alexametrics
أفكار

في هيستيريا الكائن التونسي العجيب

مدّة القراءة : 2 دقيقة
في هيستيريا الكائن  التونسي العجيب

سيماء المزوغي

لا أعرف أي علوم يمكن أن تفكّك البعض من ميكانيزمات الشعب التونسي العظيم، بجماهيره وأفراده!!


 تلك الميكانيزمات التي يتكئ عليها حتى تمنحه شعورا أفضل بديلا عن القلق اليومي الذي يعيشه..  فتراه مترنحا بين الإنكار والإزاحة والانفصال والمثالية والتقمّص والانحدار والتنفيس والإبطال.. 


غير أنّ هذه الآليات الدفاعية لا تجدي نفعا في الزمكان التونسي، ففي غالب الأحيان، تتطوّر لتصبح هستيريا، وهي ظاهرة يومية مستفحلة في كل مكان ومجال ودون حدود، فكيف نفسّر إذن أننا جميعنا  خبراء ونقاد في مجالات السياسة والثقافة والرياضة والفلك والعلوم... ؟ 


بل ونتزايد جميعنا بلمسة هستيرية سحرية تدّعي في العلم فلسفة، وتحتكر الحقيقة دائما.. ويتنهي أي نقاش عام _ وهنا أخصّ بالذكر النقاشات الفايسبوكية، حول المستجدات اليومية_ بالعقم والسباب والخداع وضرورة أن ينتصر طرف لطرف، أو تنحصر القطيع، مع أو ضد.. وتتلاشى أغلاب الأفكار، لأن أغلب الصراعات والخصومات تُدار لأجل أن نكون مع أو ضد، وبتعويم وتسطيح، دون أن ننسى سكب السّم في الدسم.. وهو ما خلق ثقوبا سوداء في رؤوسنا جعلت منا الشعب التونسي العظيم.. فـ"أيُّها الشَّعْبُ ليتني كنتُ حطَّاباً فأهوي على الجذوعِ بفأسي ليتني كنتُ كالسُّيولِ إِذا سالتْ تَهُدُّ القبورَ رمساً برمسِ"، مازالت أمنية الشابي تتجدّد يوما بيوم.


كيف نفهم نفسيات شعبنا العظيم، بجماهيره، وكيف يفكّر؟ وكيف يتأثّر ويتحرّك ويتهيّج؟ ومتى تريد الجماهير ومتى لا تريد؟ وماذا تريد؟ وكيف نفهم الجماهير في هذا العصر الحديث بكل عشوائيته وفوضويته. 


في هذا العصر الذي تهاوت فيه حقائقنا العتيقة، وأصبحت فيه الجماهير أهم محرّكاته مولّداته، بل غدت هذه الجماهير غيلانا تصارع ولا تقهر.. غير أنّها في الزمكان التونسي تفتقد لبوصلة القائد، أو لشعلة العقد الاجتماعي الذي يجعل لصراعاتها معنى وقيمة ومنافع مشتركة.. مازالت جماهير تتدرج من مرحلة الفطرة إلى مرحلة العقل، وهذا التدرّج ربما يكلّفنا عقودا من الزمن..  


فالحضارة لا تُبنى في الوحل أو بالفوضى أو دون استشراف، والحضارة لا تُبنى بإلغاء الفكر النقدي وردم كل نقاش فكري وبجعل أعراض النساء حطبا لوسائل الاعلام او ثأر حاكم ضال وترك المسارح للنقابات الأمنية، أو لفنان(ة) تافه(ة) يـ(ت)تودّد لأصحاب السلطة ويـ(ت)شتم السابقين منهم/ن، بعد مدحهم/ن ويـ(ت)نخر في مناهج التربية والتعليم والثقافة ولا يزرع فكرا ولا فكرة، ولا يـ(ت)حفر ولا يـ(ت)فكّك ولا يـ(ت)بسّط ولا يـ(ت)حلّل .. بل يـ(ت)سكب السّم في الدسم و يـ(ت)ضحك على الخراء أينما وجد..


وعندما تتخمّر السموم عند الجماهير، بفعل واضعيها وصنّاعها في مجالات السياسة والثقافة والإعلام، بفعل التلفزيون والمسارح .. تتعاظم قوتها التدميرية وتصبح الجماهير أداة وغاية ووسيلة لكل من يحرّكها، بواسطة العواطف المتطرّفة والسموم القاتلة والشعارات العنيفة والاستبداد والتعصّب، ويتأكّد ذلك مع التكرار والمزيد من التكرار بعيدا عن المُحاجّة العقلانية.. 


يؤكد هذا علم النفس الجماعي الفرنسي جوستاف لوبون باعتبار أيضا أنّ "الجمهور غير قادر على الاحتكام للعقل ومحروم من كل روح نَقْديّة، ولذلك فإنَّه يُبدِي سرعة تصديق منقطعة النظير، وكذلك قدرة هائلة على التضخيم والتشويه"..


تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter