alexametrics
آراء

تعبئة جماعة الشكوطوم للرد على قيس سعيّد

مدّة القراءة : 4 دقيقة
تعبئة جماعة الشكوطوم للرد على قيس سعيّد

 

هو مخاتل .. هو ماكر .. هو منافق .. هو نذير شؤم على كل من يتحالف معه .. كثيرة هي النعوت لكنها لا تكفي لوصف الرجل بالدقة اللازمة .. الحديث هنا عن راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس حركة النهضة الذي تمكّن من التفوّق على ذاته .. فهو قادر على أن يقول الشيء ونقيضه مقسما على أنه صادق في قوله وهو ينظر في عينك مباشرة .. كما أنه قادر على أن يسدد لك طعنة في الظهر وهو يبتسم في وجهك .. كم هو قوي راشد الغنوشي فهو من القلائل في تونس الذين يمارسون السياسة بما يليق بها من خبث ودهاء.

 

يوم السبت الماضي وجّه الغنوشي رسالة إلى الرئيس قيس سعيّد يقترح عليه فيها لقاء يجمع الرؤساء الثلاثة وهي مبادرة قال إنها تنبع من الإرادة في الخروج من الأزمة الراهنة، عبر تغليب الحوار وتجميع الفرقاء (رئيس البرلمان ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية)، باعتباره رمز وحدة الدولة .. كلام جميل قد يصدّقه أي كان .. لكن من الغد يجتمع الغنوشي نفسه مع القيادات المحلية لحزبه لتعبئة مسيرة وطنية ينتظر تنظيمها السبت القادم. فما هو الهدف الحقيقي من هذه المسيرة ؟ "توجيه رسالة قوية من الشارع تعكس مساندته للدولة ودعمه لمؤسساتها وحرص على حماية الدستور من أولئك الذين يحاولون أن ينسفوا المشروع الديمقراطي وأن يحيدوا به به عن مساره"، حسب رفيق عبد السلام، صهر راشد الغنوشي والناطق غير الرسمي بإسمه.

 

أي أن الغنوشي الذي يسلّم رسالة بيده اليمنى للرئيس قيس سعيّد من أجل الوحدة الوطنية وتهدئة النفوس هو نفسه الذي يوجّه رسالة بيده اليسرى إلى لسعيّد يعلن فيها الحرب ..

 

منذ أسابيع ومواقع التواصل الإجتماعي كخلية نحل تهاجم بلا هوادة قيس سعيّد من قبل أنصار النهضة .. هذا "الذباب الأزرق"، كما يصفونه، عديم الأخلاق ولا يردعه أي شيء حين يتعلق الأمر بتشويه وثلب وشتم خصم سياسي أو وسيلة إعلامية معادية لهم .. قيس سعيّد يتلقّى منذ أشهر هجمات هؤلاء وخاصة منذ بضع أسابيع أي بعد أن عبّر صراحة عن رفضه تنظيم موكب أداء اليمين من طرف الوزراء الذين نالوا ثقة البرلمان في جلسة 26 جانفي الماضي .. بالتوازي مع ذلك، عديدة هي التصريحات والتدوينات الصادرة عن بعض قيادات النهضة والأحزاب التي تحوم حولها والذين يسعون بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى تشويه رئيس الجمهورية.

 

في الأثناء بقي قيس سعيّد، يلاحظ هادئا من قصر قرطاج، ألاعيب النهضويين ومن يدورون في فلكهم. فرغم لهجة التصعيد التي لجأ إليها الإسلاميون، ظل رئيس الدولة متشبثا بموقفه ولم يتزحزح عنه رأيه قيد أنملة .. لذلك تراه يواصل جولاته في أسواق الغلال والخضار ويصافح المواطنين في شارع الحبيب بورقيبة، مدّعيا أن الشعب إلى جانبه .. ونتائج سبر الآراء تثبّت ما يدّعيه.

 

لمواجهة هذه "العجرفة الرئاسية"، لم يجد زعيم النهضة حلا أفضل من كونه يستنجد بالشارع، ليظهر للرئيس أن حزبه، هو الآخر، يحظى بمساندة الشارع .. فهل هذا صحيح ؟

 

الأرقام لا تكذب والوقائع أيضا .. من حيث الأرقام فإن قيس سعيّد يحق له التباهي بحصوله على 2،7 مليون صوت في الجولة  الثانية من الإنتخابات الرئاسية الأخيرة و620 ألفا في الدورة الأولى. في المقابل لم تحصد النهضة في الإنتخابات التشريعية سوى 561 ألف صوت أي أقل مما حققه قيس سعيّد في الجولة الأولى من الرئاسية .. إذا أضافنا للحركة ما يعرفك ب"الباراشوك" وهما إئتلاف الكرامة وحزب قلب تونس، فإن هذا التحالف بقيادة الغنوشي لا يحظى إلا ب 1،1 مليون ناخب أي أقل بكثير من نصف الأصوات التي تحصّل عليها قيس سعيّد.

 

من حيث نتائج سبر الآراء فإن نسبة الشعبية التي يحظى بها قيس سعيّد هي اليوم في حدود 49 بالمائة، مقابل 11 بالمائة لراشد الغنوشي، وذلك حسب آخر إستطلاع للرأي أنجزته مؤسسة "إيمرود" في حين تشير بعض مؤسسات سبر الآراء الأخرى إلى تجاوز شعبية قيس سعيّد نسبة 50 بالمائة.

 

أما من حيث الوقائع الفعلية، فإن بإمكان قيس سعيّد أن يتجوّل حيث شاء في التراب التونسي دون أي تهديد لحرمته الجسدية وهو ما تعكسه جولاته على مقربة من المواطن العادي في الشارع .. فتراه في مسجد هنا وفي سوق هناك، يحتك بالجماهير حيثما حل .. حتى المناوشات القليلة التي تعرّض لها كان وراءها النهضويون. في المقابل لا يستطيع راشد الغنوشي أن يتحو؟ل إلى مقهى شعبي في أي حي من أحياء العاصمة، دون ترتيبات أمنية مسبقة .. فهو لا يقدر حتى على الترجّل لبضع أمتار في شارع الحبيب بورقيبة أو أي مكان آخر.

 

راشد الغنوشي يدرك جيدا كل هذا، لكنه مضطر لأن يوهم مختلف الفاعلين السياسيين في الداخل والخارح بما هو عكس ذلك.

 

من أجل ذلك فهو يعتقد أن الحل الأمثل يكمن في تعبئة أنصاره، من خلال تحفيزهم بشيء من المال وعلب الشوكوطوم (ماركة تونسية للبسكويت) .. أنصار النهضة تعوّدوا على الشوكوطوم منذ  المسيرات التي نظمتها الحركة لمساندة الترويكا الحاكمة في 2013 كردة فعل ضد المعارضة التي كان يقودها الراحل الباجي قايد السبسي آنذاك .. ومنذ ذلك الحين ارتبط إسم هذه الحلويات بأنصار النهضة الذين يتسلّمون علب الشوكوطوم مقابل خروجهم إلى الشارع لمساندة الحركة.

 

لكن الديمقراطيات في العالم لا يلجأ فيها الحزب الحاكم إلى الشارع للتعبير عن مساندته له .. فهذه المشاهد لا نراها سوى في الأنظمة الدكتاتورية والبوليسية.

 

مما لا شك فيه أن من أوحى له بهذه الفكرة هو محمد الغرياني، الأمين العام السابق للتجمع الدستوري الديمقراطي والمستشار الخاص حاليا لراشد الغنوشي .. فالغرياني ينتمي إلى تلك المدرسة التي تؤمن بأن تعبئة الشارع من شأنها تغيير المعطيات .. فهو يعتقد أن النزول بقوة إلى الشارع، قد يضعف جانب قيس سعيّد في صراعه مع هشام المشيشي ومع راشد الغنوشي.

 

بتوجيهه رسالة إلى رئيس الجمهورية وبدعوته أنصار النهضة  إلى النزول إلى الشارع، فإن راشد الغنوشي يعتقد أنه سيحرج قيس سعيّد ويضعه في مأزق .. فهو فهو يريد أن يقنع الرأي العام الوطني والملاحظين الدوليين بأن رئيس الجمهورية هو المتسبب في حالة العطالة القائمة وهو الذي يمنع الحكومة من العمل .. يريد أن يظهر للجميع أن الحكومة تحظى بمساندة الشعب.

 

كان سيبدو هذا حقيقيا لو أن مظاهر الدعم والمساندة كانت عفوية وغير مشروطة ولو أن قيس سعيّد لا يحظى بتعاطف الشارع معه.

 

لكن الواقع أمرّ من ذلك بكثير .. فالملاحظون في الداخل والخارج ليسوا سذّجا إلى هذا الحد وهم يميّزن جيدا بين المتظاهر الصادق الذي ينزل إلى الشارع عن قناعة وبين ذلك الذي لا يتظاهر إلا بعد أن يتسلّم مبلغا ماليا وعلبة شوكوطوم.

 

السبت القادم سيكون الشارع على موعد مع عرض فرجوي بطله أنصار الشوكوطوم .. لكنه لن يقنع أحدا لأن لا أحد مقتنع بأن السلطة الحاكمة حاليا تستحق الدعم والمساندة الشعبية.

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0