alexametrics
أفكار

رسالة إلى السيد وزير التربية

مدّة القراءة : 3 دقيقة
رسالة إلى السيد وزير التربية

 

تحيّة وسلاما،

توسّمنا الخير الكثير بعد تسميتكم الأخيرة على رأس وزارة التربية علّكم تقدمون على إصلاح منظومتنا التربويّة التي تراجعت أهم مؤشراتها باعتبار كل المقاييس ومناهج التقييم المعتمدة دوليّا ... كما استبشرنا بهذه التسمية علّكم تقومون بمقاومة التطرّف النقابي بالوزارة حتى تسترجع وزارة العلم سالف ألقها وتُصلحون ما تم تدميره ... لكن هذه النفحة الإستبشاريّة لم تدم طويلا لأننا في تونس حُرّم علينا أن نحلم بتحسّن وضع البلاد ... بضعة أيام بعد تسميتكم وتخرجون للإعلام في مشهد سريالي لتفسير وإضفاء شرعيّة الدولة المستضعفة على قرارات اتخذتها نقابات منفلتة، تمهّد لأكبر انتكاسة في مجال تراكم رأس المال البشري في تونس منذ الاستقلال ... لم أكن يوما أتصوّر أنكم رجل الاقتصاد المتميّز يمكن أن تختُمون هكذا قرارات دون تمعّن ودرس آثارها على التحصيل المعرفي والمدرسي والبناء البسيكولوجي للطفل وتزايد ارتفاع نسب الانقطاع المدرسي ...

لا أودّ ان أحمّلكم وزر المسؤوليّة كاملة عن حجم الكارثة المقبلة حيث أن الحكومة تركتكم تتخبّطون مع أتعس إفرازات الجسم النقابي منذ ميلاد العمل النقابي بتونس في ظرف اتسم بهلع مبالغ فيه من طرف العائلات حول إمكانية إصابة أطفالهم بالكوفيد 19 نتيجة تهويل غير مهني لعديد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بثت البلبلة والهستيريا الكوفيديّة دون اعتماد دراسات علميّة...

سيّدي الوزير، كان من المفروض أن يكون هذا الملف أولى اهتمامات الحكومة بأن تخرج للرأي العام لتهدئة المواطنين وتقديم بيانات إحصائيّة ودراسات مقارنة مبنيّة على دلائل أن الأطفال الذين يدرسون في التعليم الابتدائي غير معرّضين لإصابات خطيرة بالكوفيد أكثر من مخاطر الإصابة بالإنفلونزا الموسميّة أو الإلتهابات الرئويّة الفيروسيّة الحادة ... كما تفيدنا الدراسات الأجنبيّة أنه ليست هناك دلائل حول إمكانيّة انتقال العدوى من الطفل لباقي أفراد العائلة أو للإطار التربوي ربّما لأن غالبية الأطفال الحاملين للفيروس ليس لهم أعراض (انظر على سبيل المثال دراسات معهد باستور بفرنسا وإحصائيات  CDC بالولايات المتحدة [1]).

كيف تعرّضون مُستقبل "مستقبل الأوطان" وعمادها ورأس مالها للخراب دون التشاور مع أهل الرأي والأطباء المختصّين من كافة المشارب فالطب كباقي العلوم التجريبيّة ليس بعلم صحيح إلى جانب المختصّين في العلوم الإنسانيّة والاجتماعية وأنت سيّد العارفين حتى نتعرّف على آثار هذا القرار على مخرجات القطاع التعليمي وآستتباعاته خلال السنوات القادمة على الطفل ونسب الأميّة والفشل المدرسي وظواهر أخرى كالعنف المدرسي والإرهاب والجنوح لدى فئات جديدة من الأطفال ...

سيدي الوزير، أتمنّى بأن تقوموا بإنارة الرأي العام حول الفرضيّات التي تم اعتمادها في اتخاذ قرار تقسيم الأطفال إلى فوجين ومدى علميّة هذا القرار ... من المفروض أنه تم اعتماد فرضيّات حول نسب عدوى لدى هذه الشريحة العمريّة من الأطفال 5-12 سنة ومدى احتمال إصابتها بالكوفيد 19 وكذلك نسب العدوى بين الطفال ومن الأطفال للإطار التربوي وكذلك نسب العدوى في العائلة التي يكون الطفل متسببا فيها (سينياروهات حول التغيّرات المنتظرة قبل اعتماد نظام الأفواج وبعده بالنسبة لكل المؤشرات الوبائيّة) ... كما أستغرب عدم التفريق بين المناطق الريفيّة أين تنخفض الكثافة في الفصول مقارنة بالمناطق الحضريّة حيث تبلغ الكثافة مستويات عالية في كبرى الولايات فقط (الإحصائيات موجودة بمنشورات وزارة التربية) فضلا عن أن وباء الكوفيد 19 يتفشى بالأساس في المناطق الحضريّة مثلما هو الأمر بكل البلدان ... إذن لماذا سُحب الإجراء على تلاميذ المناطق الريفيّة الذين يعانون بطبيعتهم حرمانا متعدد الأبعاد والأوجه سيما على مستوى المؤشرات التربويّة والتنمويّة وهو ما من شأنه مزيد تعميق درجة حرمانهم والقضاء على طموحهم في التطلع إلى النجاح والبروز عبر عبّارة المصعد الاجتماعي الذي يطاله الخراب مرّة أخرى.

كما أتساءل عن الفرضيّات التي اعتمدتموها بخصوص آثار نظام الأفواج على التنظيم الأسري والحياة المهنيّة والإدارات والمؤسسات ... هل أنتم متأكدون أن كل العائلات لها الإمكانيّة أن تترك أطفالها بالمنزل إثر تطبيق نظام الأفواج حيث أن الأطفال مطالبون بالبقاء بالمنزل أو بالشارع يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع ... من سيقوم بمراقبة هؤلاء الأطفال إن كان كل الأولياء يشتغلون؟ وهل يمكن مراقبة احتمال إصابة الطفل بالكوفيد إن كان ذلك غاية ما تخشونه إن بقي خارج أسوار المدرسة يلعب بالشارع مع كل مخاطر الانزلاق للجنوح حيث سنجد كل يوم نصف الأطفال المتمدرسين أي حوالي مليون طفل إما في المنزل أو في الشارع أو في المقاهي ...فرصة لا تعوّض بالنسبة لعصابات الإتجار بالمخدرات بكل أصنافها ... فهل درستم الآثار الاجتماعية والبسيكولوجيّة والسوسيولوجيّة لهذا القرار الكارثة؟ قرارات يمكن أن تكون آثارها أعظم مئات المرات من آثار فيروس الكوفيد 19 السياسي.

وعليه ورغم معرفتي المسبّقة بأن هذه البيانات غير متوفّرة وأن النقابة لم تقم بإعداد هذه الدراسة، فإني أطالبكم بتوضيح هذه المسألة للرأي العام من منطلق حقّي الدستوري في النفاذ للمعلومة لأن هذا القرار سيكون له آثار وخيمة على الطفل والعائلات والمؤسسات والإدارات التونسية ومستقبل الأمّة التونسيّة وآمالها في الرقي والازدهار.


*نضال بن الشيخ                                     

مستشار مستقل في مجال الحماية الاجتماعية

مدير سابق للبحوث بمركز البحوث والدراسات الاجتماعية 2011-2016

المستشار الاقتصادي السابق لوزير الشؤون الاجتماعية 2016-2017



[1] https://data.cdc.gov/NCHS/Provisional-COVID-19-Death-Counts-by-Sex-Age-and-S/9bhg-hcku

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter