alexametrics
آراء

الأغبياء فقط يخضعون للقوانين أما الحكماء فيستبقونها

مدّة القراءة : 4 دقيقة
الأغبياء فقط يخضعون للقوانين أما الحكماء فيستبقونها

 

 

بعد ثلاث سنوات (2012-2013-2014) خرج علينا مصطفى بن جعفر وسمير بن عمر والحبيب خذر ومعهم 214 أخرون من  "المؤسسين" بما اعتبروه "أفضل دساتير العالم" وهو في الواقع دستور مليئ بالتناقضات والإنحرافات والخروقات للمبادئ الأساسية للمواطنة ومبادئ حقوق الإنسان ومع ذلك يعتبرونه أفضل دستور في الكون .. لقد كذبوا على الشعب طيلة ثلاثة أعوام كادوا خلالها أن يدخلونا في حرب أهلية بسبب حماقاتهم المتكررة والمزمنة .. الغريب أنهم أقنعوا البعض بوجاهة ما اقترفوه .. "فلا شيء أخطر من أحمق يبدو في هيئة رجل ذكي" والعبارة للسياسي والأكاديمي الفرنسي إيدوار هيريو (1872-1957).

 

معظم مؤسسينا ينطبق عليهم هذا القول فهم أغبياء في هيئة أذكياء وهذا لا ينطبق فقط عليهم ولكن أيضا على "أصدقاء" الترويكا الذين صادقوا على ذلك الدستور من أمثال علي العريّض ومنصف المرزوقي.   

 

بعد أكثر من خمس سنوات من تلك الموافقة الملعونة على الدستور الجديد والتي أسدلت الستار على أسوء الحقبات في تاريخ تونس المعاصر، ها نحن في مواجهة إخلال جديد من إخلالات هذا الدستور التعيس لنجد أنفسنا في جوان 2019 أمام نص لا يفسّر الأشياء بالشكل المطلوب بل إنه يتضمن ثغرات يمكن استغلالها من قبل أيّ كان .. وهو ما فعله الباجي قايد السبسي في جويلية 2019 لقطع الطريق أمام نص لا دستوري وغير أخلاقي، قُدّ من قبل النواب على المقاس وأقرت بدستوريته هيئة وقتية مكلفة بمراقبة دستورية القوانين.

 

هذا النص كثر الجدل والحديث عنه خلال الأسابيع القليلة الماضية ويتمثل في تعديل للقانون الإنتخابي كان الهدف من ورائه سد الطريق أمام أصحاب المراتب الأولى في نتائج سبر الآراء وهم نبيل القروي وألفة تراس وعبير موسي .. بموافقة 124 نائبا و14 صوتا محتفظا و30 اعتراض (من جملة 217 نائبا) تمت المصادقة على مشروع القانون المنقّح قبل أن  تنظر فيه الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وهي هيئة وقتية مازالت تعمل منذ 2014 وقد أحدثت وقتها للنظر في المسائل العاجلة في انتظار تركيز المحكمة الدستورية. تلك الهيئة الوقتية تتكون من ستة أعضاء يتم تعيين ثلاثة منهم من قبل الرئاسات الثلاث. ورغم الجدل الحاد والتصريحات المعادية والموقف الحازم من كبرى المنظمات الوطنية (اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف) ومن عديد المختصين في القانون الدستوري، فإن الهيئة الوقتية، تقر بواقع أربعة أصوات مقابل صوتين، بدستورية القانون الإنتخابي في نسخته الجديدة.

 

ينص القانون على أن الهيئة الوقتية تعلم رئيس الجمهورية بقرارها  وهو الوحيد المخوّل له اتخاذ ما يراه صالحا في ظرف أربعة أيام .. وهنا تأتي الثغرة إذ أن القانون لا يوضّح كيفية إبلاغ الهيئة لرئيس الجمهورية .. هل بوساطة الواتساب ؟ أو الميسنجر ؟ أو رسالة عبر الأنستغرام ؟ أم بمجرد اتصال هاتفي على خطه الشخصي أو مكالمة مؤمّنة على الهاتف الخاص ؟ .. لا أحد لديه الجواب اليقين بما أن القانون أخرس في هذا الصدد. المنطق يفترض أن يتم الإبلاغ عن طريق مراسلة توجّه إلى رئاسة الجمهورية، حسب بعض الخبراء المحنّكين في القانون الدستوري .. زملاء لهم لا يقلّون عنهم كفاءة يعتبرون أن مهلة أربعة أيام   يبدأ احتسابها من تاريخ نشر هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين لقرارها بالرائد الرسمي.

 

لكن ماذا يقول الدستور في هذه الحالة؟ .. دستورنا الموقّر لا يشير إلى هيئة وقتية وإنما لمحكمة دستورية وفق المختصين في القانون الدستوري وبالتالي فإنه لا يمكن القبول بقرارات الهيئة الوقتية ومن حق رئيس الدولة أن يتخذ قراره بمفرده.. وهنا تبرز ثغرة أخرى في النص القانوني .. "لكن علينا أن نحل الإشكال القائم ونخضع لقرارات الهيئة الوقتية التي تتطابق صلاحياتها مع مهام المحكمة الدستورية"، يقول بعض الخبراء في القانون الدستوري .. ما العمل إذن؟ فالوضع صار لا يُحتمل ..

 

في جويلية 2019 عاين الباجي قايد السبسي وهو الخبير بالقانون وثغراته، كل ما يجري من حوله وعلى الساحة السياسية من جدل  حول مسألة ختم القانون الإنتخابي الجديد واتخذ القرار الذي أراد .. الجميع يطالبون باحترام الدستور لكن كل طرف يأخذ منه ما يخدم مصالحه.

 

الآباء المؤسسون للدستور أجمعوا على القول بأن "رئيس الجمهورية مُلزم باحترام الدستور وبختم القانون حتى وإن كانت الهيئة الوقتية هي نفسها غير دستورية" وقد وافقهم في رأيهم هذا مثل قطيع الخرفان النواب ال124 الذين صادقوا على تعديل القانون الإنتخابي .. قمة الوقاحة .. فهم لم يكتفوا بصنع قانون في شكل قنبلة موقوتة بل لهم الجرأة على إعطاء الدروس وانتقاد عمل رئيس منتخب جاوز عمره 92 عاما.

 

فها نحن أمام قانون الغاية منه إقصاء مواطنين تونسيين على خلفية أعمال وممارسات سبقت صدور هذا القانون .. ويتعلل النواب الذين صادقوا عليه بكون هذا النص وُجد لحماية الديمقراطية من أشخاص سيئي السمعة وهي الأعذار والمبررات ذاتها التي اعتمدها بورقيبة وبن علي من بعده لإقصاء الإسلاميين الذين لم يكونوا أقل وضاعة من الشخصيات التي يريد النواب إقصاءها اليوم.

 

الباجي قايد السبسي تعهّد في السابق وكان عند وعده بكونه سيحترم الدستور وسيرفض كل أشكال الإقصاء .. وها هو يبقى وفيا لمبادئه  .. فالنواب لجؤوا للحيل لتمرير القانون وكذلك فعل الباجي قائد السبسي فلجأ للحيل أيضا لسد الطريق أماهم.

 

فالنواب الذين ينادون باحترام الدستور فعلوا كل ما في وسعهم لكي لكي لا يحترموا هذا الدستور ذاته بالتراخي والتباطؤ طوال أربع سنوات ونصف حتى لا ينتخبوا أعضاء المحكمة الدستورية .. كما أن تنقيح القانون الإنتخابي جاء بسبب حماقات بعض أعضاء البرلمان والنواب المؤسسين من قبلهم والذين تركوا وراءهم ثغرات استغلها كل من نبيل القروي وألفة تراس.

 

عليكم بالحد الأدنى من الخجل من أنفسكم ومن اللباقة .. فكيف تعطون الدروس في احترام الدستور إذا كنتم أنتم أنفسكم لا تحترمونه .. إذا كنتم وراء سببا في وقوع الخطأ ثم تبحثون عن كيفية إصلاحه بارتكاب خطإ آخر أكثر فداحة فلا تقدموا الدروس لأحد ولا تطلبوا من رئيس الجمهورية احترام قانون ودستور سيئين والحال أنه حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

 

في واقع الأمر جاء الباجي قايد السبسي ليصلح أخطاءكم ويصلح من أحوالكم بالمناسبة، مثل أب يعاقب أو يوبّخ ابنه الصغير .. صحيح أن العقاب البدني موجع وقد صار ممنوعا في بعض الدول  لكن ما أتاه الرئيس سيكون الإستثناء، فعقابه لكم، وإن كان يُناقش من الناحية القانونية، فهم مستحقّ بلا شك .. الباجي قايد السبسي ينطبق عليه المثل اليهودي القائل "الأغبياء يخضعون للقوانين والحكماء يستبقونها". 

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0