alexametrics
آراء

إسرائيل تُسدي خدمات جليلة لقيس سعيّد

مدّة القراءة : 4 دقيقة
إسرائيل تُسدي خدمات جليلة لقيس سعيّد

 

أخيرا اقتربنا من بداية انفراج الأزمة الحكومية.. أو على الأقل هذا ما توحي به بعض المؤشرات. فإلياس الفخفاخ لم يعد يعتبر نبيل القروي شخصا غير مرغوب فيه وقبِل بأن ينضمّ لحكومته.

 

في صورة سارت الأمور على ما يُرام، يبدو أننا سنتعرّف على تركيبة الفريق الحكومي المقترح في غضون الأسبوع الجاري قبل أن تعرض على البرلمان لمنحها الثقة، بعد أن كنّا على مشارف أزمة ربّما كانت ستتواصل لبضع شهور أو حتى تؤدي إلى فراغ دستوري كان سيجعل البلاد تحت رحمة قيس سعيّد لولا جاء الإنقاذ في الوقت المناسب على يد .. راشد الغنوشي. قد يؤلم البعض هذا القول لكنها الحقيقة التي لا يمكن إنكارها.

 

نعم تونس في 2020 تُدين بإنقاذها لراشد الغنوشي، هو ذاته الذي كنّا نصفه بالسفّاح و"قتّال الأرواح" في 2013 و2014 وهو نفسه الذي أفلت من عقوبة الإعدام في زمن بورقيبة بتهمة ارتكاب أعمال إرهابية وهو الرجل ذاته الذي تمتّع بالعفو أيام حُكم بن علي، قبل أن يعود لنشاطه الإرهابي (البعض يقول إنه مازال يدير الهجمات الإرهابية إلى غاية اليوم). بعد عقود من المؤامرات والعيش وراء القضبان وفي السرّية والإقصاء، أصبح راشد الغنوشي منقذا للبلاد… علينا أن نعترف أن للرجل طول نفس وأنّه عرف كيف يصبح تونسيا من جديد (شكلا على الأقل). فقد تخلّى عن "الإخوان المسلمين" ليصبح "أخا" ليوسف الشاهد ونبيل القروي بعد أن كان أخا للراحل الباجي قايد السبسي الذي هداه إلى صراط "التونسة".

 

بالنظر إلى المهمة التي أوكلها له قيس سعيّد، كان من المستحيل على إلياس الفخفاخ إيجاد مكان لحزب قلب تونس في الحكومة.. لكن لا يمكن أن تتقدم الأمور دون نبيل القروي وهو ما استوعبه بعد جهد ووقت طويل المكلّف بتشكيل الحكومة، إلياس الفخفاخ ورئيس الجمهورية، قيس سعيّد.

وعلى غرار ما يفعله بعض محترفي لعبة "البوكر" بدأ الغنوشي بإهانة بعض زملائه في حركة النهضة الذين خيّروا اقتراح الحبيب الجملي على رأس الحكومة بدلا عن "إبنه الروحي" زياد العذاري. راشد الغنوشي هو من كان في الكواليس يدفع نبيل القروي إلى عدم منح الثقة لحكومة الجملي رغم كل الضغوطات التي كانت تمارس عليه آنذاك. وهو أيضا من أقنع يوسف الشاهد بعدم التصويت للفائدة تلك الحكومة.

 

بعد أن قدّر قيس سعيّد أنّ إلياس الفخفاخ هو أقدر من الفاضل عبد الكافي وحكيم بن حمّودة، وجد راشد الغنوشي نفسه أمام الأمر المحتوم لكنه لم ييأس.. وبعد نداءات عديدة أطلقها دون جدوى، قرر الغنوشي عكس الهجوم بالذهاب لمقابلة رئيس الدولة حتى يرفع الفيتو عن نبيل القروي قبل أن يدعو هذا الأخير لملاقاة إلياس الفخفاخ والوصول إلى أرضية تفاهم.. لكنه كان يبحث بالأساس عن "منفذ خروج" مشرّف للفخفاخ.

 

راشد الغنوشي تفوّق على الجميع.. فقد عاد صقور النهضة تحت جناحيه وكذلك الشأن بالنسبة إلى رئيس الحكومة المقبل (بعد أن تمت إهانته تقريبا) وهو أيضا مصير رئيس الجمهورية الذي فقد مصداقيته وأصبح مطالبا بالتماهي مع الغنوشي إذا لم يرد أن يصبح "طرطورا".

 

في الوقت الذي كان فيه الغنوشي يسعى جاهدا إلى إيجاد حل لحكومة يتحكّم هو فيها، كان قيس سعيّد يتخبّط في قصر قرطاج لتبرير وجوده وفرض مبادئه ومُثله العليا وهي قيم يجب أن تواجه الواقع السياسي وهو ما يجهله أو تجاهله رئيس الجمهورية..

 

بعد انقضاء ثلاثة أشهر فقط من وجوده في قصر قرطاج ها إنّ أعضاء الديوان الرئاسي يتبادلون التهم واللكمات بصفة علنية.

من المضحكات المبكيات في علاقة بالشأن الإتصالي في القصر الرئاسي، تلك الشهادة الطبية التي برّر بها الرئيس اعتذاره عن المشاركة في الدورة الثلاثين للقمة الإفريقية.. نادرا ما يأخذ رئيس راحة طبية بسبب إلتهاب حاد في الحنجرة.. فأي مؤسسة صغرى ومتوسطة كانت سترفض مثل هذه الوثيقة من أحد عملتها وأعوانها.

 

إلى اليوم وفي ظرف مائة يوم اعتذر الرئيس عن المشاركة في قمة المملكة المتحدة وإفريقيا وقمة برلين حول ليبيا ومؤتمر دافوس والآن القمة الإفريقية!

 

تونس مريضة أكثر من أي وقت مضى وهي في أمسّ الحاجة لمستثمرين أجانب وها إنّ رئيسها يسمح لنفسه بإهدار الفرص متتالية ويتخلّف عن مقابلة الأمين العام للمنتظم الأممي وقادة القوى العظمى الأوروبية والدولية وكبار المستثمرين. صحيح أنه في كل الأحوال ما كان ليحقق شيئا يُذكر لكن الحضور دون نتيجة أفضل من الغياب.. هذا الرئيس الذي يتعلّل بالتهاب حاد في الحنجرة لكي لا يشارك في قمة دولية، كان عليه أن يطلع على أرشيف الرئيس الأسبق الراحل الباجي قايد السبسي الذي لم يكن يفوّت أي تظاهرة كبرى رغم أنه جاوز التسعين. من العمر.

 

بدل أن يكون رئيسا للجمهورية كما أراد ذلك 2،7 مليون ناخب، يفضّل قيس سعيّد أن يبقى "مناضلا" يرفع الشعارات من أعلى منبر في ساحة إحدى الكليات من أجل تغيير الكون.

 

فسيادة الرئيس حين لا يكون منشغلا بخلافات الفريق المحيط به من المستشارين، يقوم بدعوة وزيرة الرياضة لتأنيبها وتوبيخها بخصوص مشاركة لاعب إسرائيلي في دورة للتنس بتونس.. كما يأمر بنشر بلاغ مُخجل صدر عن وزارة الخارجية لإدانة فوز بطلتنا أنس جابر على لاعبة إسرائيلية في دورة بهلسينكي. بل إنه ذهب إلى حد التعبير عن الرغبة في مقاطعة كل تظاهرة رياضية (أو ثقافية) تشارك في إسرائيل.

 

آخر شطحات رئيس الدولة وهي سابقة في تاريخ المعاملات الدبلوماسية في تونس، توليه إعفاء سفير تونس المندوب الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة، منصف البعتي في الوقت الذي تشغل فيه تونس خطة عضو في مجلس الأمن الذي يناقش حاليا قرارا لإدانة "صفقة القرن" المقترحة من دونالد ترامب.. وكان ذلك "خطأ دبلوماسيا فادحا"، حسب ما صرّحت به رشيدة النيفر بعد 72 ساعة من هذا القرار الذي أثار سخط واستياء الدبلوماسيين التونسيين الذين كانوا في حالة غضب غير مسبوقة.

 

الحقيقة أن قيس سعيّد، مثل الكثير من السياسيين التونسيين، يوظّف (حتى لا نقول يستغل) القضية الفلسطينية وإسرائيل، فزّاعة لتلهية الرأي العام عن إخفاقاته.. يتحدّث "الثورجيّون" عن كمال اللطيف في كل الأحداث والمناسبات مثلما يرجع القوميون كل المصائب إلى إسرائيل.. وهذا ينجح في التأثير على الجمهور العريض الذي عادة ما يكون ساذجا واندفاعيا.. هناك مقولة شهيرة لأبراهام لينكولن بما معناه "يمكنك خداع البعض في كل الأوقات وكل الناس من حين لآخر لكن لا يمكنك مغالطة الجميع في كل الأوقات" لكن يبدو أن قيس سعيّد يجهل هذه المقولة، سيما وأن فرقة الهواة الذين يصغي إليهم في كل حين هم من بين أولئك الذين يمكن خداعهم دائما.

 

لذلك فإن القضية الفلسطينية وإسرائيل يسديان خدمات جليلة لمن يعتبر أن التطبيع مع إسرائيل "خيانة عُظمى" .. هذا الخطاب "الطلاّبي" يجد صدى واسعا لدى "جمهور" قيس سعيّد ويزيد من شعبيته (أو هذا ما يعتقده هو على الأقل).

 

فهل ستتواصل سياسة النعامة وتجاهل الحقائق ؟ بالنظر إلى الوضع الراهن الذي تعيشه تونس فإنه لا بد، عاجلا أو آجلا، (ويحبّذ في أقرب وقت ممكن) من التفطّن إلى أننا في سنة 2020 وأن تونس ليست بلدا معزولا عن الكون وأن على الرئيس الخضوع للواقعية السياسية وأن التونسيين وخاصة الشباب ليسوا حسّاسين مثله وبالقدر ذاته تجاه القضية الفلسطينية ولهم أولويات أخرى غير فلسطين وإسرائيل وأنه منذ 23 أكتوبر 2019، رئيس الجمهورية التونسية وليس طالبا مناضلا في كلية الحقوق.

 

    (ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0