alexametrics
أفكار

من معركة الانتخابات الى حرب السلطة

مدّة القراءة : 3 دقيقة
من معركة الانتخابات الى حرب السلطة

 


يندرجُ هذا المقال ضمن سلسلة من خمس مقالات رأي لعبد القدوس السعداوي، كاتب الدولة للشباب سابقا، سيتم نشرها تباعا، بكلّ من بيزنس نيوز عربي و جريدة المغرب.

 

⁃ ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية

يوم الاربعاء ٢٣ اكتوبر ٢٠١٩، وتحت عنوان "تونس نحو دستور جديد يتفق ورؤرئ الرئيس الجديد"، كتب محمد علي السقاف في الشرق الأوسط اللندنية مقالا فيه من الاستشراف ما يناهز تنبؤات عرافي كسرى الفرس، حيث يقول: "إذا كان الرئيس قيس سعيد انتقد نظام الانتخاب النسبي، فالسؤال المطروح هل سيكتفي بتغيير النظام الانتخابي عبر آلية القانون فقط؟ أم من الأفضل أيضاً تثبيت نوع النظام الانتخابي الذي سيختاره بنص الدستور مما يتطلب إجراء تعديل دستوري، وهل سيكون مجرد تعديل دستوري أم صياغة دستور جديد؟"

تحدث الرئيس يومها بعد أداء اليمين الدستورية، عن الامانة، كان الخطاب، على عكس من سبقه من الرؤساء، خطاب مرشح وليس خطاب فائز، وكأن لسان حاله يقول اليوم تبدأ المعركة، كان يدرك ان الدستور الذي اقسم عليه يعطي الشرعية للرئيس والحكم للأغلبية، كان يعلم انه ليس قادرا على صياغة تصوره بصلاحيات محدودة، كان يعلم انه يقسم امام ما يعتبرهم اعداءه السياسيين "الاحزاب السياسية".
الحرب بين التشريعي والتنفيذي، في نظام جُعِل في ظاهره متوازن، غير ان حقيقة الامر هي هيمنة تشريعية على القرار التنفيذي، بتقسيم هذا الاخير بين قرطاج والقصبة، و بارتهان هذه الاخيرة لموازين قوى ولعبة تحالفات باردو.

الرئيس يعلم علم اليقين ان انتصاره في المعركة الجديدة يمر عبر انتصار السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، وانه لا يملك لا هذه ولا تلك.
فاز قيس سعيد في معركة الانتخابات، ولكنه لم يفز بعد بحرب السلطة.

⁃ حكومة الجملي و استهتار النهضة

في هذه الاثناء كان العدو والمتمثل في الأجسام الوسيطة "الاحزاب" وعلى رأسها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، حركة النهضة، يواصل سياسة الهروب الى الامام التي ينتهجها منذ ٢٠١١.

كيف لا و هم من وضع قوانين اللعبة، كيف لا و الشيخ يمسك بزمام الأمور :
تحالف مع عدو الأمس "قلب تونس" يصعد به الى رئاسة البرلمان، اليد العليا على من سيعين رئيسا للحكومة، وعلى كل اعضائها، و اختيار فصل المسارين الحكومي والبرلماني في تحالفات تكتيكية لا هدف من ورائها الا السيطرة على الحكم، دون احترام لا للقواعد الحزبية، لا للتوجهات الفكرية، لا الاقتصادية، لا الاجتماعية ولا هم يحزنون…
الولاء ثم الولاء، والطاعة ثم الطاعة، والغنيمة ثم الغنيمة، في استخفاف كلي بذكاء التونسيين والتونسيات، وخاصة برئيس الجمهورية الذي استُعمل مطية انتخابية في شعار مازلنا نذكره " انتخب النهضة لتحقيق برنامج قيس سعيد".

الدنيا عبر، و كما هو الامر في حكايا كليلة و دمنة او خرافات "لافونتان"، السقوط عادة ما يكون عندما تكون على يقين بوصولك للقمة، وخاصة عندما تطيل البقاء في ما يسمى بالفرنسية "la zone de confort".
كانت مناورة السيد راشد الغنوشي، في مواصلة متغطرسة لسياسة العشر الأواخر، اي ادارة القصبة من باردو دون تحمل مسؤولية الحكم.
لكن هذه المرة ذهب به الاستهتار بالمنافس الى درجة عدم اعتبار المنافس منافسا اصلا. كان يرى في قيس سعيد مرزوقي جديد ستتم السيطرة عليه، اكاد اجزم انه قال في نفسه، بالعامية " الباجي ومدارك ما نجمنيش باش ينجمني قيس سعيد!!"

فكانت حكومة الجملي، وأُسقِطت حكومة الجملي، و صار ما لم يكن في الحسبان.

سبحان المعز المذل، اصبح قرار اختيار رئيس الحكومة بيد رئيس الجمهورية ولم يعد بيد الحزب الفائز في البرلمان.

و هنا بالضبط، خرج الاستاذ قيس سعيد من ارضية الملعب و دخل المرشح قيس سعيد الى الحلبة، تغيرت اللعبة، و كشف قيس سعيد، عن قيس سعيد الحقيقي، قيس سعيد السياسي.

⁃ حكومة الفخفاخ و الخيار الاول

المواجهة تحت قبة البرلمان، او تغيير المنظومة من الداخل، كان خيار الرئيس، و هو ما سيكتشفه قريبا
راشد الغنوشي و حركة النهضة و حلفائها.

بينما كان الشيخ يعيد ترتيب الاوراق بكل ثقة في النفس، في محاولة لإعادة سيناريو توافق ٢٠١٤، و محاولة انتهاج سياسة ذئب ليلى، بدء رئيس الحركة، رحلة البحث عن شخصية وطنية توافقية تتمتع بالكفاءة و نظافة اليد، لإقناع الرئيس و الساحة السياسية بانه شخصية جامعة، همها الوحيد ايجاد حل وطني دون التشبث بالحكم.
فكانت اسماء مثل حكيم بن حمودة، خيام التركي و فاضل عبد الكافي في قائمة المرشحين، في دليل قاطع ان الحركة، حتى ولو رضخت لقواعدها بإقحام اسم احد أبناءها، لكنها في مشاوراتها مع بقية الاحزاب و القوى المكونة للمشهد، تحبذ اسما يكون محل توافق من الجميع، قادرا على اخراج البلاد من الازمة حتى ولو كان ذلك على حساب تضحية رئيس الحركة بتوازناته الداخلية… كل شيء يهون "في سبيل تونس" بنبرة نوفمبرية بنفسجية رنانة، وما اشبه الأمس باليوم.

لكن كما يقول المثل الشعبي التونسي " كل واحد شيطانو في مكتوبو ".
بدأ الشيخ باكتشاف غرابة ساكن قرطاج دون ان ينتابه الشك في مدى تصميمه على تغيير ما سماه في حملته الانتخابية المنظومة.
ذلك الشك الذي سرعان ما بدأ يتبدد، مع بداية جينيريك مسلسل الرئيس.
الرئيس يرفض قبول الاحزاب و طلب من الجميع مده بمقترحات مكتوبة، عوض الدخول في مشاورات مباشرة.
لم يكن الجميع يتصور، الا قلة ممن كانوا يرتادون قصر قرطاج، ان الرئيس سيختار السيد الياس الفخفاخ، لا لشيء الا لأنه كان واضحا عند لقائه بالرئيس في عدم التعامل مع قلب تونس و لأنه لم يتم اقتراحه الا من حزبين اثنين، تحيا تونس و التيار الديمقراطي.
كان الاختيار صادم، و يمكن تحليل الاختيار، لو توقف بنا التاريخ عندها، ان قيس سعيد قرر اختيار الشخصية الاقدر كما ينص الدستور، لكن الاقدر على ماذا ؟ على النجاح في التسيير ام على تحدي المنظومة القائمة والانتصار مع رئيس الجمهورية للسلطة التنفيذية في حربها على السلطة التشريعية ؟؟
المهم ان النهضة في تصحيح للمسار التكتيكي وعودة كما قلت لتكتيك ٢٠١٤، قبلت عن مضض رئيس الحكومة المسلط عليها من قرطاج، كما قبلت بوزير واحد في حكومة الحبيب الصيد الاولى.
لكن هذه المرة مع تغيير طفيف، تحولنا من التوافق الى "التنافق".
لأنها صارت تعلم من عدوها في هذه المعركة…الرئيس.

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter