alexametrics
الأولى

إحتجاجات ليلية مُتزامنة ضحيّتُها تونس وشبابها

مدّة القراءة : 5 دقيقة
إحتجاجات ليلية مُتزامنة ضحيّتُها تونس وشبابها

عشرة سنوات مرّت على ثورة الحرية والكرامة، ثورة راح ضحيّتها شباب تونس من أجل كسر قضبان القمع والاستعباد من قبل النظام الدكتاتوري السابق وحقّق من خلالها الشعب التونسي بكلّ أطيافه مكسبا وحيدا وهو حريّة التعبير في حين أنّ جلّ المطالب الأخرى من تنمية وتعليم وصحة وغيرها من الأساسيات الضرورية للعيش الكريم لم تتحقّق بعد. 

 

عشرة سنوات مرّت وتضمّنت سياسات كثيرة وأحزاب متنوّعة ولم يشهد فيها التونسي سوى الخلافات والمصالح الحزبية والسياسية الضيّقة ولم تتحقق مطالب الشعب في التنمية خاصّة وهذا الذي أثّر من جهة على الشأن الإقتصادي الذي يعاني من أزمة خانقة زادت حدّتها بعد انتشار فيروس كورونا في تونس وانهيار أغلب المؤسسات الإقتصادية العمومية والخاصّة. من جهة أخرى، نجد أنّ الوضع الإجتماعي إزداد سوءا وارتفعت مؤشرات الفقر والبطالة والتهميش وارتفع منسوب الجرائم الجنائية وعمليات الإنتحار وأصبح المواطن التونسي غير قادر على توفير أبسط مقوّمات العيش الكريم له ولعائلته. 

 

عشرة سنوات مرّت على ثورة حاول الكثيرون طمس معالمها والتنكّر لها وطيّ ضحاياها في دفاتر التاريخ دون تكريم عائلاتهم أو ذكر أسمائهم وحصرهم في قائمة واحدة، وتزامن عيد ميلاد ثورة الربيع العربي مع تاريخ 14 من شهر جانفي ليكون بنكهة مختلفة، حيث لم ينزل الشعب التونسي لساحة الحرية والكرامة شارع الحبيب بورقيبة ككلّ سنة مردّدين شعارات الحرية بل عمّ السكون بشارع الثورة وعاشت تونس حجرا صحيا شاملا في إطار مجابهة فيروس كورونا. ذلك الهدوء الذي عمّ صباحا جُوبه ليلا بتحركات احتجاجية مُتزامنة في العديد من الولايات والمناطق، تحركات قادتها مجموعة من الشباب لا تتجاوز أعمارهم العشرين سنة وعمدوا على حرق العجلات المطاطية واستعمال الشماريخ واحتدّت الإشتباكات بينهم وبين القوات الأمنية بعد إقدامهم على التعدّي على الفضاءات العامة وخلع المغازات والمحلات الخاصّة وسرقتها وكانت النقطة التي أفاضت الكأس هي إعتداء عون أمن على راعي أغنام في سليانة. 

 

التحركات الإحتجاجية الليلية اعتبرها رواد الفيسبوك والرأي العام التونسي بمثابة ''ثورة جياع'' نظرا إلى أنّ الشباب المحتج تعمّد سرقة المواد الغذائية والحياتية لا غير، هذه الإحتجاجات لاقت تِرحابا من المجتمع المدني الذي اعتبرها من حق كلّ التونسيين وخاصّة الشباب الذي خذلته الطبقة السياسية ولكن في نفس الوقت استنكروا الطابع الهمجي في خلع وتهشيم الممتلكات العمومية والخاصّة الذي ألحق أضرارا جسيمة. كما ندّد الرأي العام التونسي بالتدخل الأمني القوي والقمعي الذي تمّت ممارسته على المحتجين من الضرب والسب والشتم والإعتقالات المتتالية والمتعددة والتي بلغت في مجملها 632 شخصا تمّ إيقافه من بينهم العديد من الشباب القاصر. الناطق الرسمي لوزارة الداخلية خالد الحيوني اعتبر أنّ تلك الإعتداءات على الشباب المُحتج من قبل الأمنيين كانت وسيلة لإيقافهم والحدّ من إلحاق الضرر بالفضاءات العمومية والخاصة مشيرا أنّ التحركات التي تشهدها عدة جهات مثل الملاسين، الزهروني، بنزرت، القصرين، سوسة والقيروان والمنستير وحي التضامن وسليانة وغيرها ليست تحركات احتجاجية ولا مطلبيّة لها وليست سلمية بل هدفها الوحيد هو الدخول في صدام مع قوات الأمن. 

 

بالنسبة للأحزاب السياسية فإنّ الإحتجاجات الليلية ليست عفوية وغير قائمة على المطالبة بالحق في التنمية والصحة وغيرها من المستلزمات الحياتية وإنّما هي عمليات مُمنهجة ومؤطّرة من قبل أطراف غير معلومة وكان هذا رأي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي، التي صرّحت اليوم أنّ عمليات التخريب والعنف المتزامنة في عدّة ولايات هي منظمة ومدروسة، كما اعتبرت موسي أنّ تصريحات الإسلاميين وتعليقهم على تلك الإحتجاجات والتي حمّلوا فيها المسؤولية لرئيس الدولة قيس سعيد دليل واضح على تورّطهم في افتعال تلك الأحداث والعمل على عزل الإنقلاب على قيس سعيد. وكان  وزير الصحة الأسبق والقيادي بحركة النهضة عبد اللطيف المكي قد أكّد على ضرورة معرفة من يقف وراء أعمال النهب والتخريب في الإحتجاجات الليلية معبّرا عن مساندته للقوات الأمنية في التصدي للمحتجين بإنفاذ القانون وحماية الأرواح والممتلكات. من جانبه، دعا اللوبي الإسلامي والقيادي بالنهضة رضوان المصمودي، رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى التنديد بأعمال العنف والفوضى التي تمّ تسجيلها في العديد من الجهات بسبب الإحتجاجات الليلية، وإلاّ فإنّه يتعيّن على البرلمان أن يتّخذ الإجراءات الضروريّة لعزله. حزب قلب تونس ندّد بالإحتجاجات الليلية التي اندلعت بصفة منسّقة ومتزامنة مخترقة لقانون حالة الطوارئ وقرار حظر الجولان ومستهدفة لقوات الأمن والحرس الوطنيين بهدف استنزافها والقيام بأعمال إجرامية وعبّر عن دعمه ومساندته الكاملة لقوات الجيش والأمن والحرس الوطني. من جهتها، اعتبرت حركة النهضة أنّ هذا المنحى لن يزيد الوضع الاجتماعي والاقتصادي إلا تأزما وتراجعا، وأدانت الاعتداءات المجانية واعتبرتها  خرقا لكل أشكال الاحتجاج والتعبير السلمية المكفولة بالقانون والدستور.


الإتحاد العام التونسي للشغل دعا اليوم الشباب المحتجّ إلى وقف الاحتجاجات الليلية لما قد ينجرّ عنها من اندساس وتجاوزات وإلى عدم الانجرار وراء العنف والتنديد بعمليات النهب والاعتداء على الملك العام والخاص واعتبرت المنظمة الشغيلة أنّ الأحداث المتجدّدة كلّ ليلة منذ ثلاثة أيّام في عديد المناطق والأحياء، اختلط فيها الإحتجاج بالشغب وعمليّات النهب والإعتداء على الأملاك العامة والخاصّة وقطع الطريق واستنزاف قوّات الأمن. وعبّر اتحاد الشغل عن استغرابه من صمت السلط على ما يجري وطالبها بتوضيحات شافية تبدّد الإشاعات وتطمئن عموم التونسيات والتونسيين وتحمّل المسؤوليّات. بدوره، ندّد الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بأحداث العنف والتخريب والنهب والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعمومية التي عرفتها العديد من ولايات الجمهورية وأحيائها في الليالي الأخيرة واعتبر أنّ تلك التجاوزات الخطيرة جدا التي لا علاقة لها بالاحتجاج السلمي وبحرية التعبير، والتي تضررت منها العديد من المؤسسات الاقتصادية الخاصة والمنشآت والإدارات العمومية والممتلكات الفردية. 

 

عشرة سنوات مرّت على ثورة الحرية والكرامة تفاقمت فيها الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وارتفعت فيها نِسبُ الفقر والبطالة والتهميش وهذا الذي ولّد حالة الإنفجار التي تمثّلت في اندلاع احتجاجات ليلية في العديد من الولايات بطريقة متزامنة بقيادة الشباب الذي خذلته الطبقة السياسية التي راحت إلى أنّ أسباب تلك الإحتجاجات خفيّة ويقف وراءها أجندات سياسية.  

 يسرى رياحي

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter