alexametrics
الأولى

الحصيلة الانتخابية لليسار أو.. ما بعد العبث!

مدّة القراءة : 5 دقيقة
الحصيلة الانتخابية لليسار أو.. ما بعد العبث!

 

كيف يكونُ الصراعُ يساريّـا- يساريّـا؟ حارِقٌ هذا السؤال لمنْ لا يُدرك متلازمة النرجسية الجوفاء التّي أطاحت بالعروش والدُول ورؤساء الحكومات الشبابِ الذين ترشحوا للإنتخابات الرئاسية. تونس، على اليسار، سقطت كل محاولاتِ التجميعِ وتوجه رفاقُ الأمس الى الإنتخابات الرئاسية فُرادى. ومِثل درجات الحرارة في روسـيا الشيوعيّة كانت النتائج؛ تُسببّ المرض، باردة، ولا تعلو عن الصّـــفر.

 

 تحصل الزعيم التاريخي الأبدي قدّس الله سره حمة الهمامي على 0 فاصل 69 من الأصوات، أي أن التزكيات التي قدّمها لهيئة الإنتخابات ( أكثر من 32 ألف تزكية) كانت أكثر من المواطنين الذين صوّتوا له (23252 صوت). تحصّل النقابي الخطـيــبْ عبيد البريكي على 0 فاصل 17 بالمائة من الأصوات، عدديا ربّـما يكون الحاضرون في إجتماع شعبي في بطحاء محمد علي يأّمهم البريكي أكثر ممن صوتوا له! (5799 صوت) وتحصل منجي الرّحوي، الفتى الطّائش، على 0 فاصل 81 من الأصوات، متصدرا حصيلة الأسماء اليسارية ومتذيلا العائلة التقدميّة (27346 صوت).

 

إستقالة عبيد البريكي:

وهل يستقيل الشيوعيون ؟ التاريخ يقول لا. لكن البريكي كان دوما النسخة الاجتماعية الديمقراطية/ المدنية من القيادي اليساري، كان مرنا يدعو الى الاصلاح. مواقف تؤكد ذلك، مشاركته في الحكومة –ولو لفترة قصيرة- وتحديه أطروحة أن اليسار لا يغادر المعارضة، استعداده للانسحاب من الانتخابات الرئاسية لصالح الرحوي أو الهمامي في حالة الاتفاق على مرشح واحد، وأخيرا ايفاءه الوعد الذي قدمة لزميلتنا سندة طاجين في حصة ساكن قرطاج متى تحدث البريكي فقال أنه في صورة حصوله في الرئاسية على نسبة أصوات أقل من 3 بالمائة فانه سيقدم استقالته من تونس الى الأمام ويعتزل العمل السياسي. وبالفعل كان وفيا بوعده وقدم مساء أمس 18 سبتمبر 2019 استقالته من الأمانة العامة لحركة تونس الى الأمام. لنقل أنها سابقة، وسابقة ايجابية تحيل على أنه لا قيادي يضل قياديا الى الأبد، وهو أول اعتراف بالخسارة في تاريخ اليسار التونسي الحديث الذي يرفض رغم خسارته المتواصلة أن يعترف بفشله. كان اليسار وخاصة الشباب الى دفعة ثقة مثل هذه، رغم سياقها المؤسف الا أنها تغيير صغير-لكن مهم- في السلوك، ومرور الى ثقافة الاعتراف بالخطأ بدل رمي اللوم والاتهامات بالتشتيت والتحليل العاطفي من علو الربوة. استقالة عبيد البريكي فعل سياسي بامتياز ليس الغاية منه مغادرة العمل الحزبي بل توجيه رسالة الى بقية القياديين.

 

حمة الهمامي، نهاية رجل شجاع:  

مرور مخز ومخجل من المرتبة الثالثة في 2014 بنسة 7 بالمائة من الأصوات الى أقل من 1 بالمائة مما يعني أنه خسر أكثر من 80 بالمائة من خزانه الانتخابي في خمس سنوات. هذا ماجناه على نفسه بسبب الزعامتية وتضخم الأنا، أكثر من 30 سنة أمينا عاما لحزب العمال حولت الرجل من مناضل صادق الى زعيم مجرد من الشرعية، زعيم العشرات فقط، من أنصاره الذي ظلوا أوفياء له بسبب تاريخية حمة الهمامي الانسان لا بسبب حمة الهمامي السياسي. "يلزمها حمة" فشلت في مهمتها، خاصة في اعادة الشباب الذي غادر الجبهة في السنوات الأخيرة وفضل الانقطاع عن الحياة السياسية التي لم تستوعب نزعته الى معاداة "الأب" الوصي والنظام الأبوي القامع لحرية التعبير الذي وجده في التنظيمات الشيوعية منذ 2011. هذه النتيجة المهينة هي نهاية حمة الهمامي واخر محطة في "درب الكرامة" الذي اختاره منذ سنواته العشرين أو أقل، نهاية مسيرته السياسية وعليه أن يتقبل ذلك ويتجاز مرحلة الانكار التي يترجمها بيانه الأخير "شدوا الهمة" الذي دعا فيه انصاره للمواصلة وشحذ العزائم من أجل التشريعيات. أي همة، بالتأكيد ليست "همة" مارسيل خليفة التي تحيل الى التحدي. من يتحدى الهمامي، المواطنين، أم منافسيه، أم نفسه؟ لا نعلم، لكنه في كل الأحوال تحد خاسر.

 

قراءة في أفضلية الرحوي:  

منجي الرحوي تقدم بثقة الى الاستحقاق الانتخابي دون دعم من الجبهة التاريخية-سوى دعم الوطد والطليعة-، ظاهرة مثيرة للاهتمام في الساحة التونسة تحيل الى ظاهرة قتل الأب في علم النفس، تمرد السياسي الشاب على القيادة التاريخية للحزب/التنظيم.  (يوسف الشاهد و الباجي قائد السبسي مثلا) وهذا أول سبب جعل الرحوي يتقدم على الهمامي في دائرة الصفر فاصل. نعم هو انتصار صغير للرحوي في مواجه الظل الكبير/الأخ الكبير الذي ظل مسيطرا على الجبهة وغير قابل للانزياح وفسح المجال للقيادات الشابة القادرة على التغيير. جزء من خزان الهمامي  الانتخابي ذهب الى صندوق منجي الرحوي طواعية من شباب الجبهة كفعل احتجاجي. السبب الثاني هو تجربة الرحوي كنائب شعب والتي كان فيها جزءا من الدولة ولذلك هو عكس الهمامي- تقلد مهمة سياسية رسمية. أفضلية الرحوي كذلك تعود الى أنه اصغر المترشحين اليساريين سنا، كما أن خلفيته الاقتصادية في فترة المأزق الاقتصادي التونسي تؤهله للقيادة أكثر من غيره. لكن، النتيجة تبقى مخيبة للامال في الصورة الكبرى التي تظهر ان التونسيين لم تعد تستوعبهم التنظيمات التقليدية وأصبحوا يبحثون عن بديل غير تقليدي عن الصورة النمطية للسياسي الغاضب المنفعل الذي يتسلح بالايديولجيا.

 

الحظوظ في الإنتخابات التشريعية:

حسم الأمر، لن تكون هناك كتلة للجبهة الشعبية في المجلس القادم الذي لن يكون مجلسا ايديوليجا. الأغلب أن حضور اليسار في مجلس النواب في نسخة 2020 سيكون متفرقا لثلاثة معسكرات، الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي الذي سيمكن بعض الأسماء من رؤساء قائماته (مثل بسمة بلعيد) ضمان مقعد. من جهة أخرى، يدخل الوطد والطليعة واليسار العمالي  ساحة التشريعية في قائمات موحدة، ويدخل ماتبقى من الجبهة الشعبية التاريخية بقائمات موحدة كذلك. لا شك أن نتائج الانتخابات الرئاسية ستؤثر سلبا على نوايا التصويت في التشريعية  ولن تكون حظوظ الجبهة مثل حظوظها في 2014 (15 مقعدا) التي مثلت نقلة نوعية قياسا على نتائج اليسار الهزيلة في انتخابات المجلس التأسيسي 2011 بسبب تجميع الكيان اليساري تجميعا ظرفيا في ائتلاف موحد. النتائج الكارثية ستلقي بظلالها على تركيبة المجلس القادم الذي سيكون خاليا من دعامة ديمقراطية لقوى المعارضة. خطاب ثوري مستهلك مازال ممتدا في برامج قائمات العائلة اليسارية للتشريعية. الشرعية التي تحصل عليها نواب الجبهة في 2014 لرمزيتهم التارخية ونضالهم قبل الثورة وفي فترة الترويكا ضد مشروع النهضة الظلامي لن يفوزوا بها في الاستحقاق القادم لا بسبب التشتت فحسب بل بسبب حصيلة ضعيفة كانت بالاساس قائمة على دور المعارضة الكلاسيكي عبر التصويت ب "لا" ضد مشاريع الائتلاف الحاكم متناسين ان المعارضة يمكنها ان تكون بناءة كذلك تقترح وتبادر بدل ان تكتفي برد الفعل على المبادرات السياسية.غياب ذاك أفقدها شرعية الحضور كسلطة تشريعية فاعلة مستقبلا.

 

هواية اليسار التونسي أن يكون عبثيا يدور في الفراغ حول نفسه، وأحيانا يتهم نفسه بخيانة نفسه، ويكون عدوا لنفسه ويشن حربا ضد نفسه. المشاركة في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي كان بالفعل- محض عبث والنتائج الكارثية كانت متوقعة. انتهى، مات الاله على قول نيتشه. انتهى الرجل اليساري بتمثلاته التقليدية وشاربه المعقوف وكوفيته المناسبة لكل الفصول. المستقبل اليساري هو مستقبل مدني اصلاحي، يتلائم مع تونس القرن 21. نكاد نسمع من الان، دقات المسامير التي ستدقها التشريعية في نعش الرفاق.

التصنيفات القديمة لا مكان لها في تونس الجديدة، التي تشكل مزيجاً غريبا .. بين أجمل أحلامنا و أسوأ كوابيسنا.

 

عبير قاسمي

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter