alexametrics
أفكار

"مابقي من الدولة التونسية" في مواجهة الكورونا : هل انتهت فعلا حلول الأرض ؟

مدّة القراءة : 3 دقيقة

 

 

الحيلة الأصلية...  

حصر الخيار بين الموت جوعاً والموت مرضاً عملية تحيل كبرى. على الدولة أن تحمي مواطناتها ومواطنيها من المرض بإجراءات صحية ناجعة تسهر على تطبيقها وأن تقي كل من يحتاج من الجوع وهذا ممكن ! ممكن عبر التحويلات الاجتماعية ممن لم يتضرر من الكورونا أو استفاد منها نحو من مسته في صحته وفي قوته.

 

تونس دولة قابلة للحكم لكن تسيرها مجموعة غير مؤهلة للحكم...  

أثبتت تونس أنها دولة قابلة للحكم بل وفي أصعب الظروف. إذ تمكنت من حسن إدارة الموجة الأولى عبر ثلاثية الصحة والاقتصاد والسياسة. كان تطبيق الاجراءات الصحية - على ما صاحبه من انتقادات - جديا وصاحبته سياسية اتصالية قادها رئيس الحكومة نفسه ووزراءه من كل الأطياف. كان الهاجس الاجتماعي والاقتصادي في قلب إدارة الأزمة وصاحبت كل القرارات الصحية اجراءات لحماية الفئات الهشة والمؤسسات الاقتصادية. في الجانب الاجتماعي، وصلت التحويلات الاجتماعية إلى أكثر من مليون عائلة فقيرة أو محدودة الدخل. كما حافظ 350 ألف أجير على مواطن شغلهم بفضل مساعدات الدولة وكانت 22 مليون دينارا كافية لتسند الدولة 110 آلاف من المنتصبين لحسابهم الخاص ومنهم أصحاب المقاهي والمطاعم وسيارات الأجرة المتضررين من الحجر وحظر التجول. 

لم تكن مبالغ خيالية وكانت ظروف الحجر أكثر صرامة وأطول، لكنها كانت رسالة واضحة بأن الدولة لن تترك مواطناتها ومواطنيها وأنها توفر لنفسها كل فرص النجاح في سياستها الصحية. كان المواطن في قلب العملية وكانت الإرادة السياسية وراء كل التقدم الذي أحرزته الدولة في تحيين قواعد البيانات وخلق المنصات الألكترونية لتصل المساعدات والاستثناءات لمستحقيها من مواطنين وشركات بنجاعة. إرادة تجسمت أيضا في طاقة تشريعية هائلة تجاوزت لحظة الأزمة لتستشرف فضاءات الإقلاع الممكنة. 

ما كان ينقص إدارة الموجة الأولى هو شيء من الشجاعة والجدية ليكون تمويل الأزمة، لا من خزينة الدولة والقروض فحسب، بل من مساهمات استثنائية من المؤسسات الرابحة وتلك التي يتوقع استفادتها من الأزمة. ما كان ينقصها أيضا هو استغلال أكثر إرادوية للقروض التي ضمنتها الدولة (1,5 مليار دينار للشركات و0,5 مليار دينار لقطاع السياحة) والتي لم تتم الاستفادة من نصفها بسبب عوائق في النظام البنكي نفسه. 

 

إفلاس الدولة أم إفلاس الحكومة ؟ 

مايمنع حكومة المشيشي من تطبيق الحجر الموجه ليس إفلاس الدولة فأقل من 400 مليون دينارا كانت كلفة المساعدات في الحجر الأول الذي كان شاملا وممتدا على أسابيع. ما يمنعها هو إفلاسها الأخلاقي والسياسي. أخلاقيا سقط رئيس الحكومة حين أطلق بوليسه على الشباب في الأحياء الشعبية والتحركات الاحتحاجية مخلفا احتقانا يصعب معه تصديقه أو السير وراءه في معركة الموجة الثالثة. أخلاقيا سقط رئيس الحكومة حسن سمح بتنظيم مسيرات حزامه السياسي حين كانت السلالة البريطانية تتحسس خطواتها في بلادنا. أخلاقيا سقط رئيس الحكومة حين هاجم اللجنة العلمية وقدم لها "نصائح تواصلية" لألا تنشر مجددا تقديراتها للوضع الوبائي. سقط رئيس الحكومة سياسيا حين تراجع عن قراراته بسرعة تؤكد مرة أخرى أن مأساة تونس هي تسييرها من طرف مجموعة غير مؤهلة للحكم. سياسيا سقط رئيس الحكومة عندما أعلن اجراءات صحية دون أن يفكر في مايصاحبها من اجراءات اجتماعية وتحمّلً للمسؤولية بمخاطبة الشعب مباشرة وبشجاعة. 

علميا، لا شك أننا بصدد موجة أعلى من سابقاتها، انتشرت السلالة البريطانية وستكون هي السلالة المهيمنة في الحالات الجديدة (ربما هي كذلك فعلا) وهي سلالة أسرع انتشارا، أحدّ أعراضا وأوسع استهدافا للفئات العمرية. لن ينفع تأجيل الاجراءات الصحية الا ليشتري رئيس الحكومة أسبوعين أو ثلاثة من السلم الاجتماعي، بعدها سيرضخ للأمر الواقع، سيرضخ للأمر الواقع حتى لو اشترت وزارة الصحة جميع تجهيزات الأرض لأننا نحتاج 11 سنة لتكوين طبيب.ـة إنعاش.  حينها يجب أن نكون مستعدين. مستعدين لنتحمل الأزمة كل حسب أمكانياته. إذا كانت هذه الحكومة هشة بحيث تتلاقفها أمواج الضغط فليكن ضغطنا المواطني هو الطاغي : من حقنا أن نبقى في منازلنا لنحيا ومن حقنا أن تنظم الدولة التضامن، تضامن هو استثمار في عافيتنا وتعافي اقتصادنا. 

 

قادرون على إدارة الأزمة عندما تعمل عقول البلاد العلمية والاقتصادية والسياسية في تناغم وحول هدف مشترك. قادرون على إدارة الأزمة حين يستجيب البرلمان إلى صوت العقل ويعلم أنه السلطة التشريعية التي تستطيع تغيير واقعنا. قادرون على إدارة الأزمة حين يكون إعلامنا مشغولا بمحاسبة الحكومة على سياساتها العامة. عودتنا إلى النجاح رهينة وعينا بأن فشل السياسي.ـة يؤثر على حق الناس في الحياة، الحياة في صحة جيدة والحياة بكرامة. أحسن الخطط تحتاج نساء ورجالا لتنفيذها، نساء ورجالا غير هؤلاء المنغمسين في الحسابات والمناورات.

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter