كيف ينجح الارهاب في الاستقطاب و التجنيد ؟
عند حدوث أي عملية إرهابية في أي مكان من العالم تتجه الأنظار مباشرة إلى منفذ العلمية وتنطلق حينها التساؤلات والتحقيقات حول دوافعه وقد يستغرب البعض من صغر سن منفذ العملية ومحدودية خبرته في الحياة وتُطرح أسئلة كثيرة عن من يقف وراءه. توجد تعريفات عديدة لظاهرة الإرهاب وتتعدد أيضا الوسائل التي يتم بها استقطاب الأفراد و العوامل المؤدية لهذا الفعل الإجرامي ويمكننا في هذا الإطار اعتماد تعريف الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والتي عرفت الإرهاب على أنّه '' كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيًّا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذ لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر ".
80 بالمائة من الأفراد يتم تجنيدهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي
تعتمد التنظيمات الإرهابية على شبكة الانترنيت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ليس لنشر أفكارها فحسب بل لإستقطاب وتجنيد الشباب، فتشن هذه الجماعات الإرهابية حربا نفسية من جهة وتجند أفرادا لصالحها من جهة أخرى فالمعركة لم تعد ميدانية فقط بل تحولت إلى معركة إلكترونية نفسية يسعى من خلالها الإرهابيون إلى التأثير وبث الرعب والخوف في صفوف المواطنين لإستدراجهم وضمهم إلى صفوفهم .
أبرز مثال على هذا هي الحرب النفسية التي اعتمدت وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لها فالتنظيم الإرهابي ''داعش'' مثلا اعتمد على الفيديوهات والصور منذ سنة 2013 للترويج لأفكاره وبث بطولاته الوهمية لإيهام الأفراد بقوته وسيطرته ومن ثم تجنيد المتعاطفين لصالحهم. ويلاحظ المتأمل في هذه الفيديوهات استخدام التنظيم الإرهابي لتقنيات تصوير وتركيب بحرفية عالية والهدف منها بالأساس هو التأثير وبث صور بطولية وملحمية وهي رسائل تحريضية غير مباشرة.
يحتاج أي تنظيم إرهابي إلى تجنيد فئات جديدة لصالحه وفي حاجة أيضا لوسائل جديدة للإستقطاب لهذا السبب اعتمدت التنظيمات الإرهابية على شبكة الانترنيت، و رغم تحريمها استخدام منتوجات "الآخر الكافر" حسب تعبيرهم إلا أنّ مواقع كالفايسبوك و التويتر لا تندرج في اطار قائمات المحرمات بل أصبحت "مواقع حلال" و كما قال المفكر الإيطالي نيكولو مكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" حتى و إن كانت هذه الوسيلة تتعامل بشكل مباشر مع خصومهم . فمثلا وفي الوقت الذي تتشدق فيه الجماعات الإرهابية بدفاعها عن القضية الفلسطينية مستخدمة موقع فايسبوك، أعلنت وزارة القضاء الإسرائيلية سنة 2017 أنّ إدارة فايسبوك قامت بالاستجابة ل 85 بالمائة من طلبات إسرائيل لحظر وتقديم بيانات خاصة بالمدافعين عن القضية الفلسطينية على الموقع، ألم تعلم هذه الجماعات الإرهابية انها تخدم خصوهما باستخدامها هذه المواقع ؟
لوسائل التواصل الاجتماعي إيجابيات عديدة حيث مكنت من تسريع وتسهيل التواصل بين المستخدمين ومكنت أيضا من خلق مواطن شغل فأصحبت هذه المواقع أداة للتسويق والتجارة إلاّ أنها وفي نفس الوقت تحولت إلى وسيلة للترويج والدعاية للجماعات الإرهابية وسهلت عملية استقطاب الأفراد وعملية غسيل الدماغ وهو ما أكده وزير الداخلية الإسباني السابق خورخى فيرنانيث سنة 2016 والذي أفاد أنّ 80 بالمائة من الافراد يتم تجنيدهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي و يتم تجنيد 20 بالمائة فقط عن طريق السجون والمساجد.
الفقر والبطالة أدوات للإستقطاب
من أهم الأسباب التي تؤدي بالشباب إلى التطرف هي البطالة والفقر فتستغل الجماعات الإرهابية حالة الفراغ لتقدم بديلا وتقوم بإشباع رغبات المجند المادية والنفسية وهنا يكمن النقص والدور الضعيف للدولة، إذ تستغل هذه الجماعات غياب الدولة لتحل محلها وتقدم حلولا لهؤلاء مقابل القيام بعمليات إرهابية ويمكن القول أيضا أنّ الانقطاع عن الدراسة هو أيضا عامل إضافي يسهّل استقطاب الشباب خاصة. فمنفذ عملية نيس الأخيرة إبراهيم العيساوي هو شاب يبلغ من العمر 21 عاما انقطع مبكرا عن الدراسة واشتغل في بيع الوقود العشوائي ثم هاجر بطريقة غير نظامية إلى إيطاليا ومن ثم فرنسا لتنفيذ عمله الارهابي. الجماعات الإرهابية اذا استغلت وضعه الاجتماعي ورغبته في البحث عن مستقبل افضل لتقوم بتجنيده لصالحها والتأثير عليه.
كذلك قد يكون الشعور بالظلم أحد العوامل التي تلقي بالأفراد في جحيم الإرهاب، ففي بعض الأحيان يلتجأ الشخص الذي يحس بأن حقوقه مسلوبة وأنّ لا قيمة له في المجتمع إلى التطرف بحثا عن معنى وقيمة لحياته لذلك يسعى الإرهابيون إلى احتواء هذا النوع من الأشخاص في منطق "الجماعة" و "الدولة" من أجل ايهامه بدوره واستغلال نفسيته الهشة لتحريضه والسيطرة عليه .
فالفراغ الذي يعيشه الفرد ورغبته في تحقيق ذاته هي وسائل جذب للإرهابيين ويمكن في هذا الاطار الحديث عن "هرم الحاجيات" لماسلو والذي ربط بين تحقيق الفرد لذاته وتحقيق الفرد لإحتياجاته فبحسب عالم النفس الأمريكي يمكن للفرد تحقيق ذاته عن طريق تحقيقه لاحتياجاته الشخصية والحياتية ورسم ماسلو هذه الاحتياجات في شكل هرم : نجد في أعلى الهرم الاحتياجات الفسيولوجية الأكل والشرب ثم الرغبة في الأمن والحماية و أخيرا البحث عن الحب والانتماء ، و يقول ماسلو أنّ :" الشخص الذي يعاني لفترات من عدم إشباع الحاجات، قد يسعى في المستقبل عندما يصبح قادراً أن يشبع هذه الحاجات في أن يشبعها بشكل مفرط" لذلك قد يميل بعض الأشخاص الذين عاشوا الظلم و فقدوا الإحساس بالأمان وبدورهم في المجتمع إلى التطرف.
الفهم الخاطئ للدين
أيضا يستغل الإرهابيون الفهم الخاطئ للدين لتجنيد الأفراد، فيلجؤون إلى تبريرات دينية خاطئة ويستغلون الفراغ العلمي لبث أفكارهم المتطرفة وأفضل دليل على هذا هو التقرير الذي أعده كل من براين دودويل و دانيال ميلتون و دون راسل حول "القوى العالمية العاملة في الخلافة" و بحسب هذه الورقة البحثية 70 بالمائة من المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بتنظيم ''داعش الإرهابي'' سنة 2014، فإنّ مستوى إلمامهم بالشريعة "بسيط" وبحسب تقارير أمنية صدرت عن الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2015، فإنّ 40 بالمائة من الأشخاص المعتقلين بسبب ارتباطهم بداعش اعتنقوا الدين الإسلامي منذ فترة وجيزة.
و لفهم كيفية استغلال الإرهابيين للدين لإستقطاب الأشخاص، قام مركز كارتر بتحليل 256 فيديو أصدرها ''داعش'' خلال 12 شهرا في الفترة الممتدة من شهر جويلية 2014 إلى غاية جويلية من سنة 2015، حسب هذا البحث تبين أنّ التنظيم الإرهابي ''داعش'' يعتمد على السور المدنية اكثر بمرتين من السور المكية والسور المدنية هي التي تعلقت بالأساس بالحياة الاجتماعية والحرب في حين تتعلق السور المكية بالمسائل العقائدية والكونية كالعدل وعدم الشرك بالله فالتنظيم الإرهابي إذا ينتقي السور من أجل الدعاية ويقول مركز كارتر في هذا الخصوص " من الواضح أن ''داعش'' يستخدم النصوص القرآنية بشكل انتقائي يتناسب مع البروباغندا التي يبثها على شبكة الانترنيت".
قد يكون الفقر والخصاصة والحالة النفسية الهشة أحد عوامل الإستقطاب لدى الجماعات الإرهابية إلا أنه لا يمكن الجزم بأنها العوامل الوحيدة، حيث أثبتت الدراسات والوقائع وجود إرهابيين ينتمون إلى مستوى اجتماعي جيد ومتحصلين على شهائد عليا فغسيل الدماغ وعمليات الاستقطاب لم تستثني أحدا. ويمكن الجزم في المقابل أن غياب الدولة وغياب العائلة هي أسهل أرضية للإستقطاب والتجنيد.
رباب علوي
تعليقك
Commentaires