alexametrics
آراء

لقد توفّرت كل أسباب قيام ثورة جديدة

مدّة القراءة : 7 دقيقة
لقد توفّرت كل أسباب قيام ثورة جديدة

يبدو أنكم نسيتموه جميعا وقريبا سألتحق بكم وأنساه مثلكم .. إنه الطفل صاحب الخمسة عشر ربيعا الذي قام أمنيون بتجريده من ثيابه خلال اشتباكات بين الشرطة وشبان محتجين بمنطقة سيدي حسين .. هذا الطفل مازالت العدالة لم تنصفه وتمكّنه من حقّه. كنا نعلم منذ البدية أنه سيتم التستر على الجريمة وإغلاق الملف وهذا ما يحدث بالفعل بعد مرور 32 يوما على تلك الحادثة .. مازال الأمنيون المعتدون خارج السجن .. لا نعرف هوياتهم وأسماءهم كما نجهل الإجراءات المتبعة في حقهم .. ما عاد أحد يثير هذا الموضوع .. فقط سنمرّ إلى الفضيحة التالية .. إنه أمر مزعج ومثير للغضب أليس كذلك ؟

 

هناك قضية أخرى يحاولون الزج بها في طي النسيان وهي قضية وكيل الجمهورية السابق، البشير العكرمي المتهم بالتستّر على ما لا يقل عن 6268 قضية إرهابية .. بفضل هيئة الدفاع في قضية الشهيدين بلعيد والبراهمي، تعود القضية لتطفو على السطح من جديد، كلما كانت هناك محاولات للتشويش عليها وإلهاء الرأي العام .. هيئة الدفاع بصدد نشر، على مراحل، فحوى تقرير التفقدية العامة لوزارة العدل والذي تم إغفاله وتجاهله .. وبالتالي صارت المستجدات تحت أضواء الإعلام الذي صار من دوره كشف الحقيقة الفضيحة .. تحية إلى هيئة الدفاع التي وجدت الحيلة المناسبة لفضح ألاعيب الإسلاميين.

 

لكن هذه الحيلة لم ترق لكل الناس .. في الدول المحترمة، حيث هناك إعلام قوي يمارس ما يلزم من الضغط على السياسيين، كان يفترض أن يكون البشير العكرمي في الإيقاف التحفظي في انتظار التثبت من الوثائق والحقائق .. أما في بلدنا فإن وكيل الجمهورية السابق، ينتظر حرا طليقا في مقر إقامته، ما سيقرره مجلس التأديب (من المنتظر أن يعقد اليوم) .. قلت إن هذه الحيلة التي لجأت إليها هيئة الدفاع، لم ترق إلى كل الناس .. في الدول المحترمة كان يفترض دعوة أعضاء هذه الهيئة إلى بلاتوهات القنوات التلفزية ودعتهم من قبل رئيس الجمهورية والاستماع لهم من النيابة العمومية ومن كل الذين يؤمنون بأن العدالة يجب أن تكون فوق الجميع. لكن في تونس صارت الأمور معكوسة .. لقد أضحى أعضاء الهيئة محل تشويه من الإسلاميين وملاحقة من القضاة.

 

رضا الردّاوي وهو أحد أعضاء هيئة الدفاع في قضية الشهيدين، صار محل شكاية جزائية، رفعتها ضده جمعية القضاة التونسيين، وهي ثاني أكبر هيكل نقابي للقضاء في تونس، إن لم تكن الأكبر وقد اختارت التصعيد للدفاع عن العكرمي.

 

من هو القاضي الذي سينظر في ملف الردّاوي ؟ هل ينتمي إلى جمعية القضاة أو إلى نقابة القضاة التونسيين ؟

 

بغض النظر عن انتمائه، فإن نزاهته مشكوك فيها، بما أن جمعية القضاة طرف في القضية .. هناك مثل شعبي يقول "إذا كان خصمك القاضي فمن تقاضي ؟". وهذا هو حال الأستاذ رضا الردّاوي .. فهذا المحامي كشف عن ملف متفجّر وهاهو يجد نفسه ملاحقا قضائيا ! أليس هذا شكل من أشكال الإلهاء والتشويش على القضية الأصلية ؟ أليس هذا نوع من أنواع الاستفزاز ؟ إنه أمر مزعج ومثير للغضب أليس كذلك ؟

 

هناك قضية أخرى يحاولون بكل الطرق إدخالها طي النسيان وهو ملف القاضي الطيب راشد، الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ورئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين والعضو السابق في المجلس الأعلى للقضاء (تم تجميد عضويته).

 

الطيب راشد متهم بتبييض الأموال وبعض التهم الأخرى .. هو محسوب على الشق الخصم للبشير العكرمي لذلك تريد جمعية القضاة الإطاحة به .. في المقابل تدافع عنه نقابة القضاة بشراسة وهو ما جعل المجلس الأعلى للقضاء في حالة انقسام تام .. هل ترون ما أقصد ؟ بالفعل المسألة معقّدة وقذرة .. وهذه هي الفكرة الأساسية التي يمكن الخروج بها من هاتين القضيتين .. هذه هي الصورة التي يعكسها قضاؤنا وقضاتنا اليوم .. بلا عدالة لا يمكن الحديث أبدا عن تنمية ولا مجتمع ولا نمو ولا عن دولة أصلا .. الأمر مزعج ومثير للغضب أليس كذلك ؟

 

قرر الإسلاميون من جديد إثارة مسألة "صندوق الكرامة" الذي يفترض أن يتم من خلاله التعويض ل"ضحايا" النظام السابق .. 29950 شخصا تشملهم هذه التعويضات التي تقدّر قيمتها الجملية بما يناهز 3 مليارات من الدنانير .. كان يفترض أن يكون هذا الصندوق ممولا من ميزانية الدولة (في حدود 10 م د) ومن هبات أجنبية .. مرة أخرى يتم اللجوء، بإسمنا، للهبات والتسوّل. ماهي الأولوية اليوم ؟ هي هو الكوفيذ 19 وإعادة الإنعاش الإقتصادي أو تعويض أشخاص يدّعون أنهم ضحايا ؟

 

المناضلون الحقيقيون لا يطالبون بالتعويضات وإنما هم في حاجة فقط إلى الإعتراف لهم .. وباعتباري سليل عائلة من المناضلين الذين توشّح أسماءهم بعض الأنهج، لدي فكرة دقيقة عن النضال الحقيقي .. أشخاص من أمثال الراحلة مية الجريبي ونجيب الشابي وحمة الهمامي وغيرهم بالآلاف يعرفون جيدا ما هو النضال الحقيقي .. حين تطالب بالتعويض عن نضالك، فأنت لم تعد مناضلا بل صرت أشبه ما يكون للمرتزق.

 

كم من بين هؤلاء الذين يناهز عددهم الثلاثين ألفا، ناضل حقا من أجل الوطن ؟ لا شك أنهم قلة قليلة.

 

أغلبهم ناضلوا من أجل فرض الإسلام (إسلامهم من وجهة نظرهم) بالقوة على الناس حتى تصبح الشريعة الإسلامية هي القانون الفيصل بينهم.

غالبيتهم نضالوا في سبيل الحصول على مكان في الجنة، لأنهم يعتقدون أن الله أمرهم بالجهاد فوق أرض تونس.

كثير منهم وربما يكونون الأغلبية الساحقة، تحصّلوا على تعويض من خلال انتدابهم في الوظيفة العمومية وهم يشغلون اليوم وظائف وهمية.

العديد منهم حملوا السلاح في وجه رجال الأمن التونسي.

كثير منهم ألقوا ب"ماء الفرق" على وجوه مواطنيهم.

وكم منهم تمت إدانتهم من أجعال أعمال إرهابية ثابتة ومؤكدة.

 

إنهم هؤلاء الأشخاص الذين تسعى اليوم حركة النهضة إلى تعويضهم ! هذا الحزب يريد أن يحقق المزيد من الغنائم بدس كرامتنا أكثر في الوحل .. إنه ليس صندوق الكرامة بل صندوق الذل والحقارة والدناءة ! بدلا من تعويض إرهابيي الأمس، لم لا نعوّض عائلات شهداء الوطن الذين استشهدوا خلال العشرية الأخيرة تحت حُكم الإسلاميين ! أولئك أحق منهم لكنهم عالأقل يتمتعون بشيء من الكرامة ! هذا الأمر مثير للغضب ! فلنعبّر عن استهجاننا !

 

الحدث الأسوء خلال الاسبوع المنقضي كان بلا نقاش تخفيض ترقيم تونس من قبل وكالة فيتش رايتنغ .. لقد مررنا من "ب" إلى "ب-" مع آفال سلبية.

 

لقد قوبلت المعلومة بشيء من التجاهل واللامبالاة من طرف الرأي العام الذي بدا وكأنه غير واع بخطورة الأمر.

 

ومع ذلك فإن هذه المعلومة جوهرية .. كان يفترض أن تتجنّد لها الرئاسات الثلاث ليضفوا عليها ما يلزمها من الأولوية المطلقة.

 

 هل تعلمون أن بضعة أشهر تكفي للمرور إلى ترقيم أدنى لكن يلزمنا عشر سنوات للارتقاء إلى ترقيم أعلى ؟ هل تعلمون أن هذا التخفيض سيجعل من لجوئنا للسوق الدولية أصعب وأكثر كلفة ؟ وأن قرار التخفيض هذا سينفّر المستثمرين الأجانب أكثر ؟ وأن لها تأثيرا مباشرا على نسبة النمو وعلى البطالة ؟ أكيد قلة من يعرفون كل هذه الأمور .. وهذا أيضا مثير للغضب والإنزعاج.

 

سجلنا خلال الأسبوع الماضي أرقاما قياسية من حيث حالات الوفاة جراء الكوفيد 19 في تونس .. كدنا نسجّل 200 حالة وفاة في يوم واحد .. لقد تجاوز العدد الجملي للوفيات 16 ألفا، يوم السبت الماضي .. كم من بين هؤلاء كنا قادرين على إنقاذهم ؟ المئات حتى لا نقول الآلاف .. فقط لو أن الدولة كان لها إمكانيات أكثر ولو أنها توفقت أكثر في سياستها الإتصالية وفي تحسيس الناس واستباق حاجياتهم لكنا تفادينا الكثير من الوفيات. من هو المسؤول عن كل هذا ؟ البعض يتهم الشعب .. ليس خطأ لكن إذا كان الشعب أحمقا، فإن على قادته (النخبة) الأخذ بيده والنهوض بوضعه. لا يمكننا إلقاء اللوم على الشعب إذا كان مغفلا وغير واع .. اللوم كل اللوم على هؤلاء الأشخاص الذين ندفع لهم مرتباتهم ليحكمونا ويحموا حياتنا .. هذه قائمة هؤلاء الأشخاص.

 

ومع ذلك لقد حُصّل ما في الصدور .. لم يبق لنا سوى الدموع لنبكي 16 ألف شخص .. لا فائدة من النبش في الجراح .. ماذا فعلت الدولة للتخفيف من الأضرار وتجهيز المستشفيات وتلقيح الشعب ؟ الجواب: لم تفعل شيئا غير التسوّل. الرئاسات الثلاث توجهت جميعها لطلب العون والمساعدات العاجلة من الخارج .. هم يتسابقون في ذلك حتى يثبتوا لنا أنهم منشغلون بصحة التونسيين .. الرئيس قيس سعيّد (بلقاءاته في نهاية الأسبوع وبلاغاته قبيل مطلع الفجر) طلب المساعدة من مصر ودولة الإمارات .. إسلاميو حركة النهضة والإسلاميون المتشددون لائتلاف الكرامة يدّعون أن شيخهم راشد الغنوشي توفّق في الحصول على موافقة الأتراك والقطريين من أجل مساعدتنا. هشام المشيشي توجّه إلى فرنسا لطلب المساعدة من مغتربينا هناك.

 

من هناك انطلق طوفان البلاغات والصور التي تؤرّخ لوصول المساعدات الأجنبية .. نعم أيها المواطنون الأعزاء لقد وصلنا إلى حد التسوّل واستجداء التلاقيح ومكثفات الأوكسيجين من الغير .. وبعد كل هذا يدّعون أن الثورة التونسية هي ثورة الكرامة .. عن أية كرامة تتحدّثون ؟ ! أيها الحكّام الفاشلون لقد شوهتم تونسنا العزيزة .. لقد مرّغتم كرامتنا في الوحل .. أفرغتم خزينة الدولة .. قتلتم 16 ألف شخص ! كم هذا مثير للغضب والإنزعاج !

 

لمجابهة الكوفيد، اتخذت السلطات العديد من الإجراءات ومن بينها الحجر الصحي الإجباري في نهاية الأسبوع ومنع جولان العربات ومنع الدخول إلى بعض المناطق أو الخروج منها .. كل هذا نظريا جميل.

 

لكن عمليا أي على الميدان .. كان الواقع مغايرا تماما لهذه الإجراءات ولا يمكننا إلقاء اللوم على الأمنيين تحت أشعة الشمس الحارقة ليطبقوا قرارات متناقضة وغير مقبولة وقائمة طويلة من الاستثناءات.

 

إذ أن الفئات المستثناة من هذا الحجر الإجباري وقرارات المنع، هم العاملون في القطاعات الحيوية وهذا طبيعي ومعمول به.

 

بالنسبة إلى صائفة 2021 تم إضافة استثناء جديد وهو أمر سريالي لا يصدّق .. هم حرفاء الفنادق والنزل الذين حجزوا إقامة في إحدى المؤسسات الفندقية، مسموح لهم بالتنقل بكل حريّة وبمغادرة المناطق التي تشهد نسب عدوى مرتفعة .. هذا الإجراء  يخضع لمنطق اقتصادي وهو تمكين أصحاب الفنادق من مواصلة العمل والمحافظة على قوت الآلاف من العملة .. كل هذا جيّد لكن هل تم التفكير ولو لحظة واحدة في حالة الإحباط وخيبة الأمل التي شعر بها ملايين التونسيين الذين لم يحجزوا في الفنادق نظرا لضيق الحال وانعدام الإمكانيات ؟

 

نعم توجد فوارق في كل المجتمعات وهذا طبيعي إنه قانون الرأسمالية وقانون الفرص والحظ .. لكن أن تكون الدولة هي السبب في التفرقة بين أفراد مجتمع واحد فهذا غير معقول ولا مقبول.

 

بوضوح لدينا اليوم أربع طبقات إجتماعية .. الأثرياء الذين يقضون عطلتهم في الخارج .. الطبقة الوسطى العليا التي تحجز في الفناجق والطبقة الوسطى السفلى التي فرض عليها الحجر الذاتي وممنوعة حتى من الذهاب إلى الشاطئ في الضاحية وهناك الطبقة الفقيرة التي تكافح من أجل لقمة العيش، بالتمرّد على التعليمات الصحية وما يعنيه ذلك من مخاطر على صحتهم وحياتهم.

 

أليس هذا مثيرا للغضب ؟ بل أسوأ من ذلك .. لقد أصبحت متوفرة العناصر الضرورية لقيام انتفاضة شعبية فعلية .. ثورة جديدة .. ثورة لن تعصف بالقيادات الحاكمة فقط، بل ستجبر المحتجّين على مهاجمة الميسورين وأولئك المحظوظين الذين حبتهم الطبيعة والدولة بعطفها وامتيازاتها.

 

لقد بدأت القدر تغلي ببطء وهي حتما ستنفجر .. وهذه هي النتيجة الطبيعية التي تنتظرنا بسبب هذه السياسة الكارثية والحمقاء التي اتبعها حكامنا.

 

بمثل هذا الحجم من المظالم .. ومن المحاباة .. ومن المحسوبية .. ومن التمييز .. ومن المخالفات والتجاوزات .. وبهذا القدر من الأنانية ومن العمى السياسي .. لا وجود لأي نهاية أخرى ممكنة.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0