alexametrics
الأولى

هل يُحيل نظام التقاعد الجديد أزمة الصناديق الإجتماعية على المـعاشْ؟

مدّة القراءة : 3 دقيقة
هل يُحيل نظام التقاعد الجديد أزمة الصناديق الإجتماعية على المـعاشْ؟


للمسألة الإجتماعية، ثقلها، في ساحةِ المسألة الوطنيّة. حيز تبدُو فيه قديمة-جديدة تؤرِقُ كلّ الحكومات المتعاقبة. كيف نصلح الصناديق الإجتماعيّة ونظام التقاعد؟ يتردد هذا السؤال- ملحّا على الأسماعِ، وتحُوم حولهِ إقتراحات قصيرة العمر، تفشل قبل أن بدءهـا. رغم أنّ علاماتِ عجز الصناديق الإجتماعية اعتلت ملامحها منذ ثمانيناتِ القرن الماضي، الذي لا يعد سوى عقود بسيطة في عمر الدولةِ التونسية الحديثة، فإن العجز الهيكليّ الأعظم تجلّى بعد إلحاق جحافلِ خريجي العفو التشريعي العام، الذين حلقوا لحييّهم وأبدلوا القُمصان بالبدلات، ودخلوا أفواجا- الى رحمةِ الوظيفة العموميّة، فأنهكوا نسيجها البسيط، وفقّروها.

 

إجراءات إعتباطيّة تسببت في إغراق الصناديق الإجتماعية ومنظومة التقاعد التي أرستها دولة الإستقلال. عادت المسألة الإجتماعية الى اهتمامات الرأي العام، بعـد إقرار الترفيع في سن التقاعد اذ صادق مجلس نواب الشعب على مشروع قانون يُحدّد نظاما جديدا للتقاعد. وينص على أن سن التقاعد حُدّد بالنسبة الى المتمتعين بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد بـ62 سنة وبـ57 سنة بالنسبة إلى العملة الذين يقومون بأعمال منهكة ومخلة بالصحة .

 

كواليس الترفيع في سن التقاعد

 

مشكل نظام التقاعد التونسي انطلق منذ بدء تطبيق القانون المنظم لجرايات التقاعد في 1985 والذي منح المتاقعدين امتيازات أثقلت كاهل المالية العمومية في السنوات الاولى لدخول القانون حيز التنفيذ. النتيجة المباشرة كانت اختلال التوازنات المالية لسنوات لصالح جرايات التقاعد مقابل عدم توفير مداخيل تغطي الكلفة المطلوبة اغلقت هذه الصناديق في الديون. اول عجز تم تسجيله كان سنة 1992 بقيمة 4 مليون دينار.

تم اتخاذ اجراءات سنة 1994، لكنها كانت اصلاحات ترقيعية لم تتجه مباشرة الى التشخيص الهيكلي لمشكلة الصناديق بل اقتصرت على توفير مستحقات المتقاعدين. وظل العجز على حالة يتفاقم من سنة الى أخرى، الى حلول الثورة واعتلاء الاسلاميين الحكم، وموجة التعويضات الخيالية والحاق المتمتعين بالعفو التشريعي العام دون موجب حق بالوظيفة العمومية. هنا تلقت الصناديق الاجتماعية ضربة قاضية أخلت بما بقي من توازن، وبدأت مرحلة الفوضى والغرق الطوعي في الديون. الحل أمام هذه الازمة التي تهدد السلم الاجتماعية واحد أكثر فئات المجتمع هشاشة-المسنون، كان تنقيح قانون تنظيم جرايات التقاعد المؤرخ في 5 مارس 1985 بما تقتضيه المرحلة الحالية، الاشكال لم يكن قانونيا بالأساس فقد ساهمت فيه العديد من العوامل المتداخلة لكن الاصلاح المبدئي اتجه نحو أول لبنات المسألة أي سجلها القانوني. كنتيجة، ينص هذا القانون على الترفيع في مساهمات المؤجر بنسبة 2بالمائة. تقدر اذن العائدات المرتقبة لهذا الاجراء بالاضافة الى الترفيع بسنة في سن التقاعد وضمان عام اضافي من الانتاجية والمداخيل، بحوالي 285 مليون دينار لسنة 2019 و 800 مليون دينار لسنة 2020 و1050 مليون دينار لسنة 2012 .

 

تفاصيل نظام التقاعد الجديد


الفصل الأول من مشروع القانون  حدد آليات انسحاب نظام التقاعد الجديد على جميع الفئات  عبر الغاء العديد من الفصول وتحيين القانون عبر فصول جديدة:
الفصل 24 يحدد سن الإحالة على التقاعد باثنتين وستين/ 62 سنة. وحسب الفصل 27 تحدد سن الإحالة على التقاعد بسبع وخمسين/ 57 سنة بالنسبة الى العملة الذين يقومون بأعمال منهكة ومخلة بالصحة. وتضبط  بمقتضى بأمر حكومي قائمة هذه الأعمال بعد استشارة الهياكل والمصالح المختصة. يشير الفصل 28 الى أنه تتم الاحالة على التقاعد بالنسبة الى الأعوان الذين يمارسون وظائف مرهقة بعد قضاء خمس وثلاثين/  35 سنة عملا. من جهة أخرى يشيرالفصل 33 الى  اسناد تنفيل بمدة تساوي المدة المتبقية لبلوغ سن الثانية والستين الى فائدة العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي وأعوان المصالح النشيطة للديوانة الذين أصيبوا بجروح تعرضوا لها أثناء الشغل والتي جعلتهم عاجزين نهائيا عن ممارسة نشاطهم. الأعوان الذين أصيبوا أثناء الشغل بعجز تبلغ نسبته 80 بالمائة على الأقل ناتح عن جروح تعرضوا لها خلال أو بمناسبة عمليات الدفاع عن الوطن أو سلامته أو النجدة في صورة الكوارث الطبيعية. والأعوان الذين أحيلوا على التقاعد الوجوبي. في صورة اختيار الترفيع في سن الإحالة على التقاعد يجب على الأعوان المعنيين كل في ما يخصه تقديم مطلب كتابي إلى المشغل وذلك ستة أشهر قبل تاريخ بلوغ سن الإحالة على ويتولى المشغل إحالة مطالب اختيار الترفيع في سن الإحالة على التقاعد بعد الموافقة عليها إلى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطه الاجتماعية حال توصله بها. ويعتبر الاختيار الذي تم اعتماده من قبل العون المعني نهائيا وغير قابل للرجوع فيه. كما يتيح القانون الجديد للأعوان حريّة اختيار الترفيع في سن إحالتهم على التقاعد بسنة أو اثنين أو حتى ثلاث سنوات.

 

مؤاخذات

ماغفل- أو تغافل عنه هذا القانون، هو مسألة تكريس الشفافية والحوكمة داخل الصناديق الاجتماعية وتنويع مصادر التمويل المعلومة للعلن، بغاية إعادة التوازنات المالية. مساهمات الترفيع في سن التقاعد وعلى أهميتها ستغطي فقط 40 بالمئة من عجز الصناديق، خاصة وأنها تشكو قلّة الموارد في حين أن ديونها متخلّدة لدى مؤسسات الدولة. القانون لم يتضمن احتمالات لمصادر تمويل، أو مراجعة المنظومة التشريعية المتعلقة باستخلاص ديون الصناديق. الدور الاجتماعيّ لمنظومة التقاعد والضمان الاجتماعي لا تقتصر على وظيفة تقليدية هي رفاهية جرايات التقاعد، بل انها الحصن الأخير للطبقة الوسطى أمام وضع اقتصادي مأزوم.

غير بعيد عن عالم التشريعات الفخم-المنمق، و لليومِ الثالث، يمضي الحاج *بشير صبيحته الرمضانيّة الماطرة متئكا على عكّازه، في إنتظار صف طويل داخل مكتب البريد البعيد عن منزله. كان من المفترض أن يتلقّى جراية تقاعده المتواضعة، منذ 25 ماي، الّا أن عجـز الصناديق الإجتماعيّة، حـال دون تحصلّ الحاج- والأسرة التي يعيلـها، على معاشه الشهرّي. "صبّوا؟" .. يتدحرجُ السؤال من الأحلق الجافة بفعل الصيام الى فضاء مكتب البريد المكيف، ثقيلا، لازما، دُون إجابة.

 "أرجع غُدوا" تُجيبه بتململ موظّفة الإستقبال، التّي تم انتدابها إبان الثورة تعويضًا لنضال أبيها أيام التضييق على الاسلاميين. "يُمكنـك سحب مستحقاتك غدا، تم صرف الجرايات لكن عليك أن تنتظر 24 ساعة حتى تتمكن من السحب".

يعود الشيخ، كيلومترات مشيـا، مُصّرا على الصيام، الى منزله في أحد الأحياء الشعبية بمعتمدية- رواد، فارغ اليدين، يستذكر سنوات عمله الطويلة في الصيدلية المركزية، التي تشهد بدورها .. نكبة أخرى.

(*اسم مستعار)

 عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter