alexametrics
آراء

نادية عكاشة لم تستوعب شيئا من الديمقراطية

مدّة القراءة : 3 دقيقة
نادية عكاشة لم تستوعب شيئا من الديمقراطية

 

"رئيس الجمهورية منتخب من قبل الشعب وهو غير مسؤول أمام البرلمان" .. بهذه العبارات توجهت نادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسي إلى نواب الشعب بمناسبة الجلسة الخاصة بمناقشة مشروع ميزانية رئاسة الجمهورية يوم الأحد 29 نوفمبر 2020.

 

هكذا اتضحت الأمور وتبددت الشكوك .. كنا أمام رئيس منتشي بنتيجته الباهرة التي حققها في انتخابات 2019 بنسبة 71ر72 بالمائة من الأصوات .. لكن الآن ازدادت الأمور سوءا بصدور بعض نتائج سبر الآراء التي تشير إلى تجاوز شعبيته قتبة 50 بالمائة.

 

في مداخلة السيدة عكاشة التي تحدّثت باسم الرئاسة وكلامها يُلزم حتما رئيس الجمهورية وبالتالي مؤسسة الرئاسة، هناك أمر خطير على بالبناء الديمقراطي في تونس.

 

نادية عكاشة أكدت في ردّها على النواب أن الرئيس مسؤول أمام الشعب دون سواه .. وهذا يعد خاطئا تقنيا وأخلاقيا.

 

فمن الناحية التقنية يخوّل الفصل 88 من الدستور لأعضاء مجلس نواب الشعب، المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور. يكفي أن يرغب 109 نواب في ذلك حتى نرى قيس سعيّد أمام البرلمان للدفاع عن نفسه وتبرير أفعاله، ثم يتم النظر في ما إذا كان قد خرق بالفعل نص الدستور .. لكنه في انتظار ذلك يبقى مطالبا بتقديم الإيضاحات اللازمة.

من الناحية الأخلاقية، حتى وإن كان الرئيس متشبّعا بالمبادئ والقيم الديمقراطية، عليه أن يذهب شخصيا إلى البرلمان ليتوجّه بالحديث أمام المجلس وفقا للفصل 79 من الدستور.

 

لدينا إذن فصلان في الدستور يقوّضان ادعاءات السيدة نادية عكاشة.

 

لكن بعيدا عن الاعتبارات الأخلاقية والتقنية، هناك ما يُعرف بالمبادئ الديمقراطية التي يجب على رئيس الجمهورية وفريقه العامل معه تطبيقها واحترامها. هذه المبادئ تم العبث بها من خلال كلام السيدة عكاشة .. هذه المبادئ تنص على أن الرئيس مسؤول أمام الشعب، لكن ماهو الشعب إذا لم يكن البرلمان في حد ذاته وهو ما تعكسه تسميته الرسمية أي مجلس نواب الشعب.

 

بإمكاننا الحديث طوال ساعات عن ضحالة مستوى برلماننا الحالي، لكن هذا المجلس يمثّل الشعب شئنا أم أبينا ..  صحيح أن مجلس نواب الشعب يضم الأسوأ، من ملاحقين قضائيا ومهرّبين ومافيوزي .. ومع ذلك فإنهم يمثلون الشعب ومن واجب رئيس الجمهورية، من الناحية الديمقراطية، عدم تجاهلهم .. فهم يتمتعون بنفس الشرعية الانتخابية التي أوصلت قيس سعيّد إلى قصر قرطاج.

 

فلا يوجد ولا يمكن أن يوجد ممثلون للشعب بخلاف أولئك الجالسين تحت قبة البرلمان .. هذه هي أبجديات الممارسة الديمقراطية التي تعمّدت السيدة عكاشة الاستهزاء بها.

وهذا يعكس بوضوح العقلية السائدة في مؤسسة الرئاسة التي مثلتها عند مناقشة ميزانيتها السيدة عكاشة.

 

بانتخابه بأغلبية ساحقة وعدم تورّطه في بعض الفضائح والقضايا، يعتقد قيس سعيّد أنه فوق باقي المنتخبين من ممثلي الشعب.

 

وهنا يكمن الخطر .. فبهذه العقلية ظهر كبار الدكتاتوريين والمستبدين الطغاة .. ففي بداية المدة يكون الرؤساء مجرد منتخبين وبمرور الوقت يصبحون طغاة، حين يعتقدون أنهم بشر خارقون. زين العابدين بن علي تم انتخابه في 1989 بأغلبية ساحقة حقيقية على غرار ما حققه قيس سعيّد. في تلك الفترة كان بن علي يحظى بمساندة الجميع، بما في ذلك عدوّه اللدود، منصف المرزوقي .. شيئا فشيئا أصبح بن علي دكتاتورا لأنه اعتقد بأنه غير مسؤول أمام أي كان.     

 

 وكان هذا هو حجر العثرة الحقيقي

 

الديمقراطي "الحق" عليه أن يكون مسؤولا أمام الشعب، عبر مختلف الهيئات الوطنية الرسمية ولا سيما البرلمان والإعلام. منذ تنصيبه رئيسا للجمهورية، لم يسمح قيس سعيّد سوى بحوار صحفي لفائدة القناة الوطنية.

 

الدكتاتور "الحقيقي" ليس مطالبا بتبرير أفعاله ولا تصرفاته .. فهو يتجاهل النواب ويستغل وسائل الإعلام لأغراض دعائية.  

 

بكلامها أمس الأحد هزّت نادية عكاشة أركان المؤسسات التي تم تركيزها بفضل المنظومة الديمقراطية لتكون مسؤولة أمام الشعب .. فهي نصّبت رئيس الجمهورية في مكانة فوق البرلمان أي فوق الشعب.

 

هل أن نادية عكاشة وقيس سعيد، يدركان فحوى هذا الكلام وتبعاته ؟ هل أن سعيّد هو مشروع طاغية في المستقبل ؟ 

 

لا أعتقد ذلك .. فأنا أرجّح أنها زلّة غير مقصودة في التعبير عن الأشياء وليست عقلية مكيافيلية ممنهجة .. لأن الحماقة منتشرة آلاف المرات أكثر من العقلية المكيافيلية.

 

قيس سعيّد ونادية عكاشة فقط منتشيان بنتائج انتخابات 2019 ونتائج سبر الآراء التي تصدر شهريا ولا تعكس دائما الواقع.

 

يبدو أن قيس سعيّد ونادية عكاشة يخلطان بين الشعب والجماهير المتفرقة ..

 

 

قيس سعيّد ونادية عكاشة معزولان في برجهما العاجي بقصر قرطاج .. فهما لا يلتقيان أحدا من أفراد الشعب الذي يتحدثون عنه .. بل يلاقون حشودا من الناس في مكان ما.

 

فالشعب ليس فقط مجرد فقراء لا يمثلون سوى 15 بالمائة من السكان .. الشعب هو أيضا الطبقة المتوسطة والمفكرين ورجال الأعمال والفنانين والرياضيين والباحثين والشباب والأطفال ..

 

فبأي من هؤلاء التقى قيس سعيّد ؟ لا أحد أو ربما فئة قليلة جدا من بينهم.

 

بالخلط بين الشعب وحشد من الناس وبالتموقع فوق ممثلي الشعب الحقيقيين أي النواب وبتجاهل باقي مكونات المجتمع، فإن قيس سعيّد ونادية عكاشة يتجاوزان الخط الرفيع الفاصل بين الديمقراطية والدكتاتورية.

 

فهذا الأمر يصبح خطيرا إن كانت الكلمات مقصودة وهو مثير للقلق إن كانت عكس ذلك.

 

الفصل 79 من الدستور واضح وهو موجود ليذكّر رئيس الجمهورية بأن الشعب له من يمثّله رسميا وبإمكانه أن يتوجّه بالحديث إليهم .. إذا كان شخصا متشبعا بمبادئ الديمقراطية بحق وإذا كان يحب الشعب بحق، عليه أن يطبّق الفصل 79 من الدستور، رغم موقفه (ومواقفنا جميعا) من تركيبة هذا المجلس الهجين ..

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter

تقرؤون أيضا

03 جانفي 2022 16:04
0
30 ديسمبر 2021 16:29
0
27 ديسمبر 2021 17:00
0