alexametrics
الأولى

ماذا يحدث بين الغنوشي وسعيّد؟

مدّة القراءة : 3 دقيقة
ماذا يحدث بين الغنوشي وسعيّد؟

كنّا نرى صورة قيس سعيد في الحملات الانتخابية للنهضة- التي خدعت أحد مؤسسيها عبد الفتاح مورو، لتُخرجه من الباب الصغير منهزما في الرئاسية وتدعم بدلا عنهُ المرشح الجديد الغريب الذي يثير ضجّة. "انتخب النهضة لتنجح برامج قيس سعيد"، "انتخب النهضة لتدعم الرئيس في البرلمان"، واكتسب الحزب الاسلامي أصواتا بفضل هذه الدعاية الكاذبة، كعشرات المُغالطات الأخرى، من قبيل "ان نتخالف مع قلب تونس".

 


ائتلاف الكرامة الاسلامي، الموالي ولاء أعمى للنهضة، كان بدوره من أكبر المستفيدين من اصوات اضافية فقط لأنهم استغلو صورة لقيس سعيد في حملاتهم الانتخابية متعهدين بأنهم سيدعمونه في البرلمان. أشهر فقط، كشفت أنّ ذلك لا يعدو كونه ضحكا على الذقون وتحوّل الاسلاميون الى ماكينات تشويه ضد الوافد المستقل على قرطاج، وانطلقت صفحاتهم في نشر الاتهامات كلّما عرض الرئيس الخط السياسي للاسلاميين المستعدين للتحالف مع الشيطان للبقاء في السلطة. وصل الأمر بسيف الدين مخلوف، أن يوجه تهديدا صريحا للرئيس في مقطع فيديو.

مساندو الرئيس من جهتهم، لم يظلوا صامتين أمام وابل الاتهامات والتشويه الذي طال "زعيمهم" من انتقاد طريقة كلامه وصولا الى نشر شائعات عن اصابته بمرض نفسيّ. من مساوئ حرية التعبير، أنّها تفسح المجال للجميع بأن يقولوا ما يشاؤون حتى لو كان ذلك سموما وكراهية وتطرف تبثّ الى الفضاء العام لتصبح الطبقة السياسية هي المُصدّرة للعنف.
الوضع متوتر للغاية بين رئيس الجمهورية قيس سعيد وراشد الغنوشي رئيس مجلس النواب وزعيم حزب النهضة الإسلامي، توتّر تترجمهُ التدوينات التحريضية على فايسبوك.

لا يكاد يمر يوم، دون نشر تدوينات من الجهتين للاتهام والتحريض والتكذيب. يصف أنصار الرئيس أصحاب التدوينات المسيئة له بأنهم "الذباب الأزرق" (إشارة إلى لون شعار النهضة) وعلى رأسهم صهر راشد الغنوشي ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام الذي يكلّف نفسه يوميا عناء نشر تدوينة تحريضية ضد رئيس الجمهورية، على الأقل.

وبما أن أن زوج سمية الغنوشي من المقربين من الغنوشي رأسا فانه لا يوجد حرج في التأكيد أن الحرب الافتراضية ضد رئيس الدولة يقودها بطريقة غير مباشرة رئيس مجلس النواب : ما لا يجرؤ راشد الغنوشي على قوله علنا بسبب واجب التحفظ يقولهُ رفيق عبد السلام نيابة عنه. يقول بصوت عالٍ في العلن ما يقوله الشيخ بصوت السر.

أمس 2 مارس 2021 وصف عبد السلام الرئيس بالمخاتل والمتكالب على السلطة مع نشر صورة مُعدلة لتظهر رئيس الجمهورية بوجه غاضب وملامح متشنجة تتماشى مع الاتهامات الموجهة له في تدوينات القيادي الاسلامي، التي قد تندرج تحت جريمة الثلب في القانون التونسي.


غرة مارس 2021 زعم عبد السلام في مداخلة على قناة الزيتونة الإسلامية الخارجة عن القانون أن "الغرف المظلمة موجودة الآن في قرطاج" وفي نفس اليوم أطلق اشاعة (سرعان ما نقلتها "الذباب الأزرق") زعمت أن رئيس الجمهورية تلقى دفعات من اللقاحات من دول خليجية أخرى.

قبلها، الأحد 28 فيفري 2021 أكد صهر الغنوشي أن لدينا "رئيسا لا يسمع ولا يرى ولا يفهم شيئا في عالم السياسة."


الجمعة 26 فيفري بث عبد السلام مقطع فيديو دعا فيه إلى التعبئة العامة للدفاع عن الدستور والبرلمان. إشارة ضمنية إلى أن رئيس الجمهورية لا يحترم الدستور لأنه رفض تنظيم مراسم أداء اليمين لحكومة المشيشي الثانية.

بمجرد أن ينشر القيادي أي تدوينة يتولى مئات من أنصار النهضة مهاجمة قيس سعيد باستخدام نفس الحجج التي صاغها صهر رئيس البرلمان، وتحديدا "قادة الرأي" الإسلاميون مثل رضوان المصمودي أو اسكندر الرقيق الذي يعرف نفسه على أنه "مستقل".

 

في الخندق المقابل، معسكر رئيس الجمهورية، من حين لآخر يظهر قيس سعيد لمواجهة راشد الغنوشي دون أن يسميه عبر مداخلات في أنشطته الرسمية يُعلق فيها على الوضع العام. أما أنصار الرئيس فقد وقعوا في فخ الدفاع عن زعيمهم ظالما أو مظلوما حتى بعد فضيحة اللقاح.

الحزب الإسلامي يتعرض للإهانة والهجوم كل يوم، لكن محبي قيس سعيد يتصرفون عفويا لأنه ليس لديهم رفيق عبد السلام لإرشادهم ومنحهم الأسلحة اللازمة لمهاجمة الغنوشي. في الواقع تبدو الهجماتُ على الغنوشي فوضوية دون ثقافة سياسية عميقة ودون خيط مشترك أو هدف محدد. يهاجمون من أجل الهجوم فقط وحجتهم الرئيسية أن زعيمهم منتخب من قبل 2.7 مليون شخص وأن رفيق عبد السلام لم ينجح حتى في الانتخابات داخل حزبه. يرددون بغباء، شعار "الغنوشي سفاح" و "الغنوشي ارهابي".

حاول شقيق الرئيس، نوفل سعيد لعب هذا الدور لتوجيه معجبي الرئيس عن بعد لكن يبدو أنه طُلب منه الهدوء.
هذه الهجمات من كلا الجانبين تمثل مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي لكن يبقى السؤال مع ذلك هل هذه الهجمات فعالة سياسيا؟

ما الذي استفاده راشد الغنوشي من مهاجمة الرئيس بالوكالة عبر صهره ؟ لا شيء. هذا الجوّ العام المقزز على وسائل التواصل الاجتماعي يعني أن المناخ السياسي في تونس مقزز أيضا. هذه التوتر المخزي لا يترك مجالاً للحوار السلمي البناء بين الطرفين وتونس تدفع الثمن...
تحتاج البلاد أكثر من أي وقت مضى إلى التهدئة وتنفيذ خطة إنقاذ وطني في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والوبائية التي ابتلينا بها.
لا يدرك الاسلاميون، أن تدنّي المستوى الأخلاقي للطبقة السياسية هو تماما ماجعل الرئيس يكون من خارج المشهد السياسي- مستقل لم ينخرط يوما في حزب، لأن الناخب سئم صراع الديكة لعقد كامل من التناحر بين السياسيين. ولا يدرك الرئيس، أن ممارسة السياسية تستوجبُ التعامل مع الأحزاب، ولا يمكن اقصاء هؤلاء الفاعلين، ولا يمكن ممارسة السياسية خارج تنظيم سياسيّ وخارجة "فكرة" سياسية، ممكن أن يكون المرء مستقّلا لكن ادعاء الفضيلة والكلام المعوّم عن المؤامرات والغرف المظلمة والقاء اللوم على الخصم هي طريقة استجداء عطف لن تدوم طويلا.

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter