alexametrics
أفكار

تونس بعد الثورة، بين دبلوماسية offshore ودبلوماسية onshore

مدّة القراءة : 3 دقيقة
تونس بعد الثورة، بين دبلوماسية offshore ودبلوماسية onshore

 

منذ تحول 14 جانفي 2011، تعالت عديد الأصوات للدعوة للقطيعة مع المنظومة القديمة التي لخصها البعض، بكل استهتار بالأجيال التي حررت البلاد والعقول، بسنوات الخراب وبمنظومة الفساد والاستبداد زمن بورقيبة وبن علي معا. وأطلق البعض العنان لخياله وشطحاته في التبشير بحالات وعي جديد تنادي بإقامة منظومة فكرية وسياسية جديدة. وشملت هذه الدعوات مجال العلاقات الخارجية والدبلوماسية التونسية، وأصبحنا نسمع خطابات عن تونس الثورة والسياسات الثورية في العلاقات الخارجية والمناداة بإرساء دبلوماسية قائمة على المهجة الثورية والنفس الثوري وتونس الجديدة. ويعرف الجميع الخسارة التي تكبدتها بلادنا نتيجة هذا الانحراف بالمبادئ والثوابت الأساسية للدولة التونسية عبر العصور كان من آثارها حصول توترات وأزمات في علاقاتنا بالبلدان الصديقة والشقيقة وبالمجموعات الإقليمية والدولية وبمحيطها الجغراسياسي التاريخي والطبيعي.

 وعلى الرغم من الجهود الهامة التي بذلها المرحوم الباجي قائد السيسي لإعادة مجد الدبلوماسية التونسية عبر الأزمان وإعلاء صورة تونس في الخارج، إلا أن الأشهر الاخيرة التي تلت صعود السيد قيس سعيد الى سدة الحكم أعادت تخوفات الكثير من المتتبعين للشأن الدبلوماسي، وأثار أداء خارجيتنا عديد الملاحظات والانتقادات ولعل أبرزها تلك المتعلقة بالجدل الدائر حول قرار إنهاء عمل سفير تونس لدى بعثة الأمم المتحدة بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد سال كثير من الحبر حول هذا الموضوع الذي ليس هو محور مقالنا هذا بل ارتأينا أن نعود الى جوهر القضية والمتمثل في موقف تونس من القضية الفلسطينية.

 ولهذا السبب عدنا لكلمة تونس التي ألقيت مؤخرا في مجلس الأمن بمناسبة انطلاق النقاش بشأن مشروع لائحة تقدم بها كل من تونس عن البلدان الأفريقية وإندونيسيا عن بلدان عدم الانحياز. وهنا حصلت المفاجأة التي حسب اعتقادنا نعتبرها سارة ومطمئنة ووفية للتقاليد الدبلوماسية العريقة للبلاد التونسية زمن بورقيبة وبن علي كذلك. ودون مبالغة، يمكن القول أن الخطاب الذي القاه مندوب تونس لا يختلف في شيء عن الخطابات التي كانوا يتلوها القادة الدبلوماسيين التونسيين في مختلف مراحل أجيال الخارجية التونسية. ولكن، ذلك لا يمنع الملاحظين من التساؤل حول ظاهرة في غاية الغرابة والمفارقة حتى لا نقول شيئًا اخر. فبمجرد الاستماع الى كلمة السفير التونسي حتى ينتابنا شعور مزدوج يتراوح بين الارتياح من جهة والتساؤل والاستغراب من جهة اخرى حول مدى تناغمه مع مرجعية المهجة الثورية في علاقة بالموقف من القضية الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر.

 ومما جاء في كلمة ممثل تونس في جلسة مجلس الأمن ما يلي:

  1. تثمين جهود الأمين العام للأمم المتحدة من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط ودعم التسوية السلمية للنزاع العربي الاسرائيلي على أساس حل الدولتين والمرجعيات المتفق عليها دوليا.
  2.  تقدير حرص الأمين العام لجامعة الدول العربية على المشاركة وتأكيد الموقف العربي الداعم للقضية الفلسطينية والمتمسك بالسلام العادل والشامل على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
  3. واعتبارًا لمسؤولية مجلس الأمن في الحفاظ على الأمن والسلم وتسوية النزاعات فإننا نشدد على أهمية دوره في دفع عملية السلام على أساس المرجعيات المشار اليها ووفقا لحل الدولتين بما يفضي الى تسوية كافة قضايا الحل النهائي تكريسا لحل الدولتين يعيشان جنبا الى جنب في امن وسلام ويحفظ الأمان لكافة شعوب المنطقة.

هذا أبرز ما جاء في مداخلة ممثلة تونس لدى الأمم المتحدة وهي واضحة وضوح الشمس وظلت وفية لجوهر المقاربة التونسية منذ الاستقلال الى اليوم دون إضافة أو نقصان كما حددها بورقيبة وحافظ عليها خليفته بن علي.

وللتذكير، نورد ما جاء في مبادرة السلام العربية منذ قمة بيروت 2002 تعميمًا للفائدة ومساهمة في محو الأمية السياسية السائدة اليوم بيننا. جاء في وثيقة المبادرة ما يلي:

  1. قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو (حزيران) في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
  2. عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي:

-        اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.

-        إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

-        ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.

-        يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعا إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقنا للدماء، بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنبا إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار.

 

ولنا أن نتساءل عن مدى قدرة جماعة المهجة الثورية على مباركتهم هذه التوجهات في المواقف الرسمية للدبلوماسية التونسية من وراء البحار وخارج حدود الوطن، ومدى تناغمها مع هذه المواقف التي لا علاقة لها بخطاب الحنين للاءات الثلاث الخرطومية وعنتريات جبهة التصدي والصمود التي لم تقتل ذبابة ولشعار "سنلقي بإسرائيل في البحر" والاتهام بالخيانة العظمى باسم مناهضة التطبيع وتجريمه.

 وما يقال عن تدخل ممثل تونس في الأمم المتحدة يقال عن الكلمة التي ألقاها الغنوشي في الأسابيع الفارطة في المملكة الهاشمية بالأردن في إطار البرلمان العربي والذي التزم فيه حرفيًا بالموقف الرسمي التونسي بعيدا عن المهجة الثورية المزعومة ولم تختلف كلمته عن كلمة أي دبلوماسي في ظل نظام بورقيبة أو بن علي أو في فترة الرئيس الراحل الباجي.

 بناء المجتمعات والدول والثورات والديمقراطيات يتطلب الوضوح والانسجام في المواقف ولا يتحمل الكيل بمكيالين أو التأرجح بين سياسة داخلية للاستهلاك المحلي والترويج خارج الحدود ومن وراء البحار الى سياسات مناقضة ومتعارضة تمس من مصداقية الدولة وقادتها ونخبها ولا تساعد على إقامة علاقات خارجية ودبلوماسية ذات مصداقية وجديرة بنيل احترام الدول الشقيقة والصديقة.

 فبالله عليكم قليلا من الوضوح والانسجام في المواقف لأننا وكما يقول الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران الازدواجية والغموض في المواقف مضرة بصاحبها وتفقده المصداقية.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter