alexametrics
الأولى

أزمة تونس بين خطابات التحريض على العنف ودعوات حل البرلمان

مدّة القراءة : 6 دقيقة
أزمة تونس بين خطابات التحريض على العنف ودعوات حل البرلمان

ساهمت موجة العنف وخطابات التحريض والكراهية تحت قبّة البرلمان في الفترة الأخيرة من قبل النواب الإسلاميّين في خلق دعوات من قبل العديد من السياسيّين ورواد الرأي العام إلى تدخّل رئيس الجمهورية قيس سعيد لحلّ البرلمان معتمدا على الإمتيازات التي يمنحها له الدستور التونسي. 

 

انطلقت شرارة العنف مؤخرا داخل مجلس نواب الشعب بعد أن أقدم النائب عن الإئتلاف الإسلامي محمد العفاس على إهانة المرأة التونسية ونعتها بأبشع النعوت وخاصّة تعمّد توجيه تُهم لا أخلاقية للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، تصريحات ساهمت في خلق حالة من الفوضى والتوتّر بين النواب وطالبت لجنة شؤون المرأة بالمجلس عقد جلسة عامة للتداول في تلك التصريحات. الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ندّدت في بيان لها  بتصريحات النائب الإسلامي ووصفته بالنائب المتطرف المتستِر بغطاء الدولة المدنية الضامنة للحريات من أجل الترويج لأفكاره الإرهابية وتصورات تياره الرجعية والمنقلبة على الدولة وعلى الدستور وطالبت مكتب المجلس بإصدار بيان استنكار لتصريحات العفاس معتبرة أنّ ما قاله لا يعتبر "حرية تعبير" وإنّما يُعدّ "انتهاك صارخ للدستور وللحقوق والحريات والذي لا يمكن أن يندرج بأية حال من الأحوال تحت غطاء حرية التعبير التي تعلل بها هذا النائب".

وازدادت وتيرة العنف إلى حدّ إراقة الدّماء حين تمّ عقد جلسة عامة يوم الإثنين الفارط وتمّ خلالها مناقشة تصريحات العفاس من قبل لجنة شؤون المرأة إلاّ أنّ نواب الإئتلاف الإسلامي الذين رفضوا نقاش تصريحات زميلهم قاموا بإثارة الفوضى خلال الجلسة وأصاب أحدهم النائب عن الكتلة الديمقراطية أنور بالشاهد في جبينه بقارورة ماء حتى سالت دمائه. نواب الكتلة الديمقراطية في حركة احتجاجية منهم على خلفية إصابة زميلهم قرّروا الإنسحاب من الجلسة والدخول في اعتصام مفتوح تنديدا بالعنف وتوجّهوا لملاقاة رئيس الجمهورية قيس سعيد حيث استعرضوا له حقيقة ما حصل وعبّر قيس سعيد بدوره عن رفضه للعنف ووجّه رسائل مشفّرة لنواب النهضة وائتلاف الكرامة وهدّدهم غاضبا بإمكانية تدخّله عن طريق الدستور لوضع حدّ للعنف داخل البرلمان. كلمة رئيس الجمهورية لم تُعجب نواب الإئتلاف الإسلامي وفي سابقة خطيرة في تاريخ تونس يقوم النائب المتطرّف الإسلامي سيف الدين مخلوف بإهانة قيس سعيد على المُباشر وتهديده بأنّه غير قادر على فعل أيّ شيء وتوجّه له قائلا  ''يا قيس سعيد لم تعُد رئيسا للجمهورية ولا تستحقّ الإحترام''.

 

إراقة الدماء داخل البرلمان كانت النقطة التي أفاضت الكأس واستنزفت صبر الرأي العام والكثير من السياسيّين على هذا المجلس الذي أصبح مصدحا للتكفير وحماية الإرهابيّين ووسيلة للتشجيع على العنف، وطالب الكثير منهم رئيس الجمهورية قيس سعيد للتدخّل لحلّ هذا البرلمان ''الفضيحة'' ووضع حدّ لكلّ تلك المهازل باستعماله للفصل 80 من الدستور. من أهم الشخصيات البارزة التي دعت رئيس الجمهورية للتدخل وحلّ البرلمان الوزير السابق محمد عبو الذي دعا قيس سعيد قائلا ''المخرج بيدك سيّد رئيس الجمهورية أو دع الناس ينزلون إلى الشارع''، كما نشر تدوينة على حسابه الخاصّ بالفيسبوك بيّن من خلالها استراتيجية حلّ البرلمان دون اللّجوء إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور من قبل رئيس الدولة لإنهاء ''حالة حالة العبث وحكم الجريمة لدولتنا''ومن بين مقترحات عبو، نشر قوات الجيش بطلب من القائد الأعلى للقوات المسلحة في المدن وكافة مناطق الإنتاج، واستنفار قوات الأمن لحفظ النظام ومكافحة الجريمة، وتطبيق القوانين بصرامة مع التوصية الشديدة باحترام حقوق المواطنين وحرمتهم، وعدم معاقبة من يقوم بواجبه المهني متقيدا بالقوانين والتراتيب (هذه الإجراءات، تكون تحسبا لإنفلاتات تحركها أي جهة مستفيدة من الفوضى وخاصة ممن قد تستهدفهم بعض الإجراءات)، بالإضافة إلى دعوة رئيس الحكومة هشام المشيشي لتقديم استقالته ثم تكليفه بتسيير الأعمال. كما دعا النائب المستقل منجي الرحوي رئيس الدولة لحلّ البرلمان، بالإضافة إلى العديد من النواب الذين نادوا بشعار ''حلّ البرلمان واجب'' والعديد من رواد الرأي العام أيضا شدّدوا على ضرورة حلّ مجلس النواب الذي أصبح حلبة للصراعات وخطابات الكراهية والعنف. 

 

استنكر العديد من النواب دعوات حلّ البرلمان أو التدخّل العسكري في تونس، على غرار الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي الذي دعا إلى التصدّي لكلّ الدعوات الرامية للإنقلاب على الدستور ومؤسسات الدولة معتبرا أنّ كلّ محاولات الإنقلاب على المسار الديمقراطي. أيضا دعا عياض اللومي إلى تطبيق الفصل 72 من المجلة الجزائية والذي ينصّ على  أنه "يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي'' وشدّد اللومي على ضرورة محاكمة كلّ الإنقلابيّين محاكمة عادلة. من جهته، اعتبر رئيس البرلمان راشد الغنوشي في ندوة صحفية له اليوم الخميس أنّ دعوات حلّ مجلس نواب الشعب هي نابعة عن أطراف خسرت في الإنتخابات وغايتها إثارة الفوضى مؤكّدا أنّ  استقرار البلاد غير مُهدد كما يتمّ الترويج لذلك وحذّر المواطنين من خطورة الإنسياق وراء تلك الدعوات قائلا ''البرلمان يبني ولا يهدّم''، كما برّر الغنوشي العنف داخل المجلس واعتبره في إطار الديمقراطيات الناشئة ولكنّه شدّد على رفضه لكلّ أشكال العنف وأدانها وكشف أنّ النظام الداخلي للبرلمان بصدد التطوير كي تُحدّد آليات التعبير لدى النواب وتُرسم لهم الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها مع وضع العقوبات اللازمة لكلّ معارض. 

 

خُبراء القانون الدستوري يجمعون على عدم توفر إمكانية قانونية لحل البرلمان فيما ذهب آخرون لإستحالة ذلك في الوضع الراهن، وهذا إجابة منهم على دعوات تفيعل الفصل 80 من الدستور، وبالنظر في الفقرة الأولى من هذا الفصل يتبيّن لنا أنّ قيس سعيد لا يُمكنه تفعيل هذا الفصل إلاّ في ''حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة'' بينما أنّ الوضع ليس كما نصّت عليه هذه الفقرة. وفي حالة تفعيله لهذا الفصل، فإنّه ووفقا للفقرة الأولى منه يتوجّب عليه ''استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب'' ولكن نُسجّل غياب المحكمة الدستورية.

كما تنصّ الفقرة الثانية من الفصل 80 أنّه ''لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة''، كما أنّ هذا الفصل لا يحلّ مجلس نواب الشعب بل يجعله في حالة انعقاد دائم ''ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة''. الشروط الدستورية لحلّ البرلمان مرتبطة بتوفر شرط استقالة ثلثي أعضائه، كما أنّ الفصل 89 من الدستور في فقرته الرابعة ينصّ على أنّه يمكن حلّ البرلمان في هذه الحالة ''إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما''، وهو أمر غير متوفر في الظرف الراهن. 

 

تمرّ البلاد بحالة من الفوضى وعدم الإستقرار على كلّ المستويات وأصبح مجلس نواب الشعب منبعا لتصدير العنف وخطابات الكراهية وزادت وتيرة تشنّج العلاقة بين نوابه في حين أنّه أمام غياب المحكمة الدستورية وغياب نصوص دستورية واضحة تمنح لرئيس الجمهورية قيس سعيد الحقّ في التدخل لحلّ البرلمان، تظلّ دعوات حلّ المجلس غير مُجدية وأهمية إيجاد حلّ يضمن استقرار البلاد ضرورة قصوى.

يسرى رياحي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter