alexametrics
الأولى

الغنوشي يعلن الحرب ضدّ الصحفيين!

مدّة القراءة : 5 دقيقة
الغنوشي يعلن الحرب ضدّ الصحفيين!

كورونا، كورينا، كورنا؟ اشاعة. يبدو أنّ أنصار النهضة لهم مناعةُ.. القطيع. أرقام وزارة الصحّة التي ترمي الهلع والوجس في قلوب التونسيين تشير الى أنّ الكورونا لم تنته بعد، ومازالت تفتك بـ 50 تونسيا نشيعهم للمقبرة بمعدل يوميّ، وأمام الخطر الوبائيّ يبدو أن لهذا القطيع (توصيف طبّي لظاهرة اكتساب المناعة دون تلقيح) مناعتهُ التي تجعله يخرق منع التنقل بين الولايات ومنع التجمهر ومنع اقامة التظاهرات وتدابير وزراة الصحة الممدّة الى منتصف مارس والتي أقرتها رئاسة الحكومة بعد ماراثون نقاشات مع اللجنة العلمية.


الأمن العام الصحيّ يهونُ من أجل الايهام بأنّ القاعدة الجماهرية للنهضة لم تتقلّص. الوحدة؟ أيّ وحدة، النهضة وحدها دون مساندة من أي ّكان تجوب الشوارع خاسرة لتوهم بأنها مُنتصرة. بشرعية مهترئة وتعبئة دامت أسابيعا ضُحيّ خلالها بالغالي والنفيس لتغذية نرجسية الشيخ وحاشيته، كانت تحتج ضد نفسها وتساند نفسها بحشد عال الحساسيّة غاضب على الجميع سوى نفسه ومستعد لينقضّ على فُرصة أو خطأ أو أحد من المارة لا يحملُ شعار الحمامة نيشانا على صدره; من أنت؟ ماذا تفعل في شارع النهضة؟ أقسم بحياة الغنوشي أنك لست مندسا أو صحفيا أو مواطنا؟ أرنا هويتك، دعنا نفتشك وننتهك حرمتك الجسدية ونبحث داخل حقيبتك لأننا لجنة تنظيم المسيرة، نحنُ أعلى سلطة هنا.


لا مدرّعات أو فرق مكافحة الشغب في الأفق، لا أزياء خاصّة ولا عصيّ غليظة، لا أسلحة مُشهرة ولا دوريات في كلّ نهج، لا شاحنات محملّة بالغاز المسيل للدموع ولا أمنيين بلباس مدنّي، لا طائرات مسيّرة تعلو المسيرة لتسجل الأوجه جيدا حتّى يتم استدعائهم للتحقيق لاحقا، ولا شرطة فنيّة تقتنص وجوه المحتجين لتشهّر بهم على صفحات النقابات الأمنية، لا هرسلة ولا ايقافات، لا اعتدءات ولامحاصرة أو صدام، لا عسكرة للشارع ولا تهديدات بحُجّة قانون الطورائ. الأمن مستتّب، السماء زرقاء والحمامُ يُغرّد. الطريق مؤمنة من شارع محمد الخامس الى الحبيب بورقيبة، لم يكن على المحتجين المرور بالباساج وشارع باريس بل كان السبيل مفتوحا أمامهم ليمروا بسلام من الشارع الرئيسي. كم تغيّر الأمر منذ 6 فيفري!

أهؤلاء نفس الأمنيين الذين كانوا بالأمس يحاصرون المحتجين في الأنهج الفرعية لشارع الثورة ويجرون شابّة الى مدرعة الأمن لأنها رفعت شعارا في باردو ويمطرون مظاهرة 26 جانفي بقنابل الغاز ويرمون بالقُصّر من الأحياء الشعبية في مراكز الايقاف دون اعلام أولياءهم أو توفير محام؟ ماذا حدث؟


يبدو أن التظاهر ممنوع اذا كان احتجاجا على سياسيات الحكومة، ومُستحبّ اذا كان مساندة للحكومة.
النهضة رغم الحافلات والأعلام واللافتات والشوكوطوم تخلّى عنها حتى سيستام المناولة الخاصّ بها ائتلاف الكرامة، وتخلّى عنها قلب تونس الذي دُعي للمسيرة فرفض، وتخلّت عنها المنظمات الوطنية التي راسلتها سرا تستجدي حضور قيادييها لتقود مع نورالدين البحيري التحركّ، وتخلى عنها هشام المشيشي التي تتظاهر دعما له فلا أثر لهذه المسيرة على صفحة رئاسة الحكومة وأي صفحات أي من الوزراء الحاليين أو المقترحين للتحوير.
مُحملّين بمصروفهم اليومي وحقدهم ضد كلّ من يُعارضهم، في حافلاتهم المُكتراة بمال غير معلوم المصدر، شدّوا الرّحال الى العاصمة ليُفرغوا شارع الثورة من رمزيّته ويجعلوه ساحة استعراض فلكلوريّ رخيص، كلّ هذا من أجل أن يلمحوا شيخهم من بعيد وينادوا "بالرّوح والدم نفديك يا الغنوشي"، الغنوشي- رأس الحربة، الذي يُلام على كلّ الشرور في عشر سود من حكم الحزب الاسلامي، ذلك الغنوشي، يهتفون بحياته بهيستيريا هوجاء- ويرقصون طربا على أنغام عليّ يا حمام النهضة، عليّ، بينما كلّ شيء اخر يتجه الى أسفل، الى الحضيض.


لندع جانبا القراءات التي تحيط بمسيرة الرّقصة الأخيرة، ونستعرض جانبا اخرا من المشهدية: الحقدُ الذي واجه به أنصار النهضة الصحفيين.
الصحفيات مُعرضات الى أنواع أخرى من العنف في الفضاء العام ومستهدفات مرتيّن، في الأولى لصفتهن المهنية والثانية لأنهن نساء. أيد قذرة، نجسة، امتدت لأجساد ثلاثة صحفيّات مُستغلّة الاكتظاظ، تعرضّت زميلاتنا الى التحرّش الجنسي من حراس معبد الأخلاق والأوصياء على العفّة والشرف ومُدعّي الالتزام والورع- أولئك الذين أصدعوا رؤسنا بالحديث عن الانحلال الأخلاقي الذي سببّهُ الضياع عن سبيل الدين، هؤلاء، المتدينون، الذين أفاقوا فجرا لأداء الصلاة والالتحاق بفريضة نُصرة الاسلام الذي يمثله حزبهم فقط، أولئك، القوّامون، الأتقياء... المنافقون، المُقرفون الذين استباحوا أجساد النساء لأن "الشارع متاعهم" وكلّ ما فيه "متاعهم" وهم بالاضافة الى أنهم أبناء حزب رجعيّ، فهم أبناء الذكوريّة السامة المُدللون جاؤوا يستعرضون فحولتهم و"الرُجلة" التي يظنون أنها تتلخّص في السلوك العدواني.


لعلّ الاسلاميين لم يحملوا راية الارهاب اليوم، مثلما كانوا يفعلون في 2012 و2013 حين كانوا يتظاهرون حاملين الرايات السود، ربما لم يعد هناك لحيّ ونقاب ولباس أفغاني وجلابيب تكنس القاع- وتكبير وتكفير فتفجير، لكنهم لم يتغيّروا أبدا: "انا مغلغلة على الصحفيين، وريوهملي وين، يكذبوا علينا نهار كامل ويشوهوا فينا، هانا جيناكم" تقول سيدة من مناصري الحزب الاسلامي مهاجمة مصور فريق تونيسكوب الذي وثّق اللحظة في هذا الفيديو. "ايجا هنا انت، هاني خالط عليك، هات التاليفون، فسخ اللي صورتو تحرك" يقول أحد الاسلاميين الحسّاسين، شيخ ربما في العقد السادس وهو يركض ببطئ بعد رحلة الألف الميل محاولا القبض على صحفي شاب وثّق لحظة الاعتداء بالعنف على مواطن من قبل ميليشيات النهضة. "وخّر لتالي **** ****" يقول أحد الشبان دافعا زميلنا مروان السهيلي فيما يُهرول 4 شبان اخرون ليلتحقوا به ويحاصروا مصوّر بيزنس نيوز ويهاجموه من جميع النواحي فيما كان يحاول حماية معدات التصوير. "اعلام العار" يصيحُ الجمع موجهين أصابعهم نحو الصحفيين أمام منصة راشد الغنوشي خلال خُطبته العصماء، حيث كانت زميلتنا يسرى الرياحي تؤمن البثّ الحي وسط الهرسلة والتحريض. جيهان الحامدي، أيمن العقبي، خولة بوكريم وعشرات اخرون من الصحفيين تعرضوا للعنف المادي واللفظي بينما كانوا يؤدون واجبهم المهني بحرفيّة وموضوعية، لكمات في الهواء وركلات خاطئة هُدد بها عمل إذاعة اي اف ام، قبضات وشتم وهرسلة ووعيد نال صحفيي الشروق والتاسعة واذاعة شمس واذاعة جوهرة والجُثث الضخمة فارعة الطول من ميليشيات التنظيم المُختارين الذين حاصروهم ليدفعوا بهم خارج الحشود، ضربات موجهة للظّهر بنيّة الدفع خارج المسيرة واجهها فريق عمل إذاعة إكسبرس، ألفاظ سوقية وعنف جسدي طالت المصورين محمد طاطا واسلام الحكيري.


لم يحقدُ الاسلاميون على الاعلام؟ من موقع السلطة التي تريد وأد من يكشفُ فسادها أم من موقع الايديولجيا التي تنتهج العنف والتدافع كاجابة سريعة على كلّ شيء، أم من منطق انتماء أغلب الصحفيين الى الطبقة المتنوّرة التقدمية التي ترفض مأسسة تداخل الدين بالسلطة ووضع اليد العليا على القطاع من قبل شيخ بدل رئيس، فشل هو الاخر في ذلك؟ أيّا كان السبب فالنهضة الان في أسوأ حالاتها وهي أضعف من أن تفتح حربا بأوجه مكشوفة ضد الاعلام لذلك فهيّ تحاربهُ بالوكالة حين تسنح لها الفرصة فيتصّيد أنصارها الوقت المناسب ليحولوّا العنف الذين يعبرون عنه على وسائل التواصل الى أرض الواقع.
باعتذار شكليّ على صفحتها الرسمية، وصفت النهضة العُدوان ضد الصحفيين بأنه "تجاوزات من بعض المشاركين في المسيرة لا يمثل موقف الحركة في تعاملها مع الصحفيين". العنفُ ليس "تجاوزات" بل هو عنف. والعنف لم يتم نسبه للمشاركين في المسيرة بل للجنة تنظيم من الميليشيات التي استولت على دور القوات الأمنية ونصّبت نفسها معابر تفتيش أي أمن موازي يحتكر العنف الشرعيّ. المهزلة التي حدثت ليست تجاوزات يتم تبريرها ببلاغ من سطرين وليست حوادث متفرقة، بل هي تهجم ممنهج ومقصود على الصحفيين، وليس أي صحفيين، فممثلو الوسائل الاعلامية المقربة من النهضة لم تطلهم أي اعتداءات ولم يتم منعهم من أداء عملهم وخُصص لهم مكان أمام منصة الغنوشي لنخص بالذكر الزيتونة وقناة الجزيرة- هؤلاء الميليشيات كانوا يتثبتون من هويات الصحفيين قبل السماح لهم بالدخول لمحيط المسيرة ويسألونهم مسبقا عن الوسيلة الاعلامية التي ينتمون لها.
اعتذاركم غير مقبول، والعنف الذين تعودون اليه كلّمـا زاد إختناقكم وكلّمـا زادت عزلتكـم السياسيّـة لن يمّر.

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter