alexametrics
الأولى

أنا زادة .. صرخة أنثى في مجتمع ذكوري

مدّة القراءة : 3 دقيقة
أنا زادة .. صرخة أنثى في مجتمع ذكوري

بالرغم من ترسانة القوانين والتشريعات التي حظيت بها المرأة التونسية والتي حولتها إلى نموذج يحتذى به في المنطقة العربية، وبالرغم من تعدد الجمعيات والمنظمات النسوية المطالبة والمدافعة عن حقوق المرأة والمتصدية لكل مخالف وحتى بعد المصادقة على قانون مناهضة العنف ضد المرأة وما فرضه من عقوبات مشددة، إلا أن نسبة التحرش في تونس تبقى في ارتفاع وأصبحت ظاهرة تستوجب المزيد من الصرامة.


منذ فيفري 2018، دخل قانون مناهضة العنف ضد المرأة حيّز التنفيذ للقضاء على كل أشكال العنف والتمييز ضدّ المرأة، تمت المصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعب بالأغلبية المطلقة ودون احتفاظ أو اعتراض من أي نائب. اعتبرت الجمعيات الحقوقية المدافعة عن حقوق المرأة بأنه بمثابة الثورة الثانية في مجال تعزيز حمية المرأة بعد مجلة الأحوال الشخصية.

ينص هذا القانون على ضرورة وضع التدابير للقضاء على كل أشكال العنف ضدّ المرأة القائم على التمييز بين الجنين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية مع ضرورة تتبع مرتكبي العنف ومعاقبتهم وحماية الضحايا. يتصدى كذلك هذا القانون إلى كل أشكال العنف المسلطة على النساء بمختلف أنواعه المادي والجنسي واللفظي والاقتصادي والسياسي.

 تضمن القانون احداث آلية تمكن قاضي الأسرة من اصدار إذن استعجالي بالحماية في حالة وقوع عنف وبعث فضاءات للانصات والإرشاد والايواء لضحايا العنف. وقد أسقط هذا القانون الفصل 227 المكرر من المجلة الجزائية الذي كان يسمح لمغتصب الضحية بالزواج من ضحيته القاصر مقابل اسقاط كل التتبعات بشأنه، حيث نصّ القانون الجديد على عدم إيقاف التتبعات ضد المعتدي حتى في حال تنازل الضحية عن حقها.

 

 بعد دخول القانون حيّز التنفيذ قررت وزارة المرأة إعداد تقرير سنوي حول أهم الإجراءات المنجزة في ما يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، وأصدرت تقريرها لسنة 2018، مؤكدة أن عدد القضايا قد بلغ 25 ألف قضية تشمل بالخصوص العنف الاقتصادي والجسدي.

 ووفق دراسة قام بها مركز الكريديفعلى عينة من النساء التونسيلت، بلغ معدل النساء ضحايا العنف الجنسي 43 فاصل 8 بالمائة و90 بالمائة من النساء تعرضنا للتحرش الجنسي في وسائل النقل العمومي وتعرضنا للعنف النفسي في الأماكن العامة بنسبة 78 فاصل 1 بالمائة وللتحرش الجنسي من قبل زملاء لهن في العمل بـ 75 فاصل 4 بالمائة.

 

ظاهرة التحرش الجنسي تعتبر انتهاكا لحرمة المرأة الجسدية والمعنوية ولذلك جرمه القانون التونسي. ويعرّف الفصل 226 من المجلة الجزائية مفهوم التحرّش الجنسي بـ "الامعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته وأن تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو ممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات". ويحدد التعريف القانوني للتحرش الجنسي المعايير الضرورية لاثبات الجريمة والمتمثلة في التكرار في المضايقة والتصرف بالأفعال والأقوال وحتى الإشارات، الغاية الجنسية لاشباع رغبة الشخص المتعمّد التحرش أو رغبة الغير. يعتبر التحرش الجنسي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن سنة أو بخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار.

  منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة عرّفت التحرش الجنسي على أنه "كل سلوك له إيحاءات جنسية غير مرحب بها من قبل الطرف الآخر ويشمل أيضًا طلب خدمات جنسية أو تصرفات ذات طابع جنسي ويمكن أن يكون عبر الكلام أو النظرات أو عرض مواد جنسية في مكان العمل بحيث يراها الطرف المستهدف.

 

لم تمنع الإجراءات الرادعة التي فرضها المشرع التونسي من تصاعد وتيرة الاعتداءات على المرأة وفي مقدمتها التحرش الجنسي ما دفع بمجموعة من المواطنات التونسيات مؤخرا إلى اطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبة بالتصدي للتحرش تحت هاشتاغ "أنا زادة" للنساء اللواتي تعرضن لممارسات مماثلة لتوثيق شهاداتهن.

 ووفق صاحبات المبادرة من الفتيات والنساء فإن حملة "أنا زادة" تهدف إلى كسر حاجز الصمت حول هذه الظاهرة من خلال تقاسم تجاربهن حول أنواع التحرش التي واجهنها بما يساعدهن على التغلب على ما خلفته هذه التجارب من آثار سلبية ضدهن.

 

أطلقت هذه الحملة على اثر موجة الغضب التي رافقت ظهور صور للنائب الفائز أوليا في الانتخابات التشريعية عن حزب قلب تونس، زهير مخلوف حيث قامت احدى الفتيات بنشر صور له من امام احدى المعاهد بولاية نابل واتهمته بالتحرّش. الأمر الذي أثار حفيظة الرأي العام وأذنت النيابة العمومية بنابل احالة المتّهم في شبهة التحرش إلى وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بنابل، في حالة تقديم من أجل جريمتيْ التحرّش الجنسي والتجاهر بما ينافي الحياء طبق الفصل 226 و226 مكرر من المجلة الجزائية.

وبعد أن تولى قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بنابل سماع المتضررة واستنطاق المتهم، قرّر وكيل الجمهورية بنابل الإبقاء على زهير مخلوف في حالة سراح. وما يزال الملف أمام أنضار القضاء، في حين نفى المتهم زهير مخلوف نفيا قاطعا ما وقع اتهامه به ونشر تدوينة على صفحته الرسمية فايسبوك أوضح فيها أنه يعاني من مرض السكّر وقد تمّ تصويره وهو "يتبوّل" في قارورة، قبل أن يقوم بغلق وإزالة صفحته الرسمية.

 

بدأت حملة "أنا زادة" تغزو مواقع التواصل الاجتماعي ومثلت متنفسا للنساء اللواتي يجدن صعوبة في رواية ما يقع لهن، لأن المجتمع لا يصدّق هذه الروايات في أغلب الأوقات، وحرجا في التشكي لعائلاتهن، فاعتمدن هذه الصفحة لفضح المتحرشين وتضييق الخناق على هذه الظاهرة التي أصبحت "كابوس" سواء للمرأة العاملة أو الطالبة وللواتي يفتقدن الجرأة والشجاعة للتحدث عن معاناتهن فتظل التجربة راسخة في ذهنهن تاركة آثارها النفسية خاصة لما يواجهنه من ردود أفعال سلبية للشهود على عمليات التحرش.

رغم القانون الذي يجرمه فإن عدد النساء اللواتي صرّحن بأنهن تعرضن للتحرش، ومنهن من تعرّض للتحرّش في عديد المرات، يبقى رقما مفزعا ومقلقا، ولكنه لا يتجاوز الحالات الحقيقية المسكوت عنها، نتيجة الخوف من الفضيحة وتلويث السمعة فيتعذّر علينا إيجاد الاحصائيات الرسمية للكشف عن هذه الظاهرة والتصدي لها.

 

مروى يوسف

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter