alexametrics
الأولى

نهديّات السيدة واو- ولــم لا؟

مدّة القراءة : 3 دقيقة
نهديّات السيدة واو- ولــم لا؟


ما المُضحك أو المُخزي في الكتابة عن نهود النساء- أو فروجهنّ- أو أجسادهن، أو "هُنّ" باختصار؟ لم تُخيف لفظة "نهد" الرأي العام ويتوجسّ منها الذكور ويستعوذُ منها الشيوخ وتخجل منها الصبايا؟ وجدت النهود طريقها للفضاء العام منذ أيّام وأصبحت حديث الجميع، لا توعيةً من سرطان الثدي خلال شهر أكتوبر الورديّ ولكن استغرابا من سيّدة تكتبُ عن الأثداء.

 

وفاء بوعتور هي امرأة تونسية في رصيدها رواية وديوان شعري، تمتهنُ التربية والتعليم ولها عائلة صغيرة تسكنُ منزلا متواضعا في ولاية مدنين. ترتدي السيدة وفاء غطاء للرأس تؤكد أنه ليس لهُ بعد دينيّ أو ايدلولوجيّ وتصفهُ بأنه اختيار ذائقي شخصيّ، تفضّل الأثواب على السراويل، تحبّ الحياة واللغة العربيّة ورمزيّة الأجساد و مُدن الجنوب الرمليّة وتنوي التصويت لحركة الشعب القوميّة في الانتخابات القادمة. لكنّها- الملعونة، تكتب عن النهود، الملعونة. منذ أيّـــام، تتعرضُ وفاء بوعتور الى حملة تنمّر غريبة. نشرت الشاعرة صورة لغلاف النسخة الثانية من ديوانها "نهديات السيدة واو"، فانطلق الساخرون والمُحرمون والمثقفون في ازدراءها واقامات محاكمة لسيدة "مُحافظة" تكتبُ نصوصا ايروتيكيّة.


الظاهرة مثيرة للنفور لدى البعض لأنّها تحطيم لصورة "السيدة العفيفة المتحشمة" التي تُخفي جسدها وشعرها وتربيّ عائلة وتُدرّس قسما من اليافعين. البعض يعتبر ذلك نفاقا، للتضاد بين نمط حياة السيدة وبين نصوصها التي تتناول الجنس بأسلوب حاد وصارخ. اخرون يعتبرون ذلك اعتداءا على رُقيّ الشعر بالصور الخليعة الغارقة في حيوانية الجنس، اخرون يرون أنّ الايروتيكا ترف فكريّ غير ضروريّ، يُغرقنا في الاستهلاكية المبتذلة للجسد والجنس والمرأة.


حتّى أكثر القراء تقدمية توجس من شاعرة متحجبة تكشف عمّا وراء الحجاب من عوالم مسكوت عنها! باعتبار أنّ قمع الجسد بغطاءه وضع جدارا بينهُ وبين الجنس وطرد منهُ الرغبات وأبدلها بالتقوى، كأنه يوجد فوهة بين الجسد التقيّ وبين الجسد الراغب والمرغوب فيه، لتأتي السيدة واو، بجمل قصيرة مبتذلة خالية من الصور الشعرية المعقدة وتحطّم هذا التصور المثالي عن النساء المحجبات اللواتي وضعن أنفسهن في شكل من القولبة المثالية والإكراه المزيّـن بأخلاق مزيفة، وتكسر هذا التابو الذي حان وقتُ كسره، ربما بشعر رديئ، أو طريقة فظّة وفجة، ربما في ثوب أفغانو-خليجيّ أسود قاتم، لكنها بداية ما.


السيدة واو- تنشر صورا دون حجاب تارة، ثم صورا محتشمة. تنشر أدعية للّه، ثم فانتازما جريئا مُزعجا. ترفضُ الحضور الاعلاميّ والمشاركة في الملتقيات، لكنها تجيبُ على كلّ تعليق يأتيها اثر نشر نصّ جديد. التناقضُ لدى السيدة واو هو ما خلق هالة الحيرة حولها، لأنّ السيدات المحافظات اللاتي تلتزمن بالحجاب وما يرتبط به من القيم الاسلامية لا يُتوقع منهن نشر نصوص عن الإيروس. الهيبةُ المُرتبطة بنساء ورجال التعليم، تولّد غرابة و شعورا غير مريح تُجاه أن يصف أحدهم الجنس في مقطع شعر حرّ شبقيّ. هل هو نفاق؟ أم استفاقة؟ لا يمكننا الجزم، لكن ظاهرة بوعتور قد لا تكون سلبية بقدر ما هي ايجابية; لنقل ما نشاء عن شعر وفاء بوعتور، وضيع، تافه، بذيء، مُبتذل، سوقيّ- لكنه شعر. شكل تعبيري قد نختلف في قيمته الأدبية لكن له قرّاء. لنقل ما نشاء عن السيدة واو، غريبة، منافقة، تعيشُ حياتين، تسيء لصورة المحجبات، تسيء لصورة الكاتبات، غارقة في النرجسية. لكنها في بلد حرّ وبامكانها أن تكتب عمّا تشاء، مهما كان مبتذلا، وأيا كان لباسها.

أكثر التجارب تطرفا تأتي دوما من أكثر المُحيطات محافظة. الصّحوة النسائية للايروتيكا خرجت من البلدان العربية الأكثر مُحافظة(السعودية، الكويت، الأردن، سوريا) لأنها مرتبطة بالظّلم الاجتماعي، الذي تُقاسيه المرأة العربية.

 

الجنسُ لدى المجتمعات العربية هو هاجس أكثر منه تابو، والحديث عن الجنس هو فقط امتياز ذكوريّ - لذلك لنقل أنّ الهجمة على السيدة واو في ظاهرها سخرية من تناقض وفاء بوعتور بين الحجاب الذي يستر الصدور والايروتيكا التي تُعريها- أساسها ذكوريّ بحت. فليس النهدُ الذي كتب عنه نزار قباني ديوانا هو النهد الذي تناولتهُ وفاء بوعتور بالوصف في ديوانها. الأولُ مستباح لأنّه نهد على لسان رجل بامكانه أن يكتبُ عمّا يشاء والثاني نهد في عيون امرأة يراقبها مُجتمع أبوي وصيّ على أقوالها وأفعالها. الأول وان صُنصر في البداية فقد أصبح قصائدا مُغناة والثاني أصبح عارا. في الظاهر يستغربُ الجميع من سيدة "متحجبة" تُحدثنا عن النهود، لكن الحقيقة أنّ مرد الاستغراب هو أنّ امرأة اختارت أن تكتبُ عن جسدها، فقط. لأنّ الجمهور العربي المنافق له خبرة في شيطنة النساء اللاتي كتبن عن الجنس فكلمّا كتبت امراة عن الجنس إلاّ وصُنفت عاهرة تبحثُ عن الاهتمام: رواية "خارج الجسد" للأردنية لعفاف البطاينة، التي أثارت حفيظة المجتمع الذكوري الأردني ، رواية "مرافيء الوهم" لليلى الأطرش، رواية القاصة حزامة حبايب "أصل الهوى"، "برهان العسل" لسلوى النعيمي... كلها كتب محت من الأسواق المحلية ومعارض الكتاب وتعرضت صاحباتها للملاحقة والمقاضاة والتحريض وتهديدات القتل.
الايروتيكا عادت بالأدب إلى شكله التعبيريّ الأكثر بساطة، بكثافة مذهلة وتنوّع كبير. لا يوجد في تونس تجارب كثيرة عدا تجربة أيمن الدبوسي في انتصاب أسود. كتب الدبوسي أكثر المشاهد تطرفا ورذالة وروعة، لكنّه لم يتلقى ذات الهجمة أساسا لأنه يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة (طبيب) ولأنّه ذكر، لا يضع حجابا على رأسه، ولا يعيش في بيئة محافظة، ولا يقع على كاهله ضغط تكوين "أسرة سوية" وتربيتها على القيم المثلى.

لم لا؟ محجبة تكتبُ عن الشبق. انظروا حولكم، نحن في عصر السيرياليّة، والانقلابات، والمفارقات.


عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter