alexametrics
الأولى

بكالوريا 2021 - متلازمة 'نحبّ نخرج من تونس'

مدّة القراءة : 2 دقيقة
بكالوريا 2021 - متلازمة 'نحبّ نخرج من تونس'

 

الى وقت غير بعيد، كان النجاح في الامتحان الوطنيّ النهائي فرصة للرُقيّ في السلّم الاجتماعيّ عبر مصعد التعليم العموميّ،أي أنّ أي تونسيّ قادر على الوصول لأعلى المراتب في الدولة والمُجتمع عبر التحصيل المعرفيّ والعلمي والاجتهاد الدراسيّ. راهنت تونس على التعليم لقيادة مشروع وطني يهدف إلى تحديث المجتمع، ونجحت في توحيد مناهج التعليم وتجاوز الاقصاء القائم على الجنس، النعرات الجهوية، والمستوى الاجتماعي عبر نظام تعليم عمومي إجباري ومجاني ومختلط.


لكن، لا يمكن لهذا المصعد اليوم الاشتغالُ في دولة معطوبة- صار من السذاجة والعبث الحديثُ عن مصعد اجتماعيّ في زمن الامتيازات الطبقية والمصعد المُهترئ الذي يعيد انتاج التفاوت. "نحبّ نكمل قرايتي لبرّا" كانت اللفظة المُشتركة بين المتفوّقات والمتفوقين في امتحان البكالوريا 2021، "نحب نخرج من تونس" التي أوصلتني الى هُنا، أريد أن أتشبّث بتميّزي كقشّة نجاة توصلني الى برّ الأمان. هل يُمكننا لومهم أو تخوينهم لأنهم لم يقرروا البقاء والمساهمة في بناء وطنهم؟


فعليا، لا . حان الوقت لنعترف بعدم جدوى السرديات القديمة عن "الدولة الوطنية المثلى" التي تُكوّن أبنائها وفق تعليم عموميّ يضمن المساواة في الولوج للعلم والمساواة في التقدّم الشخصي، فلا النظام التعليمي الأجوف اليوم يسمحُ بالادعّاء أننا نكون نُخبا مستقبلية داخل مدارسنا ولا واقع التفاوت الجهوي في الولوج للتعليم يسمح بأن ندّعي أننا التفوق الدراسي هو الملجأ الوحيد لأبناء الطبقات والجهات الأقلّ حظا. أمام انسداد افاق هذا البلد، لا عنوان سوى الخلاص الفرديّ على أنقاض الخلاص المجتمعيّ الذي كنا نحلم به بعد الثورة.

الحلّ هو الهروب من المأزق المجتمعي الى أرض امنة تمنحُ زائريها العلم، والكرامة، والاعتراف. الفردانية الصاعدة مردّها اختناقُ الفرد في محيط يُرهقه العنف والكراهية والجريمة والافلات من العقاب وافلاس النظام التربوي والتعليمي من أيّ قيمة فعلية وفشل مؤسسات التنشئة الاجتماعية (العائلة، المدرسة، المجتمع) في خلق مناخ من الأمن والسلام النفسي.

هكذا يصبح الفردُ أمام دولة معطوبة، مجتمع معطوب، وذوات معطوبة عليه الفرار منها وانقاذ نفسه. الشابّ التونسي لم يعد يثق بجامعات بلده ذات المستوى المتدنّي دوليا ولا قدرة دولته لاحقا على ادماجه في سوق الشغل ولا على قدرته في التنازل، والتأقلم، والعيش داخل هذه الفقاعة الّمتآكلة بينما العالم خارجا أرحبُ وألطف ويشهد تقدما علميّا ورقيما وقيميّـــــا عظيما عكس هذه الدولة التي يديرها مجموعة من الفشلة، منذ عقود، ساهموا في انهيار المنظومة التعليمية واعادة انتاج التمييز الطبقي عبر خلق تعليم للفقراء واخر للغتياء تسيطر عليه شبكات المدراس والمعاهد والجامعات الخاصة.

تزدادُ الرغبة في الانسحاب من الجماعة نحو الخلاص الفردي لدى التلميذات المتفوّقات، من جهة لكون هذا البلد غير امن للنساء وكون العلم في المجتمعات الذكورية هو أداة لاثبات الذات والتحرر والمشاركة المُستحقة في الفضاء العام الذكوري والانطلاق نحو الاستقلالية بعيدا عن سطوة العائلة، ثم في مستوى ثاني تكون الدراسة في الخارج لا فقط مصعدا للتفوق الاجتماعي بل سبيلا امنا ومضمونا نحو عالم مهني يضمن استقلالية ماديّة تخوّل لها فعليا أن تعيش حرّة.


لهم كامل الحقّ في التفكير في ذواتهم ومُستقبلهم، ومن الطبيعيّ أن ينمو لديهم هاجسُ الهرب من دولة تُسدل الستائر بيننا وبين العالم الحرّ والمتقدم،، ومن حقل الموت الذي يزدادُ قتامة كل يوم، ومن منظومة اختلال فتسجنُ أبنائها بشبهة تبييض الأموال والارهاب لأنهم يمتلكون عملة رقميّة، أو تسحل أبنائها لأنهم احتجّوا. لهم كاملُ الحقّ في الرغبة في أن يعيشوا تحت الشمس ويتركوا ورائهم القنوط والكآبـة والسير الى الخلف عكس تيار التاريخ، لهم كامل الحق في الرغبة أن لا يرثوا صراعات غيرهم حول الهوية والدين والنظام السياسي وأن لا يُكوّموا الفشل في الزوايا وأن لا تقتلع الفاشية أجنحتهم وأن لا يعيشوا تحت التهديد والخطر المؤجل وفي استعداد دائم للحُزن والخيبات.

 

عبير قاسمي

 

 

 

 

 

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter