alexametrics
فيروس كورونا

عبد اللطيف المكي وجينفر لورنس

مدّة القراءة : 2 دقيقة
عبد اللطيف المكي وجينفر لورنس

00:13

 

على حاسوبي، الندوة الصحفية لوزارة الصحة يتوسطّها خط دائري يشير الى توقف البث بسبب تثاقل الانترنت العرجاء.

الخط اللعين يدور ببطء، الوزيرُ على شاشتي يحاول أن يتكلم، يتلجلجُ فيأتي كلامه مُتقطعا مبعثرا. يرفع الوزير يده، فتعلق الشاشة ويدور الخط في كبد الصورة محاولا انعاش ماتبقى من الفيديو، باطلا. يرتسم الخط حبلا خشنا حول عنقُ المكي الذي يتجشّـأ ُ كلاما غير مفهوم  ;  "نحن.. خطير .. الحجر الصحي .. نخسر .. الموت.. الموت.. "

 

يبكي المكي فيضحك منه الهازؤن. يغادر وزير الصحة المصطبة، يقول وزير الداخلية أن  المخالف للحجر الذاتي ستوجه له تهمة القتل غير العمد.

 

أتذّكر فيديو نشرته صديقة لي تقطن في مالطا، قالت أن الناس جُــنّوا، أن المرضى يخرجون الى الشوارع، يبصقون على أيديهم ثم يمررونها على السيارات ومقابض الأبواب  وكراسي محطات الحافلات.

 

فكرتُ بالقتل، بهذا الفعل وما أصبح يعنيه. منذُ فجرِ البشرّية و الإنسانُ يقتل : يقتل إنسانًا مثله، يقتل فكرة، حضارة، يقبُر الأسماء والأفعال و يُرسلها إلى العدم ليستمّر، ليحيا.

 

حين كنت صغيرة، كنت أسرق صفحة صدى المحاكم من الجريدة وأقرأ عن جرائم القتل البشعة، سكاكين وسيوف ودماء، احداهن تسمم زوجها وثلاثيني يخنق عشيقته والاخر يذبح أخاه من أجل الورث. ويوجد دوما نفس الجريمة التي تحدث في "جلسة خمرية" بقطعة زجاج حادة. ظننت القتل فعلا بربريّا قمئا، لم أتخيل يوما أنه سيكون مرادف الخروج الى الشارع وشراء الخبز..

 

سأحدثكم عمّا تخيّلت من صور ووزير الصحة يحاول تهجئة بيانه القلق : تخيلتُ أما تلدُ كلّ حينٍ. رَحِم سخيّ معطاء بذولْ. ترمي بهم بعيدًا، بعضهم يسير للأفُق مرفوع الرّأس و بعضهم سوداوي يخشى خفّة الهواء.  و كلّما إقتربَ الأجنّة من بعضهم تكالبوا و تشابكوا و قُتِل أحدهم،  فإنْ مات إبتلعتهُ الأمّ و عادت تقذفُ الأجيال بلاَ حسابْ.

 

Mother هو فيلم تمثل فيه "جينفر لورنس" صورة هذه الأم، صورة فلسفية عن الطبيعة الأم والأم في المخيال الديني ورمزية الحياة ذاتها. وبشكل ما، أظنن أننا كلنا في ذلك البيت المُحترق- على وشك أن نصير رمادا، والمكي خارجا شاعر، يلقي قصيدة تفسر الفرق بين العدوى الوافدة والأفقية.. أظن أننا كلنا مُذنبون بحق هذه الأم، التي تريد أن تُطردنا من بيتها عبر الانتقاء الطبيعي لمن عاشوا أكثر، للأضعف.

 

تخيّلت الحقيقة و الكذبة يتناحران  فتقتل الحقيقة و تزهق روحها لتضيع في زخمِ نصر الكذبةِ و تُنسى. . مر بذهني احتراق العالم، وبقاء فتى وفتاة فقط عراة يرقصان في الصحراء، كما تخيلهما محمود المِسعدي رحمه الله.  

 

في الواقعْ، كلّ الأدباء اللّذين أُحبُ، ميتون . قُتل بعضهمْ مجازًا. البعضُ قتلهُ الإهمالْ. و آخرون إغتالهم العقل العربّي. إنّها فِطرةٌ يا سادة. إنّها قصّتُنا المشتركة ، كُلّنا قتلة أو نطمحُ لأن نكونَ قتلة، كُلنّا نبحثُ عن الجزء الأسودِ الذي يتجاوزُ مساحة التّفكير. كلنا أبو هريرة، كلنا نبحث عن الحقيقة، وكلنا نريد أن نكون أعظم من الحياة.

 الموت، الشيء الوحيد الذّي يدفعنا  لأن نحيا، و يحيرنا لإنّهُ الوجه الآخر للوجود.

"نحن.. خطير .. الحجر الصحي .. نخسر .. الموت.." قال عبد اللطيف المكي.

"شر ما في الدنيا أن الحياة عبث ولا أدري لعله خير ما فيها." قال محمود المسعدي.

"لم يعد لديّ شيء لأخسره." قالت الأم في فيلم Mother قبل أن تحرق منزلها وتحترق معه.

 

 

 هل نحنُ سيئون لهذه الدرجة، حتى نُعاقب بفيروس قاتل وانترنت ضعيفة وكوكب مُحترق ووزير باكي وباترياركية تصنف البكاء وهنا تمتهنه النساء ؟

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter