتخبرها أنّ ''رئاسة المجلس متمثّلة في شخصها المتواضع'' وتابعت موسي قائلة ''اليوم راشد الغنوشي هرب من هذه الجلسة''. وللردّ على موسي، أخذ النائب عن حركة النهضة عماد الخميري الكلمة واتّهمها بالتهريج وتعمّدها ترذيل العمل البرلماني والكذب على النهضة وتوجّه لها قائلا ''نعرف إلّي عندك عقدة من الهروب ونعرف إلّي عندك عقدة ترقى إلى الفوبيا ولكنّ النهضة بنسائها ورجالها قاوموا أسيادك وبطشك ودكتاتوريتك''، وانقلب البرلمان إلى صراع وشتم وسبّ بين نواب الكتلتيْن.
وما إن أخذ النائب المستقيل من ائتلاف الكرامة راشد الخياري الكلمة في الحصّة المسائيّة للجلسة وتعمّد اتّهام الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بالعمالة لدى الدولة الفرنسيّة قائلا ''الدول الإستعماريّة لا تُكرّم إلاّ عملائها''، شهد البرلمان حالة إحتقان من النواب على غرار نواب قلب تونس وعلى رأسهم رئيس الكتلة أسامة الخليفي الذي طالب الخياري بالإعتذار قائلا''إذا كانت ستصبح هذه الجلسة اتهامات لزعماء الدولة الوطنيّة ورموزها مثل الزعيم الحبيب بورقيبة إليّ إشرفك وإعرفك سيّد النائب ''المقصود راشد الخياري'' فإننا نعتبر هذا إنحراف بالجلسة ونطالب بالإعتذار لأنّ هذا النائب هو موجود في البرلمان اليوم بفضل الزعيم الحبيب بورقيبة وفي دولة بناها الحبيب بورقيبة''. كما استنكر رئيس كتلة الاصلاح بمجلس نواب الشعب حسونة الناصفي، اتهام الخياري للحبيب بورقيبة بالعمالة وأشار قائلا '' مهما فعل هو وأمثاله لن يستطيع أن يمحي تاريخ الكون..نضالات الحبيب بورقيبة المجاهد الأكبر وأوّل رئيس للجمهوريّة التونسيّة'' وأكّد أنّ الجلسة لن تستمر إلاّ إذا تقدّم راشد الخياري بالإعتذار قائلا '' يا إما يعتذر عن الكلمة الي قالها ويسحبها ويتقرّر سحبها من مداولات مجلس نواب الشعب وإلا لن تكون هناك جلسة ولن تتواصل بقية الجلسات العامة لمجلس نواب الشعب''.
عبير موسي رئيسة كتلة الدستوري الحرّ التي تتعمّد تزيّين المقاعد المخصّصة لحزبها بصور الزعيم بورقيبة لم تتوان في الردّ على الخياري ودعته إلى الإعتذار قائلة ''لا أحد يحقّ له سبّ الزعيم بورقيبة'' واتّهمت الغنوشي الذي اعتبر أنّه لم يسمع اتهام الخياري، بتصفية حساباته الشخصيّة قائلة له ''اليوم الإستعطاف ومافيباليش وماسمعتش لا تنطلي علينا .. احنا كلنا حاضرين..وجودك على رأس البرلمان إذا تتصوّر إنو هذا باش إخليك اتصفّي حساباتك مع الزعيم بورقيبة فأنت مخطأ وإنّ أيّ إهانة للزعيم بورقيبة إنت مسؤول عليها''، في الأثناء سحب منها الغنوشي الكلمة قائلا ''هذا خارج الموضوع وإلتزمي بالوقت وبالموضوع''. وحين استعادت الكلمة، أكّدت موسي على ضرورة أن يعتذر الخياري وأن تُسحب الكلمة ولا تدوّن في مداولات الجلسة. في حين إعترف النائب عن الكتلة الديمقراطية سالم الابيض بأنّ ما يحصل في البرلمان هو مهزلة وطالب رئيس الجلسة الغنوشي برفعها وإيقافها قائلا '' يجب أن توقف الجلسة حالا لكي لا تتحوّل إلى مهزلة أخرى تُضاف إلى مجمل المهازل التي جعلت من هذا المجلس ليس مسرحا لأنّ المسرح على درجة عالية من القيم وإنّما محلّ للفوضى الكبيرة ولا نقبل أن يتحوّل هذا المجلس إلى سُباب وشتام منحرف عن ما هو مطلوب منا..يجب عليك سيّد الرئيس أن تتحمل المسؤوليّة''.
ولفضّ النزاع بين النواب الذين يمتهنون السبّ والشتم فقط، تدخّل الغنوشي قائلا '' ما نعملوش عركة على خاطر الأموات'' ورفع الجلسة. عماد دغيج القيادي في ائتلاف الكرامة، عبّر عن غضبه بسبب إسقاط اللاّئحة وتوجّه لكلّ من حركة النهضة وقلب تونس وعبير موسي بأشدّ عبارات السبّ والشتم واتّهمهم بالعمالة ووصف البرلمان بمجلس الخراب ومجلس العملاء والخونة، وتوجّه لهم قائلا '' قولوها صراحة أنّكم لم تصوّتوا على اللاّئحة خوفا من فرنسا يا عملاء...كلكم منافقين وكذّابين عبير موسي وقلب تونس وحركة النهضة''، وأفاد أنّ تونس لا تزال مستعمرة فرنسيّة عن طريق النهضة وقلب تونس وعبير موسي، وتوعّدهم بالحساب قائلا ''الحساب تحت التوتة وسوف تشهدون ماذا سيفعل رجال ائتلاف الكرامة''.
ما نقلناه لكم هو القليل من المهازل الكثيرة التي أصبح البرلمان عليها اليوم نظرا لضعف دراية النواب بما يجب الخوض فيه من أجل إيجاد حلول للبلاد وللشعب التونسي. الرّأي العام التونسي انتقد بقوة المستوى المتدني للنواب، واعتبروا أنّ لائحة مطالبة فرنسا بالإعتذار من تونس هي شغل من لا شغل له، لأنّ هناك أولويات كبرى في البلاد يجب مناقشتها وقضايا حارقة يجب السعي لإيجاد حلول لها على المستوى الإقتصادي والإجتماعي خاصّة بعد تداعيات جائحة كورونا.
النواب الذين يريدون مطالبة فرنسا بالإعتذار من تونس عن الجرائم التي ارتكبتها في حقبة الإستعمار، وهم لا يُتقنون أساليب الحوار ولا يفقهون في أصول العمل السياسي والبرلماني وهاجسهم الوحيد السلطة والتموقع في الكراسي، وجب عليهم الإعتذار من الشعب التونسي على المهازل التي قاموا بها على مرأى ومسمع الجميع في الجلسات العامة والتي طغى عليها المستوى المتدني لهم بعد أن منحهم الشعب الثقة وانتخبهم للدفاع عن قضاياهم الحارقة.
تعليقك
Commentaires