لماذا يجب التعاطف مع عبير موسي؟ و لماذا يجب الحذر منها و اعتبارها خطيرة؟
ترتفع أسهمها في استطلاعات الرأي، تكسب تعاطف الرأي العام معها، تجيد التعامل مع الملفات التي تتناولها، لا تخجل و لا تخاف من أحد، خصوصا الإسلاميون الذين تعتبرهم إرهابيين و تكشف تورطهم بالملفات و الأدلة و الحجج، وهي بلا شك النجم السياسي خلال المرحلة الأخيرة، سواء أحببتها أو كرهتها فهي تفرض نفسها على الساحة السياسية كموضوع أول للتناول.
التعامل مع عبير موسي كموضوع في غرفة التحرير أو الأخبار أصبح حساسا للغاية، و أكثر حساسية في مجالس الأحزاب و الكتل البرلمانية التي لم تعد تعرف، و لم تعرف أصلا، ان كانت سترد على استفزازاتها أو تساندها أو تناصبها العداء، فان قلت أنها لبؤة (وهي كذلك فعلا) فستصبح امتدادا للنظام القديم و شريكا للدكتاتورية و ان قلت أنها خطرة ( وهي كذلك فعلا) فستصبح شريكا للإسلاميين و حتى إرهابيا شريكا .
من الواضح فعلا أن الحسم في ملف عبير موسي ليس بالأمر الهين، لأنك ستخاطر في الحالتين بحكم متسرع قد يجانب الصواب، و قد تجد نفسك على وشك كتابة تعليق من نوع أنا لا أساند عبير موسي أو لا أحبها في تعليق عل أحد الحقائق أو الأحداث التي لا تعد ولا تحصى والتي هي ضحية لها.
- لماذا عبير الموسى "لبؤة"
اعتمادا على الأحداث التي وقعت على أرضا الواقع، فقط على الحقائق، عبير موسي كانت الوحيدة تقريبا التي واجهت مدعي الثورة العائدين من الخارج للركوب على أحداث 14 جانفي و نسج قصص عن بطولات و رواياتها و الحصول على تعويضات مختلفة سواء أموال أو مناصب أو غيرها من المكاسب.
تعرضت لاعتداء جسدي داخل المحكمة خلال جلسة حل التجمع الدستوري الديمقراطي و تم تعليق عضويتها من جدول المحامين لمجرد أنها كانت تدافع على قناعتها الشخصية و تساند النظام القديم، و تدافع على حزب التجمع الدستوري الديمقراطي و عن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي و هو ما يكفي بالنسبة لمعارضيها و منتقديها لتصنيفها مدى الحياة عدوا للديمقراطية و رمزا من رموز الديكتاتورية، حيث أنها كانت الوحيدة التي امتلكت الشجاعة للتصريح بموقفها و التعبير بصوت عال على ما فكرت فيه الأغلبية بصمت.
معادية لحزب النهضة الإسلامي، وهي تصيح بصوت عال وواضح وتتحمل مسؤولية كل كلماتها عندما يصمت الآخرون أو يكتفون في أحسن الحالات بسب النهضة و قيادييها في الزوايا المظلمة و الهرولة لمصافحتهم و التقرب منهم اذا تقابلوا في أحد الاحتفالات أو المناسبات العامة.
في الأيام الأخيرة، كانت في اعتصام بمجلس نواب الشعب، و سيقول البعض أنه لم يعد قادرا على عد اعتصاماتها أو إحصائها، و مع ذلك يجب الاعتراف بمشروعية هذه الاعتصامات، فهي لم تجد أسلوبا أخر أو طريقة أخرى للوقوف في وجه حركة النهضة و تجاوزات رئيسها راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب أيضا و تجاوزاته المتكررة و الفضائح التي يرتكبها و الاعتداء الصارخ على هيبة الدولة و هيبة مجلس النواب و إقحامه في مهاترات هو في غنى عنها.
أخر الاعتداءات على هيبة الدولة و هيبة مجلس نواب الشعب، و هو السبب الذي بررت به عبير موسي اعتصامها الأخير، الدخول القسري لمجلس نواب الشعب من قبل عضو مؤسس لائتلاف الكرامة مصنف على أساس كونه عنصرا خطيرا من قبل قوات الأمن.
عبير موسي اعتبرت انه من المهين و من غير المقبول أن تسمح رئاسة المجلس لشخص مصنف و من المحتمل أن يكون إرهابيا بالدخول إلى مؤسسة حكومية سيادية حيث أنه من الممكن أن يرتكب أعمالا إرهابية قد لا يمكن إصلاح عواقبها، و عندما فشلت في العثور على نواب شجعان لمساندتها و دعمها تم دفعها قسرا إلى أقصى ما يمكنها القيام به تقريبا، أي الاعتصام
أمس الاثنين، 20 جويلية 2020، حلقة جديدة في ترذيل الدولة و مؤسساتها، حيث دخل مدير الشرطة العدلية إلى قلب البرلمان ليتحدث مع عبير موسي عن قضيتين قدمهما في حقها رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي و مدير ديوانه الحبيب خذر، الجدير بالذكر ان ممثل الشرطة العدلية لم يكن بحوزته تفويض قضائي، و بالتالي لم يكن من حقه حتى الدخول الى بهو المجلس و ليس الى قاعة الجلسات العامة المخصصة ككل ديمقراطيات العالم للنواب فقط دون غيرهم .
ممثل الشرطة العدلية كان مصحوبا بمصور فيديو و بمساعد كانوا يسجلون ما يحدث داخل القاعة دون علم النواب، و الحال انه في حال وجود شكوى يجب على الشرطة العدلية أو ممثل النيابة العمومية الاستماع أولا إلى صاحب الشكوى و هو ما لم يتم في قضية الحال حيث لم يتم الاستماع إلى الغنوشي أو خذر أو على الأقل لم نسمع أنه تم الاستماع إليهما، كما ان عبير موسي تقدمت منذ اسابيع بقضية بخصوص الاعتداءات التي تعرضت إليها و لم يتم سماعها أو استدعائها ، كيف يمكننا إذن تفسير أن الشرطة القضائية تتفاعل على الفور مع شكاوى الإسلاميين في حين أنها تهمل الاستماع او التجاوب مع نائب حزب الدستوري الحر وتنتهك الكثير من القوانين؟ و هل يمكن تصنيف عبير موسي في خانة الفوضويين و ادعاء أنها تمنع المسار الطبيعي لعمل مجلس نواب الشعب فقط لأنها نددت بصوت عال و رفضت هذه الممارسات و السوابق الخطيرة التي من شأنها أن تدمر مسار الديمقراطية؟
و في نفس السياق لا يجب أن ننسى أن ما منع التمشي السلس لأعمال المجلس منذ البداية في الحقيقة كان تعمد الغنوشي و خذر استخدام سلطتهم بشكل سيء و اعتمادهم على سياسة الكيل بمكيالين لمكافئة المقربين منهم و معاقبة (سياسيا) خصومهم و ما تعمدهم السماح لمصنف خطير بالدخول الى مجلس نواب الشعب فقط لكونه من المقربين للائتلاف الكرامة الا حلقة من حلقات كثيرة لهذه التجاوزات و الانتهاكات.
هناك نقطة أخيرة تجعل عبير الموسى تكسب تعاطف الجمهور، وهي أنها لا تحظى بدعم أي طرف سياسي، فكل الأطراف تنأى بنفسها، في حين أن ما تندد به وما تدافع عنه موسي يهمهم جميعًا.
و رغم تصريح أحد قيادي حزب تحيا تونس بأن ممثلين عن الحزب ذهبا لدعمها و مقابلتها خلال اعتصامها، الا أننا نعلم أن الإعلان عن المساندة و الدعم يجب ان يكون من خلال البيانات و التصريحات الرسمية لقيادات الحزب و ليس في المكاتب المغلقة و بين سطور الكلمات المخفية حيث يؤكد أغلبة الأحزاب في حديثهم الجانبي أن ما تفعله عبير موسي لا يمكن دعمه دون المخاطرة بالتعرض للعقاب من قبل ناخبيهم متجاهلين أن هذا الصمت قد يتسبب في معاقبتهم أكثر.
- لماذا عبير موسي خطيرة
عبير موسي و هذا ليس سرا و لا يخفى على أحد تقريبا، قد تسبب بما تفعله على المدى الطويل في إحداث انقسامات في المجتمع التونسي و هذا خطر قد يؤدي على المدى الطويل إلى" لبننة تونس".
بالنسبة لعبير موسي، مجرد أنك تدافع على الحزب الإسلامي و حقه في الوجود و ممارسة العمل السياسي يجعلك مناهضا للبورقيبية و معاديا للحداثة من منطلق أما أبيض أو اسود، أن تكون في صفها و في صف الحداثة و الديمقراطية و مناصرا للقيم البورقيبة، أو أن تكون في صف الإسلاميين و عدوا للديمقراطية و عدوا لتونس و يجب التشهير بك و اعتبارك خطرا على الديمقراطية، و هي سياسة لا يمكن القبول لها و تمثل خطرا كبيرا على الديمقراطية و حق الاختلاف، فحركة النهضة شئنا أم أبينا جزء من هذا المشهد و تم انتخابها في انتخابات تعتبر ديمقراطية و عبير موسي تشكك أيضا في هذه الانتخابات (باعتماد حجج قد تكون صحيحة) و هذا أمر خطير أيضا.
تقول عبير موسي بصراحة أن هدفها السياسي الأول هو إبعاد الإسلاميين عن السلطة وإعادتهم إلى السجن، تماشيا مع سياسات بورقيبة وبن علي، و القول بأن استبعاد مجموعة تمثل 750.000 ناخب (النهضة وكرامة) بوسائل أخرى غير صناديق الاقتراع أمر خطير للغاية، و لا يمكن ان نجد له اسما او توصيفا غير انه أمر فاشي ، فهؤلاء الناخبون تونسيون، و حتى إن كانوا يعتبرون أنفسهم إسلاميين في المقام الأول و تونسيون في المقام الثاني، و حتى ان كانوا يعتبرون أنفسهم ينتمون إلى الاتحاد الإسلامي و إلى الأمة المسلمة بدل الانتماء إلى الدولة التونسية و الهوية التونسية فهذا لا يسمح لعبير موسي بمنعهم من حقهم في ممارسة معتقداتهم او السعي إلى إدخالهم للسجن بسبب الاختلاف معهم في طريقة التفكير، فهذا خطر حقيقي على البلد و على المجتمع.
كانت عبير موسي ضحية منذ سنة 2011 و خاصة بعد صعودها الغير منتظر بعد انتخابات 2019، لهجمات الإسلاميين المتكررة و هذا أمر لا يمكننا إنكاره، كما لا يمكننا أيضا إنكار انها ذهبت بعيدا في أسلوبها الذي اتخذته للدفاع عن حقها فمنع عمل مجلس نواب الشعب و زيادة نسق الاعتصام و إعطاء الجمهور صورة سيئة للغاية عن المجلس و ترذيل العمل النيابي ليس الطريقة الصحيحة لإثبات الحق أو افتكاكه.
بقطع النظر عن نتائج ما تقوم به موسي و صعودها الصاروخي في نتائج سبر الاراء، ماذا لو وضعنا جانبا عداوتنا الايدولوجية للإسلاميين، كما قالت رئيسة تحرير بزنس نيوز و كاتبة العمود فيها إخلاص لطيف، ماذا كنا سنرى؟
هل كنا سنقبل مثلا أن يوقف نور الدين البحيري أو سيف الدين مخلوف عمل المجلس و الاعتصام في قاعة الجلسات العامة و تشويه صورة العمل النيابي للدفاع عن أحد حقوقهم و لو كان شرعيا؟
و ما يثير القلق أيضا في الشعبوية التي تقوم بها عبير موسي هو انه يولد شعبية، حيث يزداد عدد الحداثيين و الديمقراطيين المتعاطفين مع عبير موسي إلى درجة التصويت لها لو تم إجراء انتخابات تشريعية غدا و هذا هو الخطير في الموضوع فعبير موسي ليست حداثية و لا ديمقراطية و عديد المواقف التي عبرت عنها و منها موقفها في مسألة المساواة في الميراث تثبت انها ليست الا وجها أخر لنفس العملة مع الإسلاميين.
ما يمكن اعتباره خطرا أيضا، هو أنها كانت دائما تعرب عن ولائها للنظام القديم دون أن تنتقد عيوبه، و يمكننا بوضوح شديد أن نرى ردود أفعال هذا النظام و مناصريه كلما كتب أحد الصحفيين أو النقاد نصا ينتقد عبير موسي، فهو يتعرض الى وابل من التهديدات و الشتائم، تماما كالتي يتعرض لها إذا انتقد المتطرفين الإسلاميين أو جدار الصد التابع لهم، ائتلاف الكرامة، فيجب على المرء ان يتسلح بقدر كبير من الشجاعة و رباطة الجأش قبل التفكير في انتقادهم، لأن هذه الأحزاب لا تتحمل النقد.
نزار البهلول (مترجم عن النص الأصلي باللغة الفرنسية)
تعليقك
Commentaires