alexametrics
أفكار

هيئة الانتخابات في تونس - ولاية كاملة دون سواها... ثم ماذا بعد؟؟

مدّة القراءة : 12 دقيقة
هيئة الانتخابات في تونس - ولاية كاملة دون سواها... ثم ماذا بعد؟؟

 

بقلم شوقي سعيداني*

 

أصدرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتاريخ 18 نوفمبر 2022 قرارها عدد 31 المنقح والمتمم للقرار عدد 8 لسنة 2018 المؤرخ في 20 فيفري 2018 والمتعلق بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء،

وقد أثار مضمون هذا القرار عديد التفاعلات من كافة المتدخلين في العملية الانتخابية وخاصة منهم ذوي العلاقة مع وسائل الإعلام السمعي البصري على اعتبار أن هيئة الانتخابات ضمت إلى صلاحياتها وولايتها وسائل الإعلام السمعية والبصرية وأخضعتها للرقابة على خلاف ما جاء في النص الأصلي للقرار الذي صدر بتاريخ 20 فيفري 2018،

هذا الجدل مازال متواصلا ونحن على بعد يوم من انطلاق الحملة الانتخابية التشريعية المبرمجة بتاريخ 17 ديسمبر 2022، تاريخ عيد الثورة، الأمر الذي يهدد سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها،

الأمر الذي يستدعي تناول هذا القرار بالدرس لتبيان مدى خطورة مقتضياته من ناحية مخالفتها للقانون الانتخابي ومن ناحية أخرى مدى تأثير هذا القرار على المناخ الانتخابي في تونس عموما ونزاهة العملية الانتخابية برمتها،

 

1-    في إطلاعات القرار عدد 31 لسنة 2022 المؤرخ في 18 نوفمبر 2022:

 

بالعودة للقرار الأصلي والمؤرخ في 20 فيفري 2018 والذي تم إصداره على هامش الانتخابات البلدية التي كانت مبرمجة آن ذلك في 25 مارس 2018 ثم تم الاتفاق على تنظيمها في 06 ماي 2018، نلاحظ أنه استند في الإطلاعات إلى المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحريّة الصحافة والطباعة والنشر والمرسوم عدد 116 لسنة 2011 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري والقرارين المشتركين بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري المتعلقين بالانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 والانتخابات البلدية والجهوية لسنة 2018،

كما تم التأكيد صلبه أنه تم التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري فيما يتعلق بضبط القواعد والشروط العامة التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء وتم الاستناد صراحة على منطوق الفصل 67 فقرة أولى من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء،

أما في النسخة الصادرة بتاريخ 18 نوفمبر 2022 فقد تم الاستغناء عن الإطلاعات المذكورة والاكتفاء بالاطلاع على دستور 2022 والقانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المحدث للهيئة العليا المستقلة للانتخابات والقانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء،

كما تم حذف ما يفيد التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري حسب مقتضيات الفصل 67 فقرة أولى من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء والذي ينص على أنه:"تتولى الهيئة بالتشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ضبط القواعد والشروط العامة التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية"، وهو أوّل خرق شكلي في هذا القرار، فالقانون الانتخابي يفرض على هيئة الانتخابات مبدأ التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري قبل إصدار هذا النص وهو ما لم نجد له أثرا في نص قرارها،

وقد أقر المشرع مبدأ التشاور في الفصل 67 على اعتبار أن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري هي صاحبة الاختصاص فيما يتعلق بوسائل الإعلام السمعية والبصرية وبالتالي فهي الجهة المؤهلة من الناحية القانونية والتقنية والعلمية لتقديم المشورة لهيئة الانتخابات فيما يتعلق بالقواعد والشروط المنطبقة على منظوريها من وسائل الإعلام السمعية والبصرية في تغطية الحملة الانتخابية،

 

وما يزيد تأكيد عدم تطبيق مبدأ التشاور في هذه الحالة هو غياب الاستناد على الفصل 67 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء في النسخة المنقحة للقرار المؤرخ في 20 فيفري 2018 الصادرة بتاريخ 18 نوفمبر 2022، والحال أنه فصل مرجعي يعطي الصلاحية الترتيبية لهيئة الانتخابات فيما يتعلق بضبط القواعد والشروط العامة التي يتعين على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء ويشترط لممارسة هذه الصلاحية التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري.

 

علاوة على ذلك، فقد حذفت من النسخة المنقحة المشار إليها الإطلاعات المتعلقة بالمرسومين عدد 115 و116 وهي مراسيم مرجعية فيما يتعلق بوسائل الإعلام السمعية البصرية والمكتوبة والإلكترونية وهنا يجوز التساؤل حول مدى استناد القرار الأخير للهيئة العليا المستقلة للانتخابات لمقتضيات المرسومين وللمعايير الواجب اعتمادها في التعاطي مع وسائل الإعلام بصفة عامة في الفترات الانتخابية نظرا لطابعها الخصوصي والذي يستدعي بالضرورة التشاور مع الهيئات والمجالس المختصة والتي تشرف على هذه القطاعات،

كما تجدر الإشارة أن القرار المنقح حذف الاستناد على القرارات المشتركة السابقة بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري فيما يتعلق بضبط القواعد الخاصة بتغطية الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء وهو أمر غير مفهوم شكليا على اعتبار أنه من الناحية الشكلية لا تعارض بين القرار المتعلق بضبط القواعد والشروط العامة المتعلقة بمختلف أصناف وسائل الإعلام والقرارات المشتركة المتعلقة بضبط القواعد والشروط الخاصة بوسائل الإعلام السمعية والبصرية ولا يمكن تفسير هذا الحذف إلا بأن القرار الأخير المؤرخ في 18 نوفمبر 2022 يمكن أن يخالف أو يتعارض مع القرارات المشتركة السابقة وهذا خطير طبعا،

 

ويمكن أن نستنتج أن القرار الصادر بتاريخ 18 نوفمبر 2022 لم ينبني على مبدأ التشاور الذي أقره الفصل 67 فقرة أولى من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وهو معيب من هذه الناحية علاوة على أنه لم يستند في فلسفته على المراسيم المنظمة لحرية الاتصال السمعي والبصري ولحرية الصحافة والطباعة والنشر والتي لا تزال سارية المفعول ولم يتم تعطيل العمل بها بل تعتبر حسب فقه قضاء المحكمة الإدارية قوانين تأطيرية لقطاعات مهمة وهي بمثابة القوانين الأساسية،

وهذا القرار إما أنه صيغ على عجل ولم تراعى فيه مقتضيات القرار القديم أم أنه جاء بتصور جديد يتعارض ظاهريا أو ربما جوهريا مع القرار القديم ومع ما جرى به العمل خلال المحطات الانتخابية السابقة، هذا ما سنكتشفه من خلال النظر في مقتضياته.

 

2-    في الولاية الكاملة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات على الشأن الانتخابي دون سواها:

 

نص الفصل الأول جديد من القرار عدد 31 لسنة 2022 المؤرخ في 18 نوفمبر 2022 أنه عملا بمقتضيات الفصل 134 من الدستور، تتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إدارة الانتخابات والاستفتاءات وتنظيمها والإشراف عليها في جميع مراحلها وتضمن سلامة المسار الانتخابي ونزاهته وشفافيّته وتصرح بالنتائج وتتمتع الهيئة بالسلطة الترتيبية في مجال اختصاصها وأضاف أن للهيئة العليا المستقلة للانتخابات الولاية الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها،

صياغة هذا الفصل تعتبر مفتاحا لتحليل بقية مقتضيات القرار علاوة على أنه يعتبر أساسا لتحليل زاوية نظر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للشأن الانتخابي وهو ما سيتم بيانه في قادم الأسطر،

 

فقد منحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لنفسها بموجب "قرار ترتيبي" "الولاية الكاملة" على كل الشأن الانتخابي ولم تكتفي بذلك بل أشارت أن هذه الولاية الممتدة في الزمان والمكان والعابرة للحدود والمنطق، لها "دون سواها" والمقصود هنا أنه لا شريك لهيئة الانتخابات في إدارتها للشأن الانتخابي في كل جوانبه وتفاصيله،

وهو طرح مجانب للحقيقة ومخالف في جوهره لمقتضيات القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، وهو ما سنبيّنه من خلال استعراض مجال تدخل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري فيما يتعلق بمراقبة مدى تقيّد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية بالمبادئ المنظمة للحملة،

 

فقد أقر الفصل 65 منه أنه: "تضمن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري الحق في النفاذ إلى وسائل الاتصال السمعي والبصري لكل المجموعات السياسية خلال مرحلة ما قبل الحملة الانتخابية أو ما قبل حملة الاستفتاء على أساس التعددية.

كما تضمن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري تعددية الإعلام السمعي والبصري وتنوّعه خلال الحملة الانتخابية وإزالة العراقيل التي تتعارض مع مبدأ النفاذ إلى وسائل الاتصال السمعي والبصري على أساس الإنصاف بين جميع المترشّحين أو القائمات المترشحة أو الأحزاب."

 

وفي هذا الفصل إقرار ضمني أن للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ولاية على وسائل الإعلام السمعية والبصرية أثناء الفترات الانتخابية علاوة على الولاية العامة على القنوات التلفزية والإذاعية خارج الفترات الانتخابية، فقد منح هذا الفصل للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري صلاحيات ضمان حق النفاذ للمترشحين أو القائمات المترشحة أو الأحزاب إلى وسائل الإعلام وكلفها بالسهر على ضمان تنوع وتعدد وسائل الإعلام السمعية والبصرية،

كما أقر الفصل 66 فقرة 03 أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تتولى بالتشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ضبط القواعد الخاصة باستعمال المترشحين عن الدوائر الانتخابية في الخارج لوسائل الاتصال الأجنبية السمعية والبصرية،

كما أقر الفصل 67 في فقرته الأولى كما أسلفنا الذكر أن هيئة الانتخابات تتولى بالتشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ضبط القواعد والشروط العامة التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية،

كما أشار نفس الفصل في فقرته الثالثة أن الهيئتين تحددان بقرار مشترك قواعد الحملة الخاصة بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري وإجراءاتها والشروط المتعلقة بإنتاج البرامج والتقارير والفقرات المتعلقة بالحملات الانتخابية. وتحدد الهيئتان المدة الزمنية للحصص والبرامج المخصّصة لمختلف المترشّحين أو القائمات المترشّحة أو الأحزاب وتوزيعها وتوقيتها بمختلف وسائل الاتصال السمعي والبصري على أساس احترام مبادئ التعددية والإنصاف والشفافية،

كما أشار الفصل 68 في فقرته الثانية أن المبادئ المنظمة للحملة تسري على المواقع الإلكترونية الرسمية لمنشآت الاتصال السمعي والبصري وأسند للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري مهمة مراقبة مدى تقيّد المنشآت بهذه المبادئ.

كما أسند الفصل 73 للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري مهمة التثبت من احترام المترشحين أو القائمات المترشحة أو الأحزاب لتحجير القيام بالدعاية الانتخابية أثناء الحملة في وسائل الاتصال السمعي والبصري الأجنبيّة غير الخاضعة للقانون التونسي والتي تبث في اتجاه الجمهور التونسي.

 

وأقرت الفقرة الثانية من نفس الفصل ضرورة تولي الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري إعلام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بجميع الخروقات المرتكبة والقرارات المتخذة من قبلها طبق أحكام الباب الثالث من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 في أجل 24 ساعة من اتخاذها.

كما أحال الفصل 74 من القانون الانتخابي على الفصل 46 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 الذي ينص على أنه: "تتولى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، بجميع الوسائل الملائمة، مراقبة احترام المترشحين ومنشآت الإعلام والاتصال السمعي والبصري لأحكام هذا الباب وتتلقى الطعون المتعلقة بها.

وعند الاقتضاء تتخذ الإجراءات وتسلط العقوبات الكفيلة بوضع حد لها فورا وفي كل الحالات قبل نهاية مدة الحملة الانتخابية.

 

إذا، فقد أقر المشرع من خلال مجموعة الفصول التي تم إدراجها ضمن القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ولاية خاصة للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في الفترات الانتخابية وتشمل هذه الولاية وسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري والمواقع الإلكترونية الرسمية لهذه المنشآت علاوة على مراسلي ومكاتب القنوات الأجنبية وعلى الوكالات وشركات الإنتاج المتعاقدة معها داخل الجمهورية التونسية، وهي ولاية تخرج عن الولاية العامة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات على الشأن الانتخابي عموما وتتداخل فيها أدوار الهيئتين من خلال تطبيق مبدأ التشاور في سن النصوص الترتيبية المنظمة للتغطية الإعلامية على غرار القرار المتعلق باستعمال وسائل الإعلام الأجنبية والقرار المتعلق بضبط القواعد والشروط العامة التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء والقرار المشترك،

ونستنتج من هذا، أن المنطق الذي صيغ به القانون الانتخابي في الجانب المتعلق بالحملة الانتخابية في وسائل الإعلام هو منطق تشاركي يقوم على التنسيق بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري بما أن هذه الأخيرة هي صاحبة الاختصاص بموجب المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 وهي صاحبة الولاية على وسائل الإعلام السمعية البصرية وهو أمر معمول به في مختلف التجارب المقارنة على غرار التجربة الفرنسية، حيث تتولى هيئة السمعي البصري الفرنسية ضبط كل القواعد الواجب الالتزام بها من قبل وسائل الإعلام خلال الفترات الانتخابية وهو أمر تقرّه أيضا المعايير الدولية المنطبقة في المجال،

 

إذا، فقد ورد الفصل الأول من القرار عدد 31 لسنة 2022 المؤرخ في 18 نوفمبر 2022 مخالفا مخالفة صريحة لمقتضيات القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وذلك من خلال الإشارة إلى "ولاية كاملة" لهيئة الانتخابات وهذا لا يتعدى كونه مجرد تلاعب بالعبارات وإنشاء لا معنى له،

اذ لا تعارض بين الولاية العامة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات فيما يتعلق بكافة العملية الانتخابية وبين الولاية الخاصة للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري على وسائل الإعلام السمعية والبصرية في الفترة الانتخابية بما أنها صاحبة الاختصاص من ناحية القانون ومن ناحية الواقع، علاوة على أن المشرع قد أقر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تعتمد على التقارير والقرارات الصادرة عن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري أثناء تثبتها من مدى احترام المترشحين للمبادئ الأساسية المنظمة للحملة الانتخابية،

وهو إقرار يجعل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في محور العملية الانتخابية في جانبها المتعلق بوسائل الإعلام السمعية والبصرية ويجعل منها هيئة رقابة وهيئة زجر فيما يتعلق بالتقيد بالمبادئ المنظمة للفترة الانتخابية.

 

هذا لا يعفينا طبعا من وجوب الإشارة إلى الإشكالات أو النقائص التي يتضمنها القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء من خلال منحه للهيئة العليا المستقلة للانتخابات مهمة ضبط قواعد الحملة الخاصة بوسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية والحال أنها غير مختصة في ذلك ولا تملك الآليات الكفيلة بتفعيل رقابتها على هذه الوسائل، وقد كان من المنطقي منح هذه المهمة إلى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري استثنائيا خلال الفترات الانتخابية على اعتبار أنها الهيئة الأقرب من الناحية التقنية والعلمية لوضع القواعد وتولي الرقابة،

كما أن من النقائص الجوهرية التي تشوب القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء عدم وضوحه فيما يتعلق بصلاحيات الهيئتين فيما يتعلق بالسمعي البصري علاوة على أن اشتراط مبدأ التشاور يمكن أن يشكل عائقا واقعيا لصياغة هذه النصوص الترتيبية وبالتالي فأي تعديل للقانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء لا بد أن ينطلق من فكرة أن للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ولاية عامة على وسائل الإعلام السمعية والبصرية وبالتالي تحال إليها كل الاختصاصات المتعلقة بالسمعي البصري بما أنها صاحبة الاختصاص وهي التي تتولى الرقابة واتخاذ القرارات وتسليط العقوبات،

علاوة على ضرورة التخلي نهائيا على فكرة القرار المشترك ومنح الصلاحية كاملة للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في ضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على كافة وسائل الإعلام التقيّد بها سواء خلال فترة ما قبل الحملة أو الحملة الانتخابية، أي منح كتلة اختصاص للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري فيما يتعلق بهذا المجال لإضفاء النجاعة على عملية ضبط القواعد والرقابة واتخاذ القرارات،

 

3-    في تجاوز القرار عدد 31 لسنة 2022 لمجال تدخّله:

اتخذت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هذا القرار على أساس الفقرة الأولى من الفصل 67 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء والذي أشار أنه:" تتولى الهيئة بالتشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ضبط القواعد والشروط العامة التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية."

والمقصود هنا بالشروط العامة هو القواعد الأساسية الواجب التقيّد بها أثناء الحملة الانتخابية والواردة في القانون الانتخابي في القسم المتعلّق بتنظيم الحملة الانتخابية ومراقبتها،

وقد ميّز المشرع بين القواعد العامة التي تلزم كافة وسائل الإعلام والقواعد الخاصة بوسائل الإعلام السمعية والبصرية والتي خصّها بقرار مشترك يتم فيه ضبط الشروط المتعلقة بإنتاج البرامج والتقارير والفقرات المتعلقة بالحملات الانتخابية والمدد الزمنية للحصص والبرامج المخصّصة لمختلف المترشّحين أو القائمات المترشّحة أو الأحزاب وتوزيعها وتوقيتها بمختلف وسائل الاتصال السمعي والبصري على أساس احترام مبادئ التعددية والإنصاف والشفافية،

وهذا التفريق منهجي وضروري حتى يتم الفصل بين المبادئ أو القواعد العامة التي لا يمكن أن تتجاوز منطوق القانون الانتخابي صراحة أو ضمنيا وبين القواعد الخاصة بوسائل الإعلام السمعي والبصري التي أحالها للهيئتين حتى تفصلها وتحددها بالتدقيق في إطار الالتزام بمبادئ التعددية والانصاف والشفافية،

إلا أن القرار عدد 31 لسنة 2022 المؤرخ في 18 نوفمبر 2022 قد تجاوز الحدود المرسومة له في الفصل 67 فقرة أولى من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وتعداها لضبط قواعد خاصة بوسائل الإعلام السمعية والبصرية في تجاوز صريح لمقتضيات الفصل المشار إليه ولصلاحيات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري التي تساهم مع هيئة الانتخابات في ضبطها،

 

4-    في الاحتكار غير المشروع لصلاحيات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري:

 

خصّص القرار المشار إليه الباب الرابع منه لضبط القواعد الخاصة المتعلقة بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري وهو ما يعتبر تحويل وجهة للقرار المشترك الذي تحدده الهيئتان حسب الفصل 67 فقرة 03،

وقد تجاوز الأمر هذا الحد حيث منحت هيئة الانتخابات لنفسها صلاحية مراقبة الحملات الانتخابية وحملة الاستفتاء بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري في مخالفة صريحة لمقتضيات القانون الانتخابي وأحدثت بموجب الفصل 13 مكرر من القرار المشار إليه خليّة في الغرض تشرف على عملية رصد الحملة في جميع البرامج الإخبارية أو الحوارية أو حصص التعبير المباشر أو غيرها،

كما خصصت الفصول 13 ثالثا ورابعا وخامسا وسادسا وسابع وثامنا لضبط قواعد تسجيل وبث حصص التعبير المباشر في وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية والحال أنها مسألة تم تنظيمها سابقا في إطار القرارات المشتركة بين الهيئتين في تعد صارخ على القانون الانتخابي.

لم تكتف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بذلك بل تجاوزته لتقر قواعد تفصيلية تتعلق بنفاذ المترشحين أو القائمات المترشحة أو الأحزاب إلى وسائل الإعلام السمعية البصرية في الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية والجهوية والاستفتاء وهي مسألة دقيقة تتطلب تمحيصا كما تتطلب إبداء الهيئة ذات الاختصاص لرأيها،

 

علاوة على ذلك، منحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لنفسها بموجب الفصل 18 مكرر، وهو فصل جديد، صلاحيات اتخاذ القرارات فيما يتعلق بالمخالفات المرتكبة من قبل وسائل الإعلام وألزمت وسيلة الإعلام المعنية بتدارك الإخلال في ظرف 24 ساعة في مخالفة جوهرية وصريحة لمقتضيات الفصل 73 فقرة 02 والفصل 74 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، واللذان منحا الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري صلاحية تسليط العقوبات المناسبة على وسائل الإعلام المخالفة وإحالة الخروقات المرتكبة والقرارات المتخذة من قبلها على هيئة الانتخابات، وفي هذا الإجراء الأخير تجاوز خطير للسلطة واستحواذ جوهري على صلاحيات ممنوحة بموجب القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري،

 

كما تولت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مخالفة مقتضيات الفصل 73 فقرة 02 الذي يقر أنه:" تُعلم الهيئةُ العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري الهيئةَ بجميع الخروقات المرتكبة والقرارات المتخذة من قبلها طبق أحكام الباب الثالث من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 في أجل 24 ساعة من اتخاذها. وفي صورة وجود مخالفة من قبل المترشحين، تتخذ الهيئة القرارات اللازمة طبق أحكام هذا القانون."

حيث أشارت في منطوق الفصل 18 ثالث من القرار المشار إليه أنه لا يعتد بغير التقارير الواردة من قبل خليّة الرصد التي تولت إحداثها بموجب الفصل 13 مكرر، ضاربة عرض الحائط حجيّة التقارير الواردة من قبل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري والتي أقرها الفصل 73 فقرة 02 من القانون الانتخابي،

وعلاوة على كل هذه التجاوزات، أقرت هيئة الانتخابات في الفصل 18 رابعا من القرار المشار إليه أنها ستتولى إشعار النيابة العمومية بكل المحاضر والشكايات المتعلقة بشبهة ارتكاب جرائم انتخابية من قبل وسائل الإعلام بمختلف أصنافها في مخالفة صريحة لمقتضيات القانون الانتخابي الذي يمنح للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري صلاحية اتخاذ القرارات في حق المنشآت الإعلامية المخالفة طبقا للأحكام الواردة في الباب السادس من القانون الانتخابي،

وأدخلت طرفا غير معني بالخروقات التي ترتكبها وسائل الإعلام وهي النيابة العمومية حتى تنتصب كسلطة تحقيق على وسائل الإعلام السمعية البصرية في مخالفة صريحة للنظام القانوني الذي يخضع المنشآت الإعلامية بصفة حصرية للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، علاوة على خطورة هذا التمشي فيما يتعلق بسلامة المناخ الانتخابي وبنجاح التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية في وسائل الإعلام السمعية والبصرية والتي ستصبح بموجب قرار هيئة الانتخابات المؤرخ في 18 نوفمبر 2022 مهددة بالإحالة على النيابة العمومية من أجل ارتكاب جرائم انتخابية كالإشهار السياسي وخرق الصمت الانتخابي ونشر نتائج سبر الآراء والحال أن هذه المخالفات التي ترتكب في وسائل الإعلام تخضع لسلطة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري بصريح نص القانون الانتخابي،

 

خاتمة

 

نستنتج من كل ما سلف بيانه، أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، قامت من خلال قرارها المؤرخ في 18 نوفمبر 2022 بعملية سطو على صلاحيات هيئة أوكل لها القانون الانتخابي صلاحية ضبط القواعد والشروط الخاصة بتغطية الحملة الانتخابية في وسائل الإعلام السمعية والبصرية ومراقبتها وتسليط العقوبات عليها وهو ما يجعل قرارها الترتيبي الصادر بتاريخ 18 نوفمبر 2022 مخالفا بطريقة جوهرية لمقتضيات القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ومعطلا للباب الرابع من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011،

علاوة لما لهذا القرار من تداعيات خطيرة فيما يتعلق بقدرة وسائل الإعلام السمعية والبصرية على أداء الدور المنوط بعهدتها على اعتبار الخطر الداهم الذي يتضمنه منطوق الفصل 18 رابعا من القرار المشار إليه من خلال التلويح بإحالتها على النيابة العمومية وعلى اعتبار اخضاعها لسلطة هيئة غير مختصة في احتكار كامل للعملية الانتخابية،

ومن هنا تتأتى الخطورة، حيث تم ضرب كل القواعد الأصولية التي تنظم عملية التغطية الإعلامية في وسائل الإعلام السمعية والبصرية وإرساء قواعد جديدة تتعارض مع مقتضيات القانون الانتخابي يمكن الاستناد لها في المستقبل لتحجيم صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري فيما يتعلق بالفترات الانتخابية وإقرار ما يسمى "بالولاية الكاملة" لهيئة الانتخابات على مختلف جوانب الشأن الانتخابي وهو مسار نلمسه من خلال مؤشرات عديدة أهمها الصمت غير المفهوم وغير المبرّر للسلطة السياسية الحالية وخاصة رئيس الجمهورية أمام هذه التجاوزات الخطيرة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

 

 

*شوقي سعيداني

باحث في العلوم السياسية

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter