alexametrics
الأولى

هل اصبح التونسي ضحية لثورته ؟

مدّة القراءة : 5 دقيقة
هل اصبح التونسي ضحية لثورته ؟

مرت عشر سنوات على الثورة التونسية، والتي أدت الى تغيير النظام في تونس بعد هروب الرئيس زين العابدبن بن علي و انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ثم الانتخابات التشريعية  فالانتخابات الرئاسية. و اختلفت المواقف و الرؤى بشأن تاريخ الرابع عشر من جانفي 2011 فبعض التونسيين يعتبر هذا التاريخ نقطة مفصلية غيرت مصير التونسيين و غيرت المنطقة العربية بشكل عام بالنظر الى الثورات و الاحداث التي جدت في مصر، اليمن و ليبيا لاحقا، في نفس الوقت يرى جزء اخر من التونسيين ان تاريخ الرابع عشر من جانفي لا معنى له و يشككون في حدوث ثورة حقيقية في تونس.

 

و بغض النظر عن الآراء المختلفة يبقى الحديث عن الثورة مسألة نسبية و شخصية تختلف من شخص الى اخر و الملاحظ في هذا السياق ان  بعض التونسيين الذين يرفضون الحديث عن ثورة حقيقية هم بالأساس من يشعرون بخيبة امل لما ألت اليه الاحداث و ما تسببت به من ازمة اقتصادية و سياسية في تونس، فعدد كبير من التونسيين يرون ان الثورة سلبتهم الأمان الذي كانوا يشعرون به في نظام بن علي و يستشهدون بالأوضاع الحالية من عمليات إرهابية و تعدد الجرائم و السرقات في البلاد.

فمنذ الثورة عرفت تونس اكثر من 10 عمليات إرهابية نذكر على سبيل المثال : حادثة الروحية في ماي 2011، حادثة قبلاط سنة 2013، الهجوم الإرهابي على متحف باردو و حادثة سوسة  سنة 2015، الى تفجير حافلة الامن الرئاسي سنة 2015 و مواجهات جبل الشعانبي و جبل سمامة.

لا شك ان عدد العمليات الإرهابية ارتفع بشكل كبير في بلادنا منذ الثورة و لكن لا يمكن القول ان العمليات الإرهابية ظهرت فقط بعد الثورة فتفجير جربة الذي استهدف الغريبة  جد سنة 2002 و وقعت احداث سليمان  سنة 2007 لكن التعاطي الإعلامي اختلف منذ الثورة ففي الوقت الذي احكم فيه النظام السابق سيطرته على الاعلام و لم نكن نسمع الا قليلا عن الاحداث الإرهابية و الجرائم، اصبح الإعلامي التونسي اليوم اكثر حرية و استقلالية و لم تعد الاحداث مخفية او سرية.

 

اما بالنسبة للوضع الاقتصادي و السياسي فيرى جانب من التونسيين ان الثورة هي من تسببت في هذه الازمة و موقفهم مفهوم بالنظر الى الوضع الذي نعيشه اليوم ففي الوقت الذي انتظر التونسيون بفارغ الصبر الانتخابات و تغيير مصيرهم في البلاد وجود التونسيون انفسهم امام حكومات متعاقبة و رؤساء مختلفين و اكثر من 200 حزب لم يقدموا شيئا لهم.

فالقول ان نظام الحكم  تغير  جائز لكن الأسماء تغيرت و العناوين تغيرت و لم تتغير العقليات و اصبح التونسي ضحية السياسيين  و القرارات الحكومية الاعتباطية و هو ما أدى الى تفشي الفساد في تونس الذي وصل الى البرلمان و الى اعلى مراتب الحكم  و في نفس الوقت لا يمكن القاء اللوم فقط على السياسيين او النواب  ففي الأخير هم نتاج لانتخابات افرزتها أصوات التونسيين، فاللوم بالتالي على من لم يقم بالانتخاب ليغير مصير بلاده و اللوم على من سعى الى انتخاب الفاسدين.

 

بعد مرور عشرة سنوات من الثورة لم تتحقق مكاسب التونسيين في التنمية و التشغيل بل تعمقت الازمة اكثر خلال السنوات الأخير ففي سنة 2015 بلغ عدد العاطلين عن العمل 420 ألف شخص من  بينهم حوالي 240 ألفا من حاملي الشهادات العليا و ارتفعت نسبة البطالة سنة 2016 و تجاوزت ال  629.6  ألف عاطل عن العمل لتستقر نسبيا سنة 2017 و ترتفع مرة أخرى سنة 2018 و تتجاوز ال  644.9 الف عاطل عن العمل  و في سنة 2019 بلغت نسبة البطالة حوالي 637.7 ألف عاطل عن العمل وهذا حسب ارقام المعهد الوطني للإحصاء، اما بالنسبة لسنة 2020 فقد بلغ  عدد العاطلين عن العمل 746.4 ألف و ذلك خلال الثلاثي الأول من 2020 و عموما تعد سنة 2020 سنة استثنائية بسبب تفشي فيروس كورونا و ما انجر عنه من ازمة اقتصادية.

اما في خصوص التنمية لا تزال المناطق التي تعد مهد الثورة، تعاني من الفقر و التهميش على غرار ولاية سيدي بوزيد و القصرين حيث أظهرت ارقام نشرها المعهد الوطني للإحصاء في سبتمبر 2020 ارتفاع نسب الفقر في الوسط الغربي و الذي يتكون من ثلاث ولايات (القيروان والقصرين وسيدي بوزيد) و يعد الوسط الغربي  أحد أفقر الجهات في تونس بمعدل 29.3 بالمائة وترتفع نسب الفقر بمعتمديتي حاسي الفريد (53.3 بالمائة) والعيون (50.1 بالمائة) و لا تزال مؤشرات الفقر منخفضة نسبيا في تونس العاصمة مقارنة بولايات الجنوب حيث يتراوح معدل الفقر في ولاية تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) بين 6.1 بالمائة و15.2 بالمائة، وهو ما يؤكد ان المنوال التنموي فشل في تونس و لم ينجح في تحقيق اللامركزية بل تعمقت الازمة بين الجهات بين جهات فقيرة و جهات غنية.

في نفس الوقت لا يزال الشاب التونسي ينظر الى أوروبا كحلم و كمنقذ من الواقع الذي يعيش فيه، و لا تزال ظاهرة الهجرة غير النظامية متفشية في تونس و هي ظاهرة لطالما رافقت الواقع التونسي حتى قبل الثورة، و برزت هذه الظاهرة في تسعينات القرن الماضي حين امضى الاتحاد الأوروبي اتفاقية شنغن التي فرضت التأشيرة على التونسيين و على عدة بلدان أخرى و ذلك من اجل حماية الامن القومي الأوروبي.

و في تصريح صحفي اكد رمضان بن عمر احد أعضاء المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية انه و بحسب دراسة أجراها المنتدى فإن :" الرغبة في الهجرة إلى أوروبا لدى الشباب التونسي بين 18 و35 سنة قبل الثورة كانت في حدود نسبة 37 في المائة، وخلال الأشهر الأولى من الثورة عام 2011 انخفضت لتصل إلى نسبة 30 في المائة بسبب مناخ الحرية، لكن هذه الرغبة عادت لتسجل أرقاما مفزعة سنة 2016 بوصولها نسبة 55 في المائة".

لا تعد ظاهرة الهجرة غير النظامية وليدة الثورة التونسية لكن يمكن الجزم و بحسب احصائيات دقيقة ان ازمة المهاجرين غير النظاميين ازدادت بعد الثورة و الملاحظ أيضا هو تطور هذه الظاهرة، ففي حين كانت الهجرة غير النظامية ملجأ وحلم  الشباب و الكهول في التسعينات أصبحت النساء و العائلات بجميع افرادها تهاجر بطريقة غير نظامية سعيا الى مستقبل افضل.

و كشف تقرير لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن عدد عمليات الهجرة من التراب التونسي خلال الأشهر الستة الأولى من 2020 ارتفع بنسبة أربع مرات، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019  و بحسب احصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية الخاص بالمهاجرين غير النظاميين تطورت نسبة النساء المشاركات في عمليات  الهجرة غير النظامية  من 2% سنة 2018 إلى 8.76% سنة 2019 و حسب المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية تجاوز عدد التونسيين الذين هاجروا بطريقة غير نظامية منذ الثورة  و الى حدود سنة 2018 ال 40 الف مهاجر.

 

 

يعيش بعض التونسيين في خيبة امل بعد الثورة بسبب عدم تحقق مطالبهم التي ثاروا من اجلها، فالثورة التونسية لم تحقق التنمية و لم تقضي على البطالة بل ازدادت الازمة السياسية و الاقتصادية خلال السنوات العشر الماضية الا انه و في نفس الوقت تمكن التونسي من افتكاك حرية التعبير و حرية الاختيار بفضل الانتخابات النزيهة  فتم إرساء هيئة الانتخابات بعد الثورة  بدلا عن وزارة الداخلية  فأصبح للتونسي حرية الانتقاد و الاحتجاج  ممكنة دون الخوف من البوليس السياسي و أصبحت له القدرة على اختيار رئيسه و نوابه بحرية تامة، أيضا تراجعت حالات التعذيب في السجون وهو ما أكدته ثريا الجريبي الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع الهيئات الدستورية والتي اكدت في تصريح لإذاعة موزاييك اف ام في ديسمبر 2020 و اشارت الجريبي الى ان السجون التونسية  أصبحت مفتوحة لجميع المنظمات الوطنية بالإضافة الى وجود اتفاقية مع الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب، التي بإمكانها زيارة السجون والإطلاع على ظروف إيواء المساجين.

 

كذلك تحتل تونس اليوم المرتبة 72 عالميا والأولى عربيا في ترتيب مؤشر حرية الصحافة وفق تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود"، و هو احد مكاسب الثورة التونسية فتعدد الإذاعات و القنوات التلفزية و الصحف في تونس و تم إرساء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وهي الهيئة التي تقوم بإسناد الرخص المتعلّقة ببعث منشئات الاتّصال السمعيّة والبصريّة ولم يعد المشهد الإعلامي خاضعا للأشخاص بل لهيئة مستقلة.

رباب علوي 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter