منظمات و جمعيات المجتمع المدني يدعمون جهود الدولة في الحرب على فيروس كورونا
تعيش تونس مثل كل دول العالم تحت وطأة الخوف و الوقاية و التوقي من فيروس كوفيد 19 الذي يتميز بكونه فيروسا عابرا للقارات و بسرعة انتشاره و انتقال العدوى بين المواطنين مما دفع بالدولة إلى اتخاذ العديد من الإجراءات و من بينها العزل الصحي الشامل و حظر التجول و دعوة المواطنين إلى الالتزام بعدم مغادرة منازلهم إلا للضرورة القصوى و غيرها من الإجراءات الاجتماعية لتخفيف حدة الأضرار الاقتصادية التي سيخلفها الفيروس.
مجهود الدولة مهما بلغ مداه و في ظل الإمكانيات المحدودة لن يكون كافيا لوحده و هو ما دفع المنظمات و الجمعيات و مختلف عناصر المدني و حتى الأفراد للتحرك و شد عضد الدولة و التدخل كل من جانبه و في اختصاصه وهو ما جعلنا نشاهد لوحات من العزف على أوتار الوعي المجتمعي التي تجعل تونس دائما في مصاف الدولة الصانعة للتاريخ و الكاتبة لأسطره بأنامل من ذهب، وقد تجلى ذلك في العديد من المناسبات السابقة و هذه الأيام.
وزارة الصحة وضعت على ذمة الراغبين في دعم جهودها حسابا تحت رقم 1818 للتبرع و هو ما حدث حيث نظمت مؤسستي الإذاعة و التلفزة يوما للتبرع بثته الوطنية الأولى مباشرة و على امتداد يوم كامل من البث المباشر تطوع لتقديمها و تنشيطها مجموعة من أبرز الوجوه الإعلامية في تونس مثل حمزة البلومي و مراد الزغيدي و شاكر بسباس و عفاف الغربي و ألفة الوسلاتي و غيرهم و شاهدنا خلاله موجة من الدعم و التبرع من وجوه المجتمع المدني و الشخصيات العامة من رياضيين و فنانين و ممثلين و مؤسسات اقتصادية و رجال أعمال و بلغ مبلغ التبرع أكثر من 27 مليون دينار من المليمات التونسية وضع تحت ذمة الوزارة لدعم جهودها في محاربة الفيروس و اقتناء ما ينقصها من تجهيزات.
موجة الوعي و المساندة انخرط فيها الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي حيث عبروا عن رغبتهم في التطوع للعمل والمساعدة في مقاومة انتشار الفيروس، على غرار العمل في مركز النداء “190” لاستقبال مكالمات التبليغ عن الاشتباه بإصابات بالفيروس، أو التطوع للإيصال جرايات المتقاعدين من البريد إلى منازلهم باعتبارهم أكثر فئة عمرية مهددة بهذا الفيروس. كما برزت عديد المبادرات الشبابية للحد من الاكتظاظ في الأماكن العامة أو المساهمة في الحملات التحسيسية للوقاية من خطر انتشار الفيروس و شاهدنا في كل المعتمديات تقريبا و دون استثناء حملات من التوعية و الانخراط في مجهود الدولة لتحسيس المواطنين بخطورة الوضع و إمكانية تطوره إلى ما لا يحمد عقباه في صورة عدم الالتزام بالبقاء في المنازل و تجنب الاكتظاظ.
هذه المبادرات لم تكن مجرّد تدوينات عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط أو ومضات تحسيسية من خلال فيديوهات يتم نشرها على صفحات الفايسبوك، حيث انخرط عدد محترم من الشباب فعلًا في بعض الأعمال و الأنشطة اليومية على الميدان لمساعدة الناس على قضاء حوائجهم بعيدًا عن التزاحم والتعرّض لخطر الإصابة بالعدوى حيث اختار بعض الشباب تنظيم صفوف المواطنين أمام الفضاءات التجارية الكبرى و الصيدليات و المخابز وغيرها من الفضاءات التي تشهد يوميا إقبالًا كبيرًا من قبل المواطنين للتزود بحاجياتهم حيث تشاهد بعض الشباب يحملون كمامات و مواد مطهرة يوزعونها على المواطنين لتجنب انتقال العدوى.
بعض معامل الخياطة انطلق في صناعة عدد من الكمامات الطبية و توزيعها مجانا على الأطباء و المواطنين على حد السواء و فتح أبوابه أما من يريد التبرع بالقماش اللازم لصناعة الكمامات و توزيعها في مختلف أنحاء الجمهورية لتعويض نقص الكمامات الطبية في الصيدليات و قطع الطريق أما المضاربين و المحتكرين بعد الارتفاع الجنوني لأسعار الكمامات و فقدانها من الصيدليات.
الكشافة التونسية ضربت موعدا مع الحدث و سجلت حضورها عبر استعداد منخرطيها و قيادييها للتطوع في دعم مجهود الدولة على غرار القائد صابر الدبار عن فوج الصخيرة الذي تطوع رفقة كامل الفوج لتقديم المساعدة وتوزيع الحاجيات على المواطنين الموضوعين في الحجر الصحي من أكل وشرب وغيره من المتطلبات و تنظيم حملة لتعقيم المنشئات الدينية و محطة القطار و غيرها من الفضاءات التي تشهد إقبالا من المواطنين كما شاهدنا العديد من المنتمين لفرق الكشافة في مختلف الجهات يتقدم للتطوع و وضع نفسه على ذمة الدولة و الانخراط في حملات التوعية و جمع التبرعات و القيام بعمليات التنظيف والتعقيم في عدّة أماكن إضافة لمجهود تنظيم المواطنين خلال التوافد على المحلات التجارية وغيرها.
الهلال الأحمر التونسي الذي يُعتبر الجيش الثاني للحماية المدنية، وجنود الخفاء خلال الأزمات ، قام بتعزيز سيارات الإسعاف و الحماية المدنية ومتطوعوه يملكون من الخبرة و من التدريب ما يكفي للتصرف في الأزمات والإغاثة والإسعاف و التدخل في الحوادث و الإصابات و غيرها بما يسمح للحماية المدنية و Samu بتكريس وتركيز طاقة أكبر للاستجابة لحالات الإصابة بالكورونا كما قاموا بتوفير الرصيد البشري الكافي من المتطوعين في مراكز الاستجابة و النداء الهاتفية و الأرقام الخضراء الخاصة بالكورونا.
تونس تتمتع بموقع جغرافي متميز و مناخ معتدل و شعب واعي بقدرته على رسم التفاصيل الدقيقة للتاريخ و نسج اسمه بالبنط العريض تحت عنوان المجتمع الذي صنع الفارق في الأزمات و هي مميزات سمحت لبلد تجاوزت حضارته الثمانية ألاف سنة أن يبقى دائما عنوانا للتميز و جزءا من الصفحة الأولى في الصحافة العالمي.
و لا أستطيع أن أنهي كتابة هذه الأسطر دون تقديم التحية و التقدير و الاحترام لجنود الخفاء أطباء تونس الذين يعملون في أصعب الظروف و في غياب أبسط ضروريات السلامة و كذلك قوات الأمن التي تعمل على فرض تطبيق القانون و حماية سلامة المواطن أيضا في غياب أبسط متطلبات السلامة.
حسام بن أحمد
تعليقك
Commentaires