alexametrics
أفكار

كوفيد 19: العبرة بالخواتيم!

مدّة القراءة : 7 دقيقة
كوفيد 19: العبرة بالخواتيم!

 

نشرنا في هذا المنبر قبل أسبوعين، بتاريخ 27 أفريل الماضي، مقالا حول المستجدات الإحصائية لانتشار جائحة كوفيد 19 من حيث عدد الإصابات وعدد الوفيات.

 

وقد ركزنا على ست دول انتشر فيها الوباء أكثر من أي مكان آخر في العالم وألحق بمجتمعاتها أضرارا بشرية فادحة وهي (الولايات المتحدة، بريطانيا، إيطاليا، إسبانيا، فرنسا وألمانيا)، حيث أن عدد الإصابات بفيروس كورونا في تلك الدول كان في ذلك التاريخ يناهز مليونا وتسعمائة ألف إصابة (بنسبة تناهز 70% من إجمالي الإصابات على مستوى العالم البالغة آنذاك حوالي 3 ملايين إصابة)، بينما ناهز عدد الوفيات في الدول الست مجتمعة 155 ألف ضحية (بنسبة تضاهي 75% من الوفيات على مستوى باقي دول العالم البالغة آنذاك 208 آلاف حالة وفاة)، علما أن عدد سكان الدول الست يناهز 660 مليون نسمة نصفهم في الولايات المتحدة، يمثلون مجتمعين نحو 8% من سكان المعمورة.

 

ولتكون الأرقام والإحصائيات ذات مصداقية أمام القارئ الكريم لمحاولة فهم طبيعة هذا الوباء غير المسبوق وكيفية انتشارة ولماذا تضررت منه دول أكثر من غيرها، ولماذا انتشرت العدوى بالفيروس بشكل وبائي في أكثر دول العالم ثراءً وتقدما في الطب والخدمات الصحية والبحث العلمي والتكنولوجي… فقد أكدنا على أهمية مراعاة جوانب عدة لعل أهمها في هذا المجال أن البحوث الوبائية والإحصائيات الرسمية أو شبه الرسمية الصادرة عن الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والتي تشمل حوالي 210 من الدول والأراضي والمستعمرات بخصوص انتشار فيروس كوفد 19 منذ أن ظهر في الصين في موفي 2019، تبقى تقريبية.

 

فمن المستبعد ومن غير المنطقي أيضا أن تكون تلك الإحصائيات والأرقام ذات دقة علمية وإحصائية تجسد على أرض الواقع الحقائق المروعة التي كبلت العالم وحاصرت الناس ونشرت الرعب والموت بينهم، وذلك بالنظر إلى التفاوت الكبير في الإمكانيات المتوفرة للدول و نوعية الاختبارات والفحوصات المتاحة التي تجريها على سكانها لتحديد حجم الإصابات ومدى انتشار الوباء…

 

وبالنظر إلى أن هناك العديد من الأسئلة المحيرة حول كيفية انتشار الفيروس ولماذا أصابت الجائحة دولا أكثر من أخرى ولماذا تركزت جل الأضرار البشرية في دول قليلة جدا لا يتجاوز عددها 20 بلدا من مجموع الـ 210 التي يجري إحصاءها، فإن تلك التساؤلات ستبقى مستعصية على الإجابة، حتى بالنسبة للمختصين والخبراء مثل الدكتور Anthony Fauci، مدير المعهد الوطني الأمريكي لأمراض الحساسية والأوبئة، وهو قمة عالمية في مجال اختصاصه، والذي لم يتردد في التأكيد في شهادته أمام مجلس الشيوخ يوم 12 ماي عندما قال "إننا ما زلنا لا نعرف الكثير عن طبيعة هذا الفيروس ومن غير المأمول إيجاد لقاح له على المدى القريب".

 

ولمحاولة التعمق والإحاطة أكثر بكيفية انتشار الوباء وحجم الأضرار التي يُلْحِقُها بالبلدان التي يجتاحها، نقترح توسيع دائرة التأمل والتساءل من خلال زيادة قائمة الدول الست الأكثر تأذِّيا من انتشار المرض، ليصبح عدد البلدان المشمولة بالإحصاء في هذا المقال 10 بلدان بدل 6، وهي البلدان التي تتصدر قائمة الدول المشمولة في الإحصاءيات العالمية من حيث أكبرعدد من الإصابات وعدد الوفيات. 

 

هذه البلدان التي سجلت أعلى نسبة من الإصابات والوفيات بفيروس كورونا هي: الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا وتركيا وإيران والبرازيل.

 

- عدد سكان البلدان الـ 10 مجتمعة: زهاء 1170 مليون نسمة، أي ما يناهز 15% من سكان العالم.

 

- عدد الإصابات بكوفيد 19 بالدول العشر بتاريخ اليوم 13 ماي: نحو 3 ملايين و200 ألف إصابة، أي ما يوازي 75% من الإصابات على مستوى العالم البالغة 4 ملايين وأربعمائة ألف إصابة حتى اليوم.

 

-عدد الوفيات بالدول العشر بتاريخ 13 ماي: زهاء 245 ألف ضحية أي بنسبة تراوح 80% من إجمالي الوفيات على مستوى العالم والتي قاربت هذا اليوم 300 ألف حالة وفاة.

 

- عدد الإصابات في الولايات المتحدة وحدها إلى هذا اليوم: زهاء مليون واربعمائة ألف إصابة، بنسبة تضاهي نحو 33% من عدد الإصابات في العالم

 

- عدد الوفيات في الولايات المتحدة إلى هذا اليوم: حوالي 84 ألف ضحية، أو ما يعادل نحو 30% من الوفيات في باقي دول العالم.

 

مع العلم أن عدد الوفيات بين الأمريكيين بسبب كورونا لم يكن يتجاوز بتاريخ 1 مارس الماضي 150 ضحية على مستوى البلاد بأكملها، وهذا يعني أنه على مدى الـ 75 يوما الماضية، فقدت القوة الإقتصادية والمالية والعسكرية الأعظم في العالم معدلا من الضحايا يفوق 1300 شخصا يوميا!

 

هذه الأرقام المروِّعة والمثيرة للحيرة والجزع تُبين بما لا يدعو مجالا للشك مدى المعاناة والعذاب اللذين تعيشهما البلدان العشرة التي تمعَّنَّا في إحصائياتها أكثر من البلدان ألأخرى في العالم منذ ظهور جائحة كوفيد 19 في الصين في ديسمبر الماضي وتفشيه في بقية أنحاء العالم.

 

ومما لا شك فيه أن هناك أسبابا ومبررات موضوعية لِتَأّذِّي البلدان العشرة المذكورة أعلاه أكثر من أي بلدان اخرى في العالم من الوباء، سيما فيما يتعلق بتردد حكوماتها و تلكؤها في اتخاذ الإجراءات الصارمة للتوقي من المرض واحتواء انتشاره على أضيق نطاق ممكن عن طريق فرض الحجر الصحي الشامل والتباعد الإجتماعي على الناس واتخاذ الإجراءات الملائمة لمواكبة الدورة الإقتصادية ومنظومة الإنتاج لتبعات انتشار الوباء.

 

لا بل إن بعض الحكومات قد تعاملت في بداية الوباء بكل استخفاف مع ظهور الفيروس وبداية انتشاره، واعتبرت أن هذا المرض سينتهي في غضون أيام قليلة، سيما إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي ما زال يصف كورونا ب "الفيروس الصيني" وكان يقول في بداية ظهور الوباء أنه لا يختلف كثيرا عن نزلات البرد والزكام التي يعرفها العالم، لكن مع تفشي الفيروس واجتياحه المدن الأمريكية، وسقوط آلاف الضحايا، كشفت الجائحة كل عوراته ومدى الوقاحة والتهور وسوء التقدير والتسيير التي اتسمت بها تصرفاته ومعظم قراراته.

 

لكن تلك المبررات الموضوعية لا يمكن أن تفسر وحدها الإنتشار المرعب للمرض والتفاوت الكبير بين الدول والمجتمعات في الإصابة به وهذا العدد المهول من الضحايا الذين قضوا بسببه في بلدان دون أخرى، إذ ما تزال هناك أمور كثيرة يحيطها الغموض بخصوص انتشار الوباء و تفشيه بِنِسَبٍ مروعة في دول دون غيرها، وستظل هذه الأمور مثيرة للحيرة والتساؤل والهلع، وأحيانا للريبة والشك، سيما وأنه لم تتوفر حتى الآن معطيات علمية أو طبية دامغة حول طبيعة هذا الفيروس ومن أين أتى وكيف انتشر بين الناس وحجم المناعة من مضاعفات الإصابة به بين شخص وآخر، وربما بين مجتمع أو مجموعة سكانية وأخرى في العالم. 

 

ففي مقابل إبادة الفيروس مئات آلاف الضحايا في الدول العشر التي أحصينا، نجد أن الصين والهند اللتيْن يناهز عدد سكانهما مجتمعين 2 مليار و800 مليون نسمة، وهو ما يعادل 38% من سكان العالم، سجَّلتا أرقاما ضعيفة جدا في عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا على الرغم من أن الوباء ظهر وتفشى في العالم انطلاقا من مدينة ووهان الصينية، وعلى الرغم من أن أن عدة مناطق في البلدين العملاقين جغرافيا وسكانيا تعاني من فقر مدقع وكثافة سكانية عالية. 

 

- عدد الإصابات بفيروس كوفد 19 في الصين إلى يومنا هذا:  83 ألف ( أي نحو 6% من عدد الإصابات المسجلة في الولايات المتحدة وأقل من 3% من الإصابات المسجلة في الدول العشر مجتمعة)

 

- عدد الوفيات المسجلة في الصين بفيروس كورونا: 4600 (أربعة آلاف وستمائة ضحية) منذ ظهور المرض، مع الإشارة المهمة هنا إلى أن الإحصائيات الصينية لم تتغير منذ أكثر من 6 أسابيع!

 

- العدد الجملي للإصابات بالفيروس في الهند إلى يومنا هذا: حوالي 75 ألف إصابة.

 

- إجمالي عدد الوفيات في الهند إلى يومنا هذا: حوالي 2500 وفاة ( فقط ألفين وخمسمائة ضحية)!

 

وهذا يعني أن البلدين اللذيْن يأويان أكثر ثلث سكان المعمورة لم تسجل فيهما مجتمعين إلا نحو 160 ألف إصابة بالفيروس، (أي أقل من 4% من حجم الإصابات في العالم)، وفقط زهاء 7500 حالة وفـــاة ( أي بمعدل لا يتجاوز نقطتيْن ونصف % بالمقارنة مع العدد الإجمالي لضحايا الفيروس في العالم).

 

لكن أكثر الأرقام إثارة للدهشة والإنبهار هو أن عدد الحالات التي تقول الصين إنها شُفيَت من الإصابة بالفيروس تجاوز 78 ألف حالة، أي بنسبة "إعجازية" تناهز 90% من الإصابات المسجلة وأن عدد المصابين حاملي الفيروس الذين ما زالوا يخضعون للعلاج لا يتجاوز 104 حالة (نعم فقط 104 حالات).

 

وهذا يعني أن فيروس كوفيد 19 الذي أعلنت الصين رسميا ظهوره لديها عشية احتفالات العالم بحلول سنة 2020 قبل أن يجتاح بقية أرجاء العالم قد تلاشى تماما واختفى من الأراضي الصينية في غضون شهرين من الزمن لا غير!

 

لكن أحدا لم يسأل القيادة الصينية ما الذي فعلته بالضبط، إلى جانب الإجراءات الصارمة التي اتخذتها لفرض الحجر الصحي و العزل الإجتماعي، كي تنجح في القضاء على الفيروس بهذه السهولة وهذه السرعة بينما تتخبط دول عظمى أخرى من أجل إغاثة المنكوبين ووقف دائرة الموت؟

 

- أما بالنسبة للبلدان العربية، فإن ما يثير الإنتباه هو أن هناك تفاوتا كبيرا في عدد الإصابات والوفيات بين دولة وأخرى، فتونس التي يناهز عدد سكانها 12 مليون نسمة سجلت نسقا منخفضا نسبيا في عدد الإصابات والوفيات إلى هذا اليوم، وتوفقت حكومتها والسلطات الصحية والطبية فيها في تطويق العدوى و احتواء انتشار الوباء (نحو 1050 إصابة و42 حالة وفاة، ولم تسجل إصابات جديدة على مدى الأيام القليلة الماضية)، كما أن المغرب والجزائر اللذيْن يتجاوز عدد سكان كل منهما 3 أضعاف التونسيين حافظا على نسق محدود من الإصابات (حوالي 6500 إصابة في كلا البلدين، و190 وفاة في المغرب بينما نسبة الوفيات مرتفعة بعض الشيئ في الجزائر بأكثر من 500 ضحية).

 

- في المقابل، فإن بلدا مثل قطر، الذي لا تتجاوز مساحته 11400 كلم مربع وعدد سكانه 3 ملايين نسمة، حوالي 75% منهم من العمالة الوافدة، سجل نسبة إصابات مرتفعة ناهزت إلى اليوم 27000 ألف إصابة، لكن من حسن الحظ أن نسبة الوفيات بقيت محدودة جدا (فقط 14 حالة إلى اليوم) حسب الإحصائيات الرسمية.

 

بعد كل هذا، يتبين أن الأرقام المجردة وحدها مهما كانت صادقة، قد لا تعني الكثير ولا تفيد في شيئ سوى في قياس حجم المعاناة والمحنة التي ابتُليَتْ بها الإنسانية جراء هذه الجائحة التي لم تكن الأولى في تاريخ البشرية وسوف لن تكون الأخيرة بالتأكيد. 

 

فقد تعرضت البشرية عبر التاريخ إلى أوبئة وجوائح عدة تسببت في سقوط ملايين الضحايا لعل أكثرها ضراوة وباء "الرشح الإسباني Grippe Espagnole" الذي اجتاح العالم مع نهاية الحرب العالمية الأولي عام 1918 وتسبب في وفاة ما بين 30 و50 مليون نسمة عبر العالم. 

 

وفي السنوات القليلة الماضية، ظهرت للناس أوبئة عدة مثل "سارس" و"مارس" و"إيبولا" وغيرها...رغم ذلك، فإن جميع دول العالم، غنيها وفقيرها، قويها وضعيفها... لم تتعظ من دروس الماضي، لا القريب ولا البعيد، وما زالت عاجزة بدرجات متفاوتة على التعامل مع تفشي مثل هذه الجوائح بما يضمن تطويق انتشارها والحد من أضرارها ومعالجة أعراضها وحماية مواطنيها. 

 

ولربما يكون في جائحة كوفيد 19 التي ما زلنا لا نعلم الكثير عن طبيعتها وتبعاتها والرواسب التي ستخلفها في  بلداننا ومجتمعاتنا جانب واحد مضيئ: وهو أن هذا الفيروس التافه الذي لا يُرى بالعين المجردة فرض على الإنسانية قاطبة وعلى كل دول العالم، سيما أعتاها وأكثرها قوة ومالا وعلما وعتادا، وأحيانا أنانية وغطرسةً، مراجعة حساباتها ومكامن قوتها وإعادة النظر في أولوياتها وأسلوب تفكيرها ومنوال تنميتها وإنتاجها وأنظمتها الصحية وتعاملها مع بعضها البعض...للإهتمام أكثر بالإنسان، بصحة الإنسان التي هي حق من حقوقه الأساسية البديهية، حتى يصبح الأمن الصحي لذلك الإنسان جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المشترك للدول وللشعوب…أو ما يمكن أن نطلق عليه "الأمن الصحي لبني البشر"..لأن مثل فيروس كوفيد 19 لا يكترث لا بالحدود ولا بالدخل الفردي الأعلى ولا بالصواريخ البالستية وأسلحة الدمار الشامل ولا بالخطط الإستراتيجية ولا بغباء السياسة أو جهالة السياسيين... والعبرة بالخواتيم ولا بد لليل أن ينجلي...

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter