alexametrics
الأولى

الدستور التونسي من دستور الثورة الى دستور التجاذبات السياسية

مدّة القراءة : 7 دقيقة
الدستور التونسي من دستور الثورة الى دستور التجاذبات السياسية

صادق نواب المجلس الوطني التأسيسي يوم 26 جانفي 2014 على دستور تونس الجديد أو دستور الثورة كما يحلو للبعض تسميته، دستور جاء بعد صراعات و توافقات خلال فترة الانتقال الديمقراطي، لكن في الأخير نجحت تونس في تكريس دستور يجسد تطلعات الشعب التونسي و يضمن له حقوقه و حرياته في كنف القانون .

 

تضمن  الدستور التونسي مكاسب عديدة على غرار التنصيص على الهيئات الدستورية وهي : الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هيئة الاتصال السمعي البصري ، هيئة حقوق الانسان ، هيئة التنمية المستدامة و حقوق الأجيال القادمة و هيئة الحوكمة الرشيدة و مكافحة الفساد ، تعمل على  دعم الديمقراطية. وعلى كافة مؤسسات الدولة تيسير عملها حسب ما ينص عليه الفصل 125 من الدستور .

فخلافا لدستور 1959 خصص دستور 2014 بابا كاملا للهيئات الدستورية المستقلة و هي هيئات عمومية تتمتع بالشخصية القانونية و الاستقلال المالي و تختلف عن الهيئات العمومية المستقلة  التي لا تتمتع بالشخصية القانونية، و للإشارة نص القانون الفرنسي لأول مرة على احداث الهيئات الدستورية المستقلة سنة 2008 و يمكن القول ان الدستور التونسي استنبط قليلا من المشرع الفرنسي في هذه النقطة .

يعد التنصيص على بعث المحكمة الدستورية و هي هيئة قضائية مستقلة حسب مقتضيات الفصل 118 من الدستور و ضامنة لعلويّة الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريّات في نطاق اختصاصاتها وصلاحياتها المقررة بالدستور والقانون حسب الفصل الأول من القانون الاساسي عدد 50 لسنة 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية .

الا أنّه و رغم التنصيص على هذه المكاسب في الدستور يبقى المشكل في تونس في التطبيق، فالمحكمة الدستورية لم يتم ارساؤها رغم تنصيص الدستور على ضرورة إرساء المحكمة في أجل أقصاه سنة من انتخابات 2014 أي في أكتوبر 2015 ، لكنها الى اليوم لاتزال محل تجاذبات سياسية و لم يتم إرساء الهيئات الدستورية المنصوص عليه في الباب السادس من الدستور باستثناء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات .

في هذا السياق نشرت المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في أفريل 2021 تقريرا خاصا بمتابعة تطبيق الدستور و تجسيده على مستوى التشريع في الفترة الممتدة بين 1 أكتوبر 2020 و 31 مارس 2021 ، و اعتبرت  المنظمة في تقريرها ان تطبيق الدستور شهد :" تقدما طفيفا " و ذلك بالنظر الى عدم تركيز المحكمة الدستورية و الهيئات الدستورية (باستثناء هيئة الانتخابات ) وهو :" تأخير كبير في تطبيق الدستور مم يترك الهيكلية المؤسساتية غير مكتملة 7 سنوات بعد صدور الدستور " .

و تعمل المحكمة الدستورية حسب الفصل 120 من الدستور على مراقبة دستورية مشاريع القوانين المعروضة عليها من قبل رئيس الجمهورية التونسية أو رئيس الحكومة أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب ، مشاريع القوانين الدستورية التي يعرضها عليها رئيس مجلس نواب الشعب ، المعاهدات التي يعرضها عليها رئيس الجمهورية و القوانين التي تحيلها عليها المحاكم و النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي يعرضه عليها رئيس المجلس .

و اعتبرت المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في هذا السياق أن دور المحكمة الدستورية هام و رئيسي نظرا لصلاحياتها الواسعة  و لا يمكن حتى للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين أن تحل محلها فعلى سبيل المثال  اشارت المنظمة الى الاشكال الذي وقع حول إمكانية رفض القانون عدد 63/2018 الخاص بالانتخابات و الاستفتاء من قبل رئيس الجمهورية ، و معاينة الشغور النهائي لرئيس الجمهورية حين وفاة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي وهو مهمة المحكمة الدستورية حسب الفصل 84 من الدستور ، و أيضا الى الازمة السياسية الراهنة في علاقة برفض رئيس الجمهورية أداء يمين الوزراء الجدد و الذي نالوا مصادقة مجلس نواب الشعب و التي تختص المحكمة الدستورية حصريا بالنظر فيها و هو ما وصفته المنظمة ب:"خلل تقني في الدستور " .

للنذكير صادق  نواب الشعب يوم الأربعاء 24 مارس 2021، و ب110 صوتا على التنقيحات الخاصة ببعض فصول القانون الأساسي للمحكمة الدستورية و هي تنقيحات اقترحتها الحكومة سنة 2018 ، لكن مشروع القانون لم يحظى بموافقة رئيس الجمهورية قيس سعيد و قام برده لمجلس نواب الشعب .

و في مراسلة وجهها الى رئيس مجلس نواب الشعب يوم الاحد 4 أفريل أشار رئيس الجمهورية الى الاخلالات الموجودة في مشروع القانون قائلا :" الدستور في  الفقرة الخامسة من الفصل 148 الذي ينص على أن يتم في أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ الانتخابات التشريعية إرساء المجلس الأعلى للقضاء، وفي أجل أقصاه سنة من هذه الانتخابات إرساء المحكمة الدستورية، هذا الحكم لم يرتكز على  ذكر أجل في المطلق "بل إنّه سمّاه والمسمّى هو المُعيّن والمحدد'' و  ليس هناك ''لسلطة داخل الدولة أن تتجاوز الوقت الذي حدّده الدستور وسمّاه ونصّ على الأجل وذكر أقصاه'' ، و شدد رئيس الجمهورية في مراسلته على امتلاكه لصلاحية حصرية و هي ختم القوانين :" الختم كما يُعرفّه الفقهاء هو العنصر اللازم المُكمّل للقانون لأنّ قابلية النفاذ تجد مصدرها في عملية الختم لا في النصّ التشريعي الذي عبّرت به الهيئة التشريعية عن إرادتها'

و في كلمة القاها يوم 6 أفريل بمناسبة احياء الذكرى 21 لرحيل الرئيس الحبيب بورقيبة ، اعتبر رئيس الجمهورية قيس سعيد أنه و من خلال مشروع قانون  المحكمة الدستورية المصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب لن تكون المحكمة الدستورية محكمة حقيقية بل  :" محكمة تصفية حسابات " حسب تعبيره ، مؤكدا حقه في الاعتراض على ختم النصوص القانونية و حقه في الاعتراض كما ينص على ذلك الدستور التونسي :" هم خارج الآجال و خرقوا الدستور قليتحموا مسؤوليتهم و لن يجروني الى خرق الدستور " .

و تجدر الإشارة في هذا الاطار انه و باستثناء مشاريع القوانين الدستورية، لرئيس الجمهورية الحق في رد مشاريع القوانين مع  إلى المجلس للتداول ثانية، وذلك خلال أجل خمسة أيام من تاريخ:

1.   انقضاء أجل الطعن بعدم الدستورية دون حصوله وفق أحكام المطة الأولى من الفصل 120،

2.   صدور قرار بالدستورية أو الإحالة الوجوبية لمشروع القانون إلى رئيس الجمهورية  وفق أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 121، في حالة الطعن على معنى أحكام المطة الأولى من الفصل 120.

 وتكون المصادقة، إثر الردّ، بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس على مشاريع القوانين العادية، وبأغلبية ثلاثة أخماس أعضاء المجلس على مشاريع القوانين الأساسية.

تصريحات رئيس الجمهورية تكشف عن الازمة السياسية الواقعة بين رئيس الجمهورية و البرلمان و بالتحديد الأحزاب الداعمة لرئيس الحكومة هشام المشيشي ، أزمة اثرت بشكل سلبي على إرساء المحكمة الدستورية التي لا يزال مصيرها غامضا فمجلس نواب الشعب قام يوم الثلاثاء 4 ماي 2021 و بعد جلسة عامة دامت أكثر من 9 ساعات، بالمصادقة على مشروع القانون الاساسي المتعلق بتنقيح واتمام القانون الاساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 الخاص  بالمحكمة الدستورية ، لكن رئيس الجمهورية لم يبد تفاعلا بعد و يبدو متمسكا بموقف الرافض لمشروع القانون .

و تجسدت الازمة السياسية أيضا من خلال ازمة الصلاحيات "القائد الأعلى للقوات المسلحة " صلاحية حرص رئيس الجمهورية على التذكير بها في عدة مناسبات : يوم الاحتفال بعيد قوات الأمن الداخلي يوم 18 أفريل الماضي اين صرح بأن ''رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات العسكرية' و أيضا خلال زيارة اداها الى جبل الشعانبي يوم السبت الماضي .

يجدر التذكير في هذا السياق  الفصل 77 من الدستور التونسي على تولي رئيس الجمهورية القيادة العليا للقوات المسلحة لكن الدستور التونسي لم يحدد بشكل واضح ماهي القوات المسلحة التي يقودها الامر الذي أدى الى لغط في الموضوع ، ففي الوقت الذي عرف فيه الدستور التونسي الجيش الوطني في الفصل 18 على انه :" "جيش جمهوري وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام. ويدعم الجيش الوطني السلطات المدنية وفق ما يضبطه القانون " ، لم يرد تعريف واضح للقوات المسلحة في الدستور وهو احد النقائص التي احتواها دستور 2014 و نفس الاشكال بالنسبة لمفهوم الدفاع الوطني و الذي لم يرد فيه تفسير واضح في المقابل عرف الدستور الامن الوطني في الفصل 18 على أنه :" الأمن الوطني أمن جمهوري قواته مكلفة بحفظ الأمن، والنظام العام، وحماية الأفراد والمؤسسات والممتلكات، وإنفاذ القانون، في كنف احترام الحريات وفي إطار الحياد التامّ " .

يمكن القول ان دستور 2014 جاء استجابة لتطلعات التونسيين و نص على مكاسب جديدة على غرار الهيئات الدستورية ، لكن التحدي الأكبر يكمن في التطبيق و ليس في النصوص القانونية. نصّ  الدستور التونسي على مفاهيم أساسية لسير عمل الدولة و لضبط صلاحيات السلطة التنفيذية لكنه لم يعرفها كما يجب لتفتح الباب امام التأويلات و تصبح موضع تجاذبات سياسية و هو ما يقع اليوم حول صلاحية " القائد الأعلى للقوات المسلحة " .

رباب علوي

 

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter