alexametrics
الأولى

قفصة تحتج !

مدّة القراءة : 5 دقيقة
قفصة تحتج !

 

انطلقت تونس منذ شهر سبتمبر 2020 في استراد مادة الفسفاط من الجزائر ، في الوقت الذي كانت تحتل فيه المراتب الأولى في انتاج هذه الفسفاط فإلى حدود سنة 2010 احتلت تونس المرتبة الخامسة دوليا في انتاج مادة الفوسفاط . و تستورد تونس حوالي 40 ألف طن من مادة الفسفاط شهريا من الجزائر حتى تتمكن من مواصلة إنتاج الأسمدة الكيميائية .

 

قبل الثورة بلغت القيمة المضافة لشركة فسفاط قفصة 70% من النشاط الإقتصادي لولاية قفصة ،  4% من الناتج المحلي الخام و 10% من قيمة الصادرات و خلال تلك الفترة وصل انتاج الفسفاط الى حدود 6 ملايين طن و بلغ سنة 2010  8.2 مليون طن.

الى ان انتاج الفسفاط اصبح العملة النادرة في تونس مما اجبر الحكومة الى التوجه الى الاستراد لسد حاجيات المجمع الكيميائي و هو ما أشار اليه المدير العام للمجمع الكيميائي التونسي عبد الوهاب عجرود في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء في سبتمبر 2020 حيث اكد ان الغاية من استيراد الفسفاط هو مواصلة الإنتاج بنسق شبه طبيعي  لا يقلّ عن 75% من طاقة إنتاج معامل المجمع الكيميائي التونسي التي تراجعت خلال العشر سنوات الأخيرة إلى حدود 40%، و رجح عبد الوهاب عجرود ان تتراجع طاقة إنتاج المجمع الكيميائي إلى حدود 35 % في سنة 2020 ، و أضاف في ذات السياق أن نسبة الخسائر المالية التي يعيثها المجمع منذ 2012  بلغت حوالي 760 مليون دينار.

 الا ان الإضرابات والاحتجاجات التي عاشتها الجهة خلال السنوات  العشر الأخيرة أدى الى انتكاسة في الإنتاج والى تأزم الوضع المالي لشركة فسفاط قفصة ، و لطالما حذرت المنظمات الوطنية و منظمات المجتمع المدني من انعكاسات الوضع الاقتصادي على الشركة  فمنذ ما يقارب السنة و في شهر سبتمبر 2019  نشر الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة  بيان اطلق فيه صيحة فزع امام الوضع المالي الذي تعيشه الشركة و التي أصبحت حسب بيان اتحاد الشغل :" غير قادرة على تجديد أسطول معدّاتها المتهرّئة، وعلى شراء قطع الغيار لآلات الإنتاج نظرا لتدهور وضعها المالي " و أصبحت  عاجزة عجزا تامّا على سداد ديونها، والإبقاء على تعهّداتها الماليّة إزاء المزوّدين ، و طالب اتحاد الشغل حينها بمراجعة سعر بيع الفسفاط  للشركة التونسيّة  الهنديّة للأسمدة ''تيفارت''، و للمجمّع الكيميائي التونسي حتى تتمكن شركة فسفاط قفصة من تسديد ديونها التي وصلت الى حدود 800 مليون دينار .

الا ان مطالب أبناء الجهة و الدعوات لإنقاذ الشركة بقية حبرا على ورق و ظلت شعارات الحملات الانتخابية للسياسيين نذكر على سبيل المثال رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد و الذي حرص خلال حملته الانتخابية لرئاسيات 2019 على ايلاء ولاية قفصة برنامجا خاصا و في حملته الانتخابية  اكد رئيس الحكومة الأسبق و المترشح للانتخابات الرئاسية عزمه  تخصيص جزء من عائدات انتاج  الفسفاط لولاية قفصة بالإضافة الى نقل مغاسل الفسفاط خارج المناطق العمرانية و توزيع 30 الف هكتار بمنطقة السقي بمعتمدية المظيلة مخصصة للاستثمار الفلاحي مخصصة للجهة ، و الغريب في الامر ان يوسف الشاهد التي ترأس الحكومة لمدة أربعة سنوات لم ينفذ و لم يعلن عن هذه الإجراءات خلال فترة حكمه و اقتصرت الإعلانات على حملته الانتخابية .

الاقتصار على الوعود الواهمة يفسر تواصل الاحتجاجات في ولاية قفصة ، فخلال يوم امس الأربعاء 25 نوفمبر 2020 اقدم المحتجون على إيقاف انتاج الفسفاط بشكل كامل ، و أغلقت جميع الإدارات في الرديف تم غلق مقر المعتمدية و دار الخدمات بالمظيلة من قبل المحتجين المطالبين بالتشغيل و اقدم محتجون من معتمدية زانوش الى غلق الطريق الوطنية عدد 14 .

و مع ارتفاع حدة الاحتجاجات في قفصة و توقف انتاج الفسفاط ، اتخذ رئيس بلدية القطار مبروك عمار قرارا مفاجئ يوم امس الخميس  25 نوفمبر ينص على منع مرور شاحنات نقل الفسفاط ومشتقاته عبر المدينة القطار ، و للإشارة تمر عبر مدينة القطار شاحنات نقل الفسفاط نحو معامل المجمع الكميائي بمنطقة غنوش من ولاية قابس والصخيرة من ولاية صفاقس . هذا القرار خلق مواقف متباينة فالبعض اعتبر ان هذا القرار يندرج في اطار دعم الاحتجاجات التي تعيشها الجهة فيما اتهم البعض الاخر رئيس البلدية الجهة بالتفرد بالرأي دون مراعات المقتضيات الاقتصادية التي تستوجب مواصلة نقل الفسطفاط ، الا ان هذه المواقف مجانبة للصواب ، فقرار رئيس البلدية يأتي في اطار حماية المواطنين من الخطر البيئي الذي قد يتسبب به النقل بالشاحنات كما ان نقل  الفوسفاط بالشاحنات يساهم في تبذير الموارد المالية لشركة فسفاط قفصة فمن الأفضل الالتجاء الى النقل عبر القطار عوض الشاحنات ، و هو ما أشار اليه رئيس المعهد العربي للديمقراطية خالد شوكات و الذي دون على صفحته على الفايسبوك  :" نقل الفوسفاط بالشاحنات عِوَض القطار هو اهم مظاهر الفساد وهدر موارد الدولة وتبذير المال العام ودفع شركة الفوسفاط الى خسارة ملايين الدولارات طيلة سنوات، ذهبت الى جيوب قلة من الفاسدين بدل الذهاب الى خزينة الدول و نقل الفوسفاط بالشاحنات ليس فقد هدرا مريعاً للمال العام، بل إفلاساً للشركة الوطنية للسكك الحديدية، وضرباً للمؤسسات العمومية وتدميرا للقطاع العام ".

 

تتواصل هذه الاحتجاجات في الوقت الذي اعلن فيه رئيس الحكومة هشام المشيشي يوم الثلاثاء 24 نوفمبر 2020 عن جملة من الإجراءات لفائدة ولاية قفصة أهمها :الاعلان عن فتح المناظرات المعلن عنها في مجالس وزارية سابقة  في شركة فسفاط قفصة و المجمع الكيميائي و شركة الغراسات و البستنة ، تحويل مطار قفصة الدولي الى مطار شحن بقيمة 12.5 مليون دينار، الانطلاق بداية من مارس 2021 في اشغال المستشفى المتعدد الاختصاصات بقفصة و جراء اختبارات مناظرة انتداب 579 عون تنفيذ بشركة فسفاط قفصة قبل موفى السداسي الأول لسنة 2021 .

لم تمنع الإجراءات التي اعلن عنها رئيس الحكومة خلال المجلس الوزاري المضيق من تواصل الاحتجاجات و لم يوقف اعلان رئيس الحكومة نزيف الغضب الذي يشعر به أهالي ولاية قفصة ، و لعل الغريب في هذا المجلس الوزاري هو تغييب اتحاد الشغل و اتحاد الصناعة و التجارة حين اتخاذ هذه القرارات وهو ما اعتبره النائب السابق و القيادي في حزب العمال عمار عمروسية صعفة للمنظمات الشغيلة :" اتحاد الشغل و اتحاد الصناعة و التجارة تلقوا صفعة على وجوههم " حيث لم تتم دعوتهم للتشاور حول هذه القرارات و أشار عمار عمروسية في فيديو نشره على صفحته على الفايسبوك يوم امس الخميس 25 نوفمبر 2020 ان الحكومة هي التي قامت بإشعال الاحتجاجات الحالية و اعتبر عمروسية في سياق حديثه :" ان الحكومة تهتم فقط بالثروات الموجودة في الجهات على غرار فسفاط قفصة" و لا تهتم بالمواطن على حد تعبيره .

لا تزال بعض الجهات التونسية تعاني من التهميش و الفقر و الخصاصة و لا تزال الحكومات المتعاقبة تعلن عن إجراءات و وعود يصعب تنفيذها في ظل الوضع الاقتصادي و الصحي الراهن ، لكن تعاطي المجتمع مع هذه الوعود هو الذي تغير وهو ما يفسر تواصل الاحتجاجات في قفصة و تطاوين رغم تعهد الحكومة بتنفيذ وعودها ، غياب الثقة بين المواطن و الحكومة ينذر بالخطر و قد يؤدي الى ازمة مجتمعية سيصعب السيطرة عليها اذا واصلت الحكومة سياسية المماطلة و اذا تواصلت الاحتجاجات

 فالحل لن يكون بالوعود الزائفة و لا بالاعتصامات انما بالحوار و باتخاذ إجراءات فعلية جريئة تقاوم الفساد الذي ينخر الاقتصاد التونسي و تسعى الى تكريس العدالة بين الجهات .

رباب علوي

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter